الحمد لله على ما فعل بأحفاد ثمود وعاد، وفرعون ذي الأوتاد، الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، فالحمد لله أن صبَّ عليهم سوط عذاب، والحمد له أنه بالمرصاد.
وبعد، فقد يتفهم المرء -ولو على مضض- أن يرى البعض أن وجود الرئيس العنيد إلى نهاية فترته، مهم ومطلوب، قد يتفهم المرء ذلك، وقد يستمع باهتمام إلى رأي دستوريين فقهاء، أو إصلاحيين عقلاء، أو حتى بسطاء بلهاء، بل وإلى خونة عملاء.. كل هؤلاء من الممكن أن يتحمل المرء أن يسمع منهم حديثًا عن الحاجة إلى بقاء الرئيس إلى أن تنتهي مدة رئاسته في سبتمبر القادم..
لكن الذي لا يمكن أن يتحمل المرء سماعه، ولا يطيق استماعه، وينفجر غاضبًا، صارخًا، هادرًا، فيمن يقوله.. ألا وهو ذلك الحديث الممجوج التافه، الذي يصيب المرء بخليط من مشاعر الغضب والغثيان عن الطريقة الكريمة التي ينبغي أن يخرج بها ذلك الرئيس من مصر، وأنه من الأصول والأدب والأخلاق والكرم والمروءة بعدما قال الرجل ما قاله، من أنه يريد أن يموت على أرض هذا الوطن، إذن فمن الواجب -من وجهة نظرهم- أن نعامله بشكل كريم، وأن نعطيه الفرصة ليختم حياته بالشكل اللائق، ويضرب أصحاب هذا القول القبيح، المثل بوالد خدم أبناءه وأسرته، أو برئيس شركة في ختام فترة خدمته!! ووالله إن المرء يكاد يلفظ ما في جوفه من شدة القرف من هذه الأقوال الرديئة التي تعبر عن عقل مُغيب، وفهم سقيم، وخفة مهينة.
أي خدمات قدمها لهذا الوطن غير الفشل الكلوي، والوباء الكبدي، والطعام الفاسد، والهواء الملوث، والاقتصاد المنهار، والتفكك الأسري، وصفر المونديال، وانهيار التعليم، ونزيف الطرق، والبطالة، والتضخم، وانهيار الجنيه وخراب لا أوَّل له ولا آخر!!
أردوجان تسلَّم تركيا وهي في الحضيض، فاستطاع في ثمانية أعوام أن يجعلها خامس اقتصاد في العالم، وأن يحقق شروط الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وأن يحولها إلى دولة محترمة فاعلة مؤثرة.. مهاتير محمد تسلَّم ماليزيا، دولة لا يسمع عنها أحد، فجعلها نمرًا آسيويًّا واعدًا.. الرئيس البرازيلي استلم دولته -لحم على عضم- فجعلها في فترتين رئاسيتين من أقوى عشرة اقتصاديات في العالم.. الصين وكوريا فضلاً عن اليابان وألمانيا، خلف هذه المعجزات رجل عاش لأجل وطنه وناسه فحقق المعجزة، فأمثال هؤلاء يستحقون التكريم..
أما مبارك العظيم فعلى أي شيء يُكرم؟! يكفي أن المصري صار بلا ثمن ولا قيمة، يكفي أنه لا توجد دولة في العالم -وأقول في العالم- يمكن أن يسافر إليها المصري بدون إجراءات معقدة تنتهي غالبًا وبعد معاملة دونية على باب السفارة إلى رفض منح التأشيرة! ويكفي أن تذهب لأي سفارة عربية أو أجنبية على أرض مصر، لتعرف حجم الخدمات التي قدمها هذا الرئيس الناجح لمصرنا الحبيبة!!
قولوا لي شيئًا واحدًا فعله هذا الرجل؛ كي يستحق أن نُكرمه في نهاية خدمته الإجبارية، أين هي السيارة المصرية؟ أو السلاح المصري؟ أو القمح المصري؟ بل أين فانوس رمضان المصري؟
رجل أدار شركة جمهورية مصر العربية ثلاثين سنة فلم ينجح أن يضعها في المقدمة في أي شيء نافع، لكنه وضعها على مقدمة أكثر الدول فسادًا في العالم، ونجح أن يجعلها في مقدمة معدلات السرطانات والأمراض الفتاكة، نجح في أن يجعلها في مقدمة ضحايا حوادث الطرق!! نجح في أن يجعلها في المقدمة في التعذيب والاعتقالات والسجن بدون حكم قضائي، وتعطيل أحكام القانون وازدرائها، نجح في أن يجعل الناس يموتون في طابور العيش ويأكلون من مقالب الزبالة!! إنه صانع أعظم وأغرب وأفجر عملية تزوير انتخابات في دنيا البشر منذ نزل آدم u إلى الأرض.
في عهده الميمون، صار الدخول في الإسلام مخاطرة كبرى، سلم مُساعده زكريا عزمي، وفاء قسطنطين التي أسلمت إلى الكنيسة، وكذلك فعلوا مع كاميليا شحاتة، بَدّل شيخ أزهره ومفتي جمهوريته أحكام الله، وشرعوا له من الدين ما لم يأذن به الله، جعل مصر كلها تأكل الربا، قمع جهاز خوف الدولة كل شريف، وروعوا الناس، واستكبروا في الأرض بغير الحق.
قولوا لي: من الذي صنع عز وطلعت مصطفي وصفوت وسرور وسالم وسليمان وغيرهم من القائمة الطويلة؟ قولوا لي: من الذي صدر الغاز لإسرائيل ومنعه عن غزة في عز الأزمة وهي محاصرة؟ من الذي أطلق البلطجية والمسجونين على شعبه؟ من الذي فتح السجون للمجرمين ليطعنوا الثوار في ظهورهم؟
أأُكرمه بعد أن أهان شعبه ثلاثين سنة؟ أأكرمه بعد أن أذل شعبه طوال هذه السنوات؟ أنا أُكرم أبي في نهاية حياته؛ لأن أبي كان يُقدمني على نفسه، وكان يُخرج اللقمة من فمه ليعطيني إياها، وعاش لأجل راحتي وسعادتي وهنائي، أبي عاش يعلمني العزة والكرامة ويدافع عن حقوقي ويرفع من شأني ويقاتل لأجل كرامتي، أبي لم يظلمني قط، ولم يهني قط، ولم يحبسني قط، ولم يسلط عليَّ بوليسًا سريًّا؛ ولذا كان له حق التكريم الواجب. وأنا أكرم مدير الشركة في يوم تقاعده، إذا كان نجح في رفع مستوى الشركة، وساهم في قيادتها إلى تحقيق المكاسب فاستفاد العاملون بها.
ما رأي أي عاقل في الدنيا في رجل تسلم شركة فأدارها لمدة ثلاثين سنة، كلها خسائر وفشل، ومع ذلك خرج منها بأموال طائلة، بينما أصحاب الشركة يموتون من الجوع؟!! لما قام نيكسون فقط بالتنصّت على منافسيه في الانتخابات أجبر على الاستقالة، وعاش منبوذًا في أمريكا. أي مسئول محترم في البلاد المحترمة عنده قدر من الدم يستقيل فورًا مع أول إخفاق، مع أن مسئوليته غالبًا تكون أدبية، فلماذا لم يستقيل بعد كارثة العبّارة؟! ولماذا لم يستقيل بعد قطار الصعيد؟! لماذا ترك يوسف والي بعد فضيحة المبيدات المسرطنة؟! ولماذا ترك حبيب العادلي بعد تفجيرات دهب؟!
أنا أوافق على تكريمه إن كان واحد من دعاة التكريم يوافق على أن يُكرم من يقتل ولده، أو يغتصب زوجته، أو يخرب شركته.
لو كان هؤلاء العُبط الذين يتكلمون عن الأصول والإتيكيت والذوق والأدب، لو كان واحد من هؤلاء له ولد في قائمة ضحايا أسوأ جهاز تعذيب في التاريخ، لو كان واحد من هؤلاء قتل له أعز ما لديه أو اغتصبت زوجته أو ابنته من ميليشيات التعذيب، أو صودرت أمواله أو قضى شبابه خلف أسوار المعتقل وخرج منه -إن خرج- كهلاً، بل لا يُسمح له أن يخرج حتى بعد انتهاء مدته.
اخرسوا، ودعكم في هموم بطونكم وأولادكم وأموالكم، فوالله لإنْ كانت هذه عقولكم، فقد استرحتم.
اخرسوا فمثل هذا الطاغية لا يستحق إلا الإهانة والمهانة لا التكريم. إن الحديث عن تكريمه هو إهانة لأرواح الشهداء ودماء الأبرياء وأعراض الشرفاء. ويعلم الله وحده كم قتل من شباب المسلمين، وكم انتهك من أعراضهم، وكم استباح من دمائهم، وكم نهب من أموالهم!!
فأي تكريم تتحدثون عنه لو كنتم تعلمون!!
المصدر: موقع طريق الإسلام.
ساحة النقاش