وائل نجم
قبل حوالي أسبوعين من الآن، في الثاني والعشرين من أيار الماضي بالتحديد بعث العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز برسالة إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، يحذر فيها من مخاطر عودة الحرب الأهلية إلى لبنان، ومن محاولات عزل "المسلمين السنّة" في البلد، داعيًا الرئيس سليمان إلى رعاية مؤتمر وطني يجمع كافة القيادات لقطع لطريق على محاولات تصدير أزمات المنطقة إلى هذا البلد، وقد استجاب الرئيس ميشال سليمان لهذه الرغبة السعودية، ووجه الدعوة لأطراف الحوار السابق من أجل الاجتماع في بعبدا وإحياء جلسات الحوار السابقة من النقطة التي كان توقف عندها الحوار قبل حوالي سنة ونصف من الآن.
لقد وضع رئيس الجمهورية جدولًا لنقاط البحث التي سيتم الانطلاق منها والحديث فيها، وتلخصت في الآتي: الإجابة على الأسئلة الأربعة التي طرحها رئيس الجمهورية عن كيفية الاستفادة من السلاح إيجابًا للدفاع عن لبنان، ولماذا يستعمل ومتى وكيف وأين.. إلى السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وكيفية إنهائه وداخل المخيمات، وكيفية معالجته تنفيذًا لمقررات الحوار الوطني.. وإلى نزع السلاح المنتشر داخل المدن وخارجها.
لقد رسم رئيس الجمهورية خريطة طريق لهذا الحوار حتى لا يغرق في تفاصيل كثيرة تحرفه عن المقصود منه، أو تجعله يعالج قضايا غير ذات صلة بالواقع الأساسي، وبهذا المعنى بات الحوار محدد الأهداف، كما بات من المؤمل أن يخرج بنتائج ملموسة، وإن كان ذلك محل شك عند كثير من الأطراف. فكيف تعاملت الأطراف المعنية مع هذه الدعوة؟ مع التذكير بأن فريق 8 آذار الذي يتزعمه حزب الله ويضم التيار الوطني الحر برئاسة ميشال عون هو الذي أفشل جلسات الحوار السابقة، بينما كان فريق 14 آذار يصر على استمرارها ويطالب "حزب الله" بتقديم رؤية دفاعية مكتوبة على طاولة الحوار.
القوى المتحفظة ابتداء
لقد أبدت قوى 14 آذار ممثلة بشكل رئيسي بـ"تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" تحفظًا على قبول الدعوة، وسألت رئيس الجمهورية عن مصير البنود التي تم الاتفاق عليها في هيئة الحوار السابقة، كما اشترطت تشكيل حكومة حيادية تتعهد بتنفيذ ما تم وما يتم الاتفاق عليه من بنود، فضلًا عن أنها طالبت أن يكون بند السلاح البند الوحيد على الطاولة بعد أن تم الانتهاء من البنود التي كانت محل خلاف وبحث، مؤكدة أن هذا السلاح كان على الدوام هو المشكلة الأساسية لكل الأوضاع الصعبة والدقيقة التي مرّ ويمر بها البلد.
إلا أن هذا التحفظ بدأ بالتلاشي مع تأكيد مصادر بارزة أنه سيذهب إلى طاولة الحوار انطلاقًا من قناعته المبدئية بالحوار، وحتى لا يكون هو الفريق الذي يتحمل اندفاع البلد نحو المجهول، خاصة وأن الأوضاع الميدانية التي يعيشها لبنان تنذر بانزلاقه نحو الفتنة، إلا أن هذه المصادر أكدت في الوقت ذاته أن الشخصيات الرئيسية "سعد الحريري" و"سمير جعجع" لن تحضر الحوار بالنظر إلى المحاذير الأمنية التي تمنعها من ذلك. كما أنها أكدت أنها ستتمسك بطرحها ومواقفها من القضايا التي تشكل مادة الحوار الأساسية.
وقد بدا واضحًا أن هذا الفريق بدأ يتراجع عن تحفظه بعدما لمس أن الفريق المقابل أبدى تبرمه من جدول النقاط الذي وضعه رئيس الجمهورية للجلسة، وهو ما جعل فريق 14 آذار يعيد النظر في تحفظه.
والقوى المتحفظة تلميحا
في مقابل التحفظ الذي أبدته قوى 14 آذار ابتداءً على المشاركة في جلسة الحوار التي دعا إليها الرئيس سليمان، أبدت قوى 8 آذار موافقة مطلقة على المشاركة قبل تحديد جدول الأعمال بالنقاط الأربع السالفة الذكر، إلا أنها بعد تحديد الجدول بدأت تبدي بعض التحفظ تلميحًا وليس تصريحًا.
فقد طالب رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب "ميشال" عون بضم قضية الإنفاق المالي الحكومي إلى جلسة الحوار، وقد اعتبر هذا الطلب وهو خارج عن سياق أي بند حواري في الهيئة السابقة، أو أنه ليس محل اختصاص المتحاورين، اعتبر هذا المطلب من قبل النائب عون بمثابة الاعتراض غير المعلن على جدول الأعمال، أو محاولة لتفريغ الحوار من مضمونه الأساسي، وحرفه عن القضية الأساسية التي ينعقد من أجلها.
كذلك تقدم أمين عام "حزب الله" "السيد حسن نصرالله" باقتراح تشكيل مجلس تأسيسي ينظر في كافة القضايا الخلافية بالبلد، على غرار ما يجري في دول "الربيع العربي"، وهو ما نظر إليه البعض كمحاولة لإغراق البلد في حوارات غير مجدية، أو لتجاوز الدستور واتفاق الطائف، وصولًا إلى إخراج "مادة السلاح" التي يعتبر الحزب معنيًا بها بشكل رئيسي من الحوار والسجال، أو الوصول إلى البحث الجدي في النظام السياسي وعندها تكون النتائج مختلفة تمامًا.
وفي سياق الحديث عن هذه النقطة بالذات، اعتبر البعض أن ما طرحه "السيد نصرالله" لا ينطلق فقط من خلفية إغراق الحوار في قضايا تفصيلية من أجل إخراج السلاح من هذه الدائرة، وإن كان مجرد قبول الفكرة يؤدي إلى هذه النتيجة. إنما يرتكز الطرح أيضًا على مقدمة يمكن أن تكون نتيجتها وضع السلاح في مقابل إعادة إنتاج النظام السياسي في لبنان.
وفي حيثية هذا التصور يربط البعض بين ما يجري في سوريا وما يجري في أنحاء المنطقة وانعكاسه على لبنان، وفي هذا السياق يأتي الحديث عن سقوط النظام السوري عاجلًا أم آجلًا، وهو ما سينعكس سلبًا على موقع وموقف "الحزب" في المستقبل، وبالتالي فإن طرق وبحث هذا الملف في هذا التوقيت وبالتزامن مع المفاوضات التي تجري بين إيران ودول "الخمس زائد واحد"، وإعادة ترتيب المنطقة من جديد، قد يكون من مستلزماته بحث سلاح الحزب وشكل النظام السياسي في لبنان.
ومن هنا يقرأ البعض في هذا الاقتراح مقدمة للقول: إن الحوار حول السلاح للوصول إلى حل عبر استيعابه أو تنظميه بطريقة لا يعود فيها يشكل مصدر قلق أو عدم إجماع ممكن، ولكن عبر إعادة البحث في النظام السياسي على قاعدة إما احترام والتزام "دستور الطائف" لجهة إلغاء الطائفية السياسية بشكل جدي، وإما إعادة إنتاج النظام بشكل يسمح بتمثيل حقيقي للمكونات الموجودة، وهنا قد تكون المثالثة القاعدة الذهبية لشكل النظام الجديد.
المهم في هذه المرحلة بالذات أن الحوار قد يسحب كل فتيل للتفجير والتوتر، ويحصّن الداخل اللبناني أمام التداعيات القادمة من الخارج، ويجعل التوصل إلى حلول والحفاظ على الاستقرار أكثر إمكانية، في ظل الجو العاصف الذي يضرب المنطقة.
<!--EndFragment-->
نشرت فى 11 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
271,971
ساحة النقاش