كتبت: الداعية ألفت مهنا
ومع ترقى الإنسان الذى شهد أن لا إله إلا الله من مقام الإسلام إلى الإيمان ليصل بتوفيق الله وحده إلى مقام الإحسان، وقد يسأل سائل: وهل بعد أن وصل المسلم أن أصبحت حياته كلها لله وأصبح قلبه محبا له وحده يحب بحبه من أحب ولا يرى هدفا له ومراد إلا الله هل بعد ذلك مقام؟؟
نعم .. إنه مقام لا يرى حتى نفسه لقد تبرأ المحسن من حوله وقوته وتمكنت رؤية الله في قلبه وعقله وبصيرته ولبه وأخذ الله كله حتى أصبح لا يجد فاعلا علي الحقيقة إلا الله مصداقا لقوله تعالي لسيد الخلق
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى}
نعم لقد أثبت الرمى له –عليه الصلاة و السلام – ولكنه نقلنا جميعا لرؤية الحقيقة وهي أن الله هو الذي قتل وهو سبحانه وتعالى الذى رمى.
إنه الله الذي خلق ثم نسب إلينا – كرما وتفضلا– ثم حبب إلينا الإيمان والعمل الصالح ثم وفقنا إليه ثم تقبله منا ثم يجازينا عليه ويعطينا الأجر الكبير على الفعل القليل .. ثم نتوهم أننا فعلنا ونسأله الأجر فيعطينا بل ويشكر لنا إنه هو الشكور بل أكثر من ذلك يستقرضنا ما وهبنا فمنا من يعطى ومنا من يبخل!
هل أيقنت الأن من المحسن على الحقيقة؟
إن كان المسلم قد عمل أجيرا والمؤمن قد عمل حبا فإن المحسن قد عمل عبدا لا يرى لنفسه حقا بل لا يرى نفسه أصلا. إنه مقام من إنتقل من العمل لنفسه إلي العمل لله ثم إلى العمل بالله، كما قال سبحانه فى الحديث القدسى: إن الله قال: من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلى عبدى بشىء أحب إلي مما إفترضت عليه، وما يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته:كنت سمعه الذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التى يمشى بها، وإن سألنى لأعطينه، ولئن إستعاذنى لأعيذنه، وما ترددت عن شىء أنا فاعله ترددى عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته.
حقا إنه يعيش بالله، بحول الله وقوته لا بحوله هو ولا قوته، إنه يحيا مدركا أنه وكل الخلق جند من جنود الله يحركهم لمراده ولقدره وقضائه فاذا سمع .. فكلام الخلق رسائل الحق، وإذا تكلم فهذا رزق السامعين، وإذا أعطى فمناولة من الله إلى السائل، وإذا أخذ فرزق ساقه الله إليه، إذا أطاع شكر لأنه سبحانه أراد أن يطاع فجعل ذلك منه واستخدمه فيه، وإذا عصى إستغفر وشكر الله أن هداه إلى التوبة لأنه هو التواب الرحيم.
لا يعتمد علي عمله بل لا يرى العمل ولكنه يعلم أن العمل مخلوق مثله فقد قال سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} الصافات96
نعم أنا مخلوق وعملى مخلوق والخالق هو الله الواحد الذى لا خالق سواه، فالفاعل لكل شىء مرفوع مكان ومكانة بأن عن خلقه يفعل فى ملكه ما يشاء ويستخدم للفعل من يشاء، ولا يُسئل عما يفعل سبحانه.
أما من وصل إلى أول مقامات الإحسان فإنه يرى أنه مفعول به منصوب دائما مستخدام دائما لتحقيق أمر الله ومراده في الخلق.
إنه مقام العبد الذى إنتقل من أن يكون محب لله إلي أن يكون محبوبا له سبحانه، قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} آل عمران31
نعم .. إنهم أحبوا الله فاتبعوا حبيب الله فترقوا الي أن يحبهم الله، إنهم رفعوا همتهم من كيف نعبد؟ إلى لماذا نعبد؟ إلى من نعبد؟ فأصبح شغلهم الله ومرادهم الله، فإذا صلوا توجهت جوارحهم شطر المسجد الحرام وتوجهت أسرارهم وأرواحهم إلى أنوار رب المسجد. وشتان بين من يرى الأحجار ومن يرى الأنوار..
وإذا صاموا إمتنعوا عن الأكل والشرب والمفطرات لإسلامهم، وصامت جوارحهم عن المعاصى لإيمانهم، وصامت قلوبهم وأفئدتهم عن السوى بإحسانهم، وهكذا كل حياتهم بل راقبوا أنفاسهم حتى لا يصرف نفس إلا وهم يتحققوا أنه قائم بإقامة الله لهذا النفس فيه كما قال سيدى ابن عطاء الله السكندرى في حكمه المباركة: ما مِنْ نَفَسٍ تُبْدْيهِ إلّا وَلَهُ قَدَرٌ فيكَ يُمْضيهِ.
فالمسلم غايته أن يكون عابدا، والمؤمن غايته أن يكون عالما، والمحسن غايته أن يكون عارفا، والله أعلم.
ساحة النقاش