جواد البشيتي
إنَّ أحداً من القادة الفكريين لِمَا اصطُلِح على تسميته "الإسلام السياسي"، وفي مقدَّمه جماعة "الإخوان المسلمين"، لا يجرؤ الآن، أيْ في القرن الحادي والعشرين، وبما يعنيه هذا القرن على صعيد "أُسلوب الحُكْم"، ومعايير العلاقة السوية بين "الحاكِم" و"المحكوم"، على معاداة "الديمقراطية"، أو اتِّخاذ الدِّين، نصَّاً واجتهاداً، دليلاً على وجوب نَبْذ "الديمقراطية "الغربية، التي تَنْتَقِل عدواها إلينا من أُمَمٍ غَلَّبَت، أو تَغلَّبَت فيها، "المادة" على "الرُّوح"""؛ فبابُ الاجتهاد مفتوح الآن على مصراعيه، ومن أجل الوصول إلى السلطة في طريقة القرن الحادي والعشرين، أمام "المجتهِدين" لِمَدِّ وتوطيد الجسور بين "الإسلام" و"الديمقراطية"، بما يسمح بـ"أسْلَمة الديمقراطية"، أو "دمقرطة الإسلام"؛ وإنَّها لمهمة من دونها "أيْ من دون إنجازها" خرط القتاد.
الآن، هُمْ يؤمِنون، أو يُظْهِرون إيماناً، بأنَّ "الديمقراطية" للبشر كافَّة، وبأنَّ "الحُكْم الرَّشيد" هو "حُكْم الشعب"، وبأنَّ "الشعب"، الذي اعترفوا بوجوده أخيراً، وإنْ شاب معناه لديهم ما يُفْسِد معناه العالمي والديمقراطي، هو مَصْدَر الشَّرْعية "السياسية" في الحُكْم.
لكنَّهم يتطرَّفون في مَيْلِهم إلى فَهْم، وإفهام العامَّة من الناس، "الديمقراطية" على أنَّها شيء يَعْدِل، أو يكاد يَعْدِل، "الانتخابات"؛ فَهُم "ديمقراطيون" إذا ما انتصروا لـ"الانتخابات"، وألْحَقوا الهزيمة بكثيرٍ من قِيَم ومبادئ الحياة الديمقراطية؛ فـ"أسْلَمة الديمقراطية" إنَّما تعني عندهم، وفي الممارَسة أوَّلاً، تضخيم هذا "الفِرْع"، أيْ "الانتخاب"، من "دوحة الديمقراطية"؛ وكأنَّ "المصلحة الدنيوية" الكامنة في هذا "الفَهْم"، وعلى أهميتها وقوَّتها، يُمْكِنها أنْ تأتي بمعجزة جَعْل "الجزء" مساوياً لـ"الكُلِّ"، أو أكبر منه!
وانتصاراً لـ"الحقيقة" نقول "وكان ينبغي لهم أنْ يبدأوا "عهدهم الفكري الجديد" بقولٍ مشابهٍ في معناه" إنَّ "الديمقراطية"، بقيمها ومبادئها العالمية التي نَعْرِف، لا وجود لها في "النَّص الديني"، ولا في التجربة التاريخية للدولة الإسلامية، أو للنظام السياسي في الإسلام؛ وإنَّ أي "اجتهاد" لن يقوى على النَّيْل من قوَّة هذه الحقيقة.
ولقد رأيْنا دائما، في جهودهم ومساعيهم الفكرية، التناقض نفسه؛ فَهُمْ أوَّلاً يَسْعون في إنكار وإلغاء ما هو في منزلة بديهية هندسية إذا ما رأوا فيها، أو في عواقبها، ما يضرُّ بـ"فِكْرَةٍ"، إنْ أصابها ضَرَرٌ تأذَّت مصالح دنيوية "وسياسية" لهم؛ فإذا انتهى سعيهم هذا إلى عاقبته الحتمية، وهي الفشل، لجأوا، على جاري عادتهم، إلى "زورق نجاتهم" الأخير، وهو "التأويل"، أيْ لعبة التأويل بما تعنيه من غُشٍّ وتدليس لغويين.
وفي "التأويل"، يستطيع المرء، كائناً مَنْ كان، وبقليل من الجهد الذِّهني، أنْ يَجِدَ "أو يَعْثُر على" المعنى الذي يريد في "النَّص" مدار التفكير والاجتهاد؛ وهذه "المُهِمَّة" التي يتوفَّرون على إنجازها، ويلبسونها، مع أصحابها، لبوس "القداسة"، يُخْرِجون "نتائجها" على هيئة "اكتشاف" لِمَا يُسمُّونه "بُذوراً"، أو "إشارات"، أو "تلميحات"؛ فـ"الديمقراطية"، مثلاً، ومن طريق "التأويل"، تُرى في "النَّص" على هيئة "بذور"، أو "إشارات"، أو "تلميحات"؛ أَوَلَم يروا، مِنْ قَبْل، "الاشتراكية"، على هيئة "بذور"، أو "إشارات"، أو "تلميحات"، في "نصوص" أخرى؟!
إنَّ "الدولة المدنية الديمقراطية"، بمفهومها العالمي، وخواصِّها وسماتها ومقوِّماتها التي نَعْرِف، لا وجود لها في أيِّ "نصٍّ ديني"؛ وليس ممكناً، من ثمَّ، رؤية وجودها فيه ولو بأقوى المجاهر؛ وأحزاب "الإسلام السياسي" ليست مَدْعوَّة إلى الإتيان بمعجزة إقامة الدليل على وجود ما هو غير موجود؛ فيكفيها، إذا ما أرادت أنْ تكفينا شرورها الكامنة في هذا "الخَلْق" و"الإبداع"، أنْ تُشْهِر إيمانها بهذه "الدولة"، بمفهومها المتواضَع عليه عالمياً، وتأخذ به مثلما هو عليه، بلا اجتزاء وانتقائية؛ فثمَّة بَوْن شاسع بين "تَدْيين الدولة" و"تَدَيُّن المجتمع"؛ فالأوَّل تُحرِّمه "الديمقراطية"، والثاني تُحلِّله. <!--EndFragment-->
نشرت فى 11 يونيو 2012
بواسطة mhmadshoo
عدد زيارات الموقع
271,983
ساحة النقاش