أي الفريقين نتبع

في هذه الظروف التي يمر بها وطننا العزيز والتي اتضح فيها نوعين من التوجهات ؛  يحتار كثير من الناس أي الفريقين نؤيد ونساند وأيهما نترك ونخلع ؛ وأي اتجاه يمكن أن نختاره ويكون مرضيا لله تعالى

أقول لهؤلاء لا تتحيروا فإن القرآن يهدي كل حيران ؛ تأمل هذه الآيات التي ستجد فيها هدى إن شاء الله ، قال تعالى :

(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام)

فكيف نعرف هؤلاء الكاذبين ؟ يكشفهم القرآن لنا فيستطرد في بيان صفتهم :

(وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد)

إن الإنسان إذا رأى فعل الفساد بعينيه ولم يقتنع بأن الفاعلين فاسدون ؛ فقد أوضح الله سبب اجتماع الرؤية مع الإنكار في آن واحد فقال :

(فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)

إن عدم إنكار الفساد والرضا به ليس وراءه من الإيمان بعد ذلك حبة خردل ، فما بالك بالتشجيع عليه والتصفيق له وتأييد الفاسدين ؛ إنه يدخل صاحبه في الشرك كما قال تعالى :

(اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله)

وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بأنهم كانوا يسمعون لهم ويطيعون فتلك عبادتهم إياهم ، يعني حينما يسمع الإنسان لمتبوعه ويطيعه في فساد فكأنما رضي به مشرعا له بخلاف ما شرعه الله من النهي عن الفساد وبذلك فقد اتخذه ربا من دون الله وأشركه مع الله بل قدم شرعه الفاسد على شرع الله العادل وفضله عليه.

وما الفائدة التي ستعود عليه ؛ إنها الخسارة والندم يوم القيامة فإن هؤلاء الذين صفق لهم لن ينفعوه بل سيتبرأون منه ؛ قال تعالى :

(إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب)

وسيتمنى هؤلاء الأتباع أن يعودوا إلى الدنيا ليصححوا خطأهم الجسيم ، ولكن لا تفيدهم الأماني لأنهم أخذوا الفرصة حينما كانوا في الدنيا وضيعوها وفضلوا عبادة قادتهم وكبرائهم الضالين المفسدين أصحاب الكلام المعسول والأفعال الفاسدة ؛ فضلوا عبادة هؤلاء عن عبادة الله ؛ قال تعالى في بيان ندمهم الذي لن ينفعهم :

(وقال الذين اتَّبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار)

ولن يفيد اعتذارهم بأنهم حسبوهم مؤمنين لأن أفعالهم وفسادهم كان يفضحهم وكان واضحا للأبصار التي لا تعمى ولكن القلوب العمياء هي التي تغاضت عن ذلك ؛ لأن ادعاء الإيمان قد حذر الله منه في قوله :

(ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين ، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون)

وهنا بين الله صفة أخرى لهم وهي الكذب

وحذر الله أيضا من مدعي الإيمان في موضع آخر فقال :

(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلو إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون ، الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون)

وتلك صفة أخرى من صفاتهم بينها الله وهي التمادي في الطغيان فلا يرعوون ولا يندمون ولا يحاولون الرجوع إلى جادة الصواب إلا خداعا.

إذن فصفات هؤلاء المقبوحين كما بينها الله تعالى هي ادعاء الإيمان مغلف بالكلام الطيب الحسن المعسول أما الأفعال فهي الفساد والتخريب والكذب والخداع والتمادي في الباطل

فماذا بعد هذا الإيضاح الجلي الذي أوضحه الله تعالى في كتابه وآياته وماذا ينتظر المتبعون أكثر من آيات الله لكي يتخلوا عن تأييدهم للمفسدين ؛ قال تعالى : (فبأي حديث بعده يؤمنون) ، فليبادر العقلاء بالتخلي عن تأييد المفسدين قبل أن يندموا وقت لا ينفع الندم.

فيا أيها العقلاء ابتعدوا عن المخربين المفسدين القتلة المجرمين فإن هذه الأفعال الفاسدة واضحة بينة لا تحتاج إلى برهان على فسادها لأنها فاسدة في ذاتها ؛ فالقتل فساد وتخريب موارد الناس فساد وتعطيل مصالح الناس فساد وقطع الطرق وترويع الآمنين فساد والتفجيرات هنا وهناك فساد واستحلال أموال الناس فساد وتخريب معاهد العلم فساد وتخريب مقدرات الناس فساد ، ونشر الفوضى فساد ، والتأييد لكل ذلك أو لبعضه فساد ، ولا يغرنكم الكلام المعسول لهؤلاء المفسدين فالعبرة بالأفعال لا الأقوال.

أما من يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ويقابل الحجة بالحجة فهؤلاء هم الأجدر بالتأييد والاتباع لأنهم امتثلوا لأمر الله تعالى في قوله :

(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)

وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " فإذا كان عالم ممتثل لأمر الله بالدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن فليس في هذا ما يريب وإذا كان آخر يدعو إلى الله بكلام طيب معسول ثم إذا به يفسد ويقتل ويخرب فقد حق للنفس السوية أن ترتاب في هذا السلوك ، ومن هنا نقول للناس دعوا من هو حسن القول فاسد الفعل واتبعوا من هو حسن القول والفعل معا امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "

فاحذر أيها المؤمن أن ترى الفساد بعينيك المبصرتين ثم لا تنكره حتى لا تكون ممن قال الله فيهم : (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

واحذر أن تكون من الذين إذا ذكروا لا يذكرون وإذا سمعوا آيات الله لا يسمعون واحذر أن تغمض عينيك أو تصم أذنيك أو تغلق قلبك عن تذكر آيات ربك حتى لا تحرم الهدى إلى الأبد وتكون ممن قال الله فيهم :

(ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن تدعهم إلى الهدى فلن يهتدوا إذن أبدا)

وأرجو ألا يقول أحد أنني أدعو إلى تأييد فريق كذا أو خلع فريق كذا ؛ فآيات الله واضحة ولا أريد من أحد أن يؤيد أو يخلع من أجل كلامي ، ولكن من أجل توجيهات الله تعالى التي أوردتها هنا وأترك كل واحد ليستنبط بنفسه أي فريق يرشد الله إلى تأييده وأي فريق يرشد إلى خلعه.

إنني استرشد بهذه الآيات وأدعو إلى تأييد كل من كان كلامه حسنا ويرفض الفساد كما أدعو إلى خلع كل من كان كلامه حسنا ونكتشف أنه كاذب لأنه من ناحية أخرى يوافق على الفساد ؛ وسواء أكان هذا المؤيد أو المخلوع قائدا أم شيخا ، عالما أم تلميذا ، قريبا أم أجنبيا ، عفريتا أم إنسانا.

اللهم قد بلغت بعض آياتك التي أنزلتها في قرآنك العظيم وبعض قول رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم اللهم فاشهد.

 

دمتم بخير

المصدر: الكاتب د. عبد العزيز محمد غانم
masry500

طابت أوقاتكم وبالله التوفيق

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 115 مشاهدة
نشرت فى 27 مارس 2014 بواسطة masry500

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

106,049