جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
بين قط وطفلة
إنه مخلوق اجتماعى مرح وفرح ، شديد التعلق بصاحبه ، الذى يحبه ويداعبه
له من الحذق والمهارة ، ما يوصف بالألفة والشطارة ، يميز بين الصغار والكبار ، ولا يمارس العناد والإصرار ، فهو هادىء الطباع ، وسهل الانصياع ، يوحى إليك بالتأمل والتفكر والتدبر ، ولا يعرف التكبر ، يتصرف بتلقائية وذكاء ، ويلهو ببراءة وعفوية وسريرة بيضاء ، يكره البلادة ، ويعشق السعادة ، حياته منظمة مرتبة ، يقضى جلها فى ملاطفة ومداعبة ، يشيع روح الطفولة ويشبعك بالحنان ، فيسود بينه وبينك مشاعر اطمئنان وإحساس بالأمان ، يلتصق بك فى حب ووداعة ، ويستأثر بتعاطفك بكل براعة ، يمتعك بحركاته البهلوانية ، ويفاجئك بانقضاضاته التمثيلية ، وما أن ينتهى من المناوشة ، وحركاته المناغشة ، حتى يعود إليك بكل هدوء ، يموء... وفى عينيه خدر وحذر وخِشى ، فيجمع أعطافه ، ويضم أكتافه ، فإذا غسته وزجرته ، ونهرته وأمرته ، ينصرف فاهماً لغة إشارتك ويسير... متحدياً من جحد، على نحو يدعو لدهشتك ، وكأنه أمير ... ليس عبداً لأحد
عندما أردت تنظيفه ، قمت باغتساله وتجفيفه ، فأضحى مرتعش الجسم والبدن ، يصيح بنواء فصيح ، جعلنى أشعر بالندم ، فالاستحمام وهو مقهور ، جعله الآن غير مسرور
فهو ينظف جسمه باللسان ، وليس فى حاجة لهذه الأمور
وهاهى طفلتى المدللة ، تهيم به حباً ووله ، فتقوم بمداعبته واصطحابه ، ليعود إلى لعبه وينسى ما أصابه ، بدأ يموء معبرا عن جوعه وما به ، ولم يمضِ كثير وقت حتى شرب ، ما وضعناه له من لبن ، وعندما شعر بالشبع ، راح يعاود اللعب ، يلف ويدور ، ويصول ويجول ، متفقداً مملكته بكل زهو وعجب
بعد قليل اختفى عن العيون التى رأته ، وكأن الأرض انشقت وبلعته .... مضت ساعات فى البحث عنه تحت قطع الأثاث ، حتى أمسينا نضرب أخماساً فى أسداس
وفجأة سمعت خرخرة تأتى من وراء ، فإذا بالقط ينام ، فى هدوء تام ، مع طفلتى وعلى صدرها ، ماداً يديه إلى حضنها وما هى إلا لحظات ، حتى أفاق ، فقفز من السبات العميق كأن له أجنحة كالفراش الطليق ، قفز قفزة عالية فى الهواء ، محاولاً الصعود للسماء !
ثم انطلق يجرى مستعرضا رشاقته ، ومظهراً جماله ووسامته ، فقفزت طفلتى من الفراش ، مرتدية قميصا من القماش ، وبدأت اللعب والصياح بسعادة ، مع قطها بنونوته المعتادة ... فهو صديقها وأنيسها ، الذى تشاركه سعادته فيزيل عنها حزنها
ولما كان قطها ، هو كل كل حياتها ، وجدتها تضع له برنامجاً يومياً ، تنفذه بكل دقة ، ورقة ،
ففى الصباح الباكر ، تنظف عينيه بالماء الفاتر ، وتمشط شعره بفرشاه ، بكل تؤدة وأناه ، ثم تحضر له لبن الإفطار ، الذى يتناوله بإعجاب وانبهار .... وفى الظهيرة تقدم له الغذاء ، ومعه الماء ... وعند العصارى يتم تشميسه وانطلاقه فى الهواء ، ثم وجبة خفيفة وبعدها العشاء ، ثم النوم فى المساء
وذات يوم من أيام الخريف ، أخذت طفلتى صديقها الأليف ، إلى الدولاب اللطيف ، لتنفرد بلعبها معه ، فما أجمل الاصطفاء وما أروعه .... لكنها وفى خلسة ، أتى الدولاب بما لاتشتهى الطفلة ... فعلى حين غرة أُغلق على ذيله الباب فخلّفَ العذاب وفقد وعيه ، ثم بدأ يصرخ صرخات عالية ، مستغيثاً من تلك الداهية ، وجسده يرتعش كمن لدغته حية ، ملأ المكان مواءا عالياً ، وصراخاً باكياً ... وتقلص وجهه والغضب كساه ، و كأنه موشك على مفارقة الحياة .... فطفلتى صرخت ، هى الأخرى وارتعدت ، وملأ الخوف عينيها بسبب هذا البلاء ، وانتابتها حالة من الهلع والبكاء ، ولم تصدق ما حدث ، ورددت : أنت قط وحش ...أنت قط وحش ، وراحت تستغيث من ثانى: القط خربشنى وهجم علىَّ وآذانى
ورأى القط ذو الذيل المقطوع ، شنهفة الدموع فهرع تحت المائدة للاختباء وعدم الرجوع ،
وأخذ كل منهما الحذر من الآخر لحظات، وماهى إلا دقائق معدودات ، حتى عادا إلى اللعب ونسيا ما فات ، فحل الفرح وعادت الابتسامات .......
فالعفو من شيم الكرام ، نتناسى فيه الخصام ، ولغة الانتقام ، ونبتعد عن خُلق الأشرار ، ونعيش فى حب مع الأبرار ، لتعود إلى مجراها الحياة ، وينقشع الغمام الشديد ، ويبزغ فجر وليد ، ثم تشرق شمس الحب علينا من جديد
...........
موقعى الشخصى على الرابط :
http://drmervat.blogspot.com/
ساحة النقاش