لننظر إلى الأمام
الآن وبعد أن نجحت الثورة الشعبية المصرية في تحقيق مطلبها الأول ؛ وكنا وما زلنا متخوفين من حدوث خلافات وانشقاقات وفوضى أثناء الفترة الانتقالية من مرحلة ما قبل الثورة إلى مرحلة ما بعدها ؛ الآن وقد حدث أن اختار الشعب طريق التصحيح الكلي للسياسة في مصر ولم يرض بالتصحيحات الجزئية رغم ضخامتها ؛ الآن وقد حدث ما حدث .. الآن وقد تأكدنا أن ما قام به شعب مصر إنما يعبر عن رأي الأغلبية الفاعلة ولم نكن من قبل متأكدين من ذلك ؛ لقد كنا على يقين أن الشعب كله يريد الإصلاح ولم نكن على يقين أي طرق الإصلاح الذي تريده الأغلبية هل هو الطريق الهادئ المتريث أم هو طريق هدم الأوضاع القديمة برمتها ؟؟
وكل من أصحاب نظرية التغيير المتريث وأصحاب نظرية هدم القديم له حجته في ذلك ؛ وجميع الآراء في ذلك تحترم ما دامت قد قيلت بدافع من الإخلاص والحرص على مصلحة الوطن والشعب.
الآن وقد تأكدنا أن الأغلبية الساحقة من الجماهير الفاعلة أرادت هدم القديم برمته وبناء مرحلة جديدة فيجب على الجميع احترام إرادة الأغلبية الفاعلة ، كما يجب نبذ الخلافات فيما مضى من أحداث ولتتوحد جميع الإرادات للنظر إلى الأمام من أجل بناء الدولة الديموقراطية المرتقبة ، سائلين الله عز وجل ألا يحدث شيء مما تخوفنا منه.
ويجب على الجميع فيما بعد مرحلة الاستقرار وتربع الديموقراطية على عرش الحكم في مصر ؛ أقول يجب على الجميع حينئذ ألا يتملق السلطة الجديدة رغم ديموقراطيتها حتى لا تتأله وتعود الدكتاتورية من جديد ؛ ويجب أن يقول كل ذي رأي رأيه بحرية تامة ولا يخش شيئا حتى تتعود السلطة الجديدة احترام الآراء والعمل على تحقيق مطالب الشعب بصفة دائمة دون النكوص والسقوط في مهاوي الدكتاتورية مرة أخرى.
يجب أن توضع قوانين صارمة ومفعلة على أرض الواقع ضد الفساد وضد تسلط الأقوياء ذوي النفوذ السلطوي أو المادي ؛ لأن هذا التسلط هو رأس كل فساد وهو المانع والحاجب لكل الأصوات الشريفة من الوصول إلى مسامع السلطة الحاكمة بحجمها الحقيقي.
يجب أن يعلم الفاسدون والمتسلطون ألا مكان لهم في الدولة الجديدة إذا ما أرادوا الاستمرار في فسادهم وتسلطهم ؛ وأن باب التوبة مفتوح إن أرادوا أن يتوبوا برد المظالم إلى أهلها والاعتذار إلى الشعب عن تسلطهم وفسادهم القديم قبل أن تطالهم يد العدالة فلا ينفع حينئذ ندم ولا اعتذار.
كما يجب على الحكومات في كل الدول كافة أن تتعلم مما حدث ؛ فقد سبق أن كتبت عقب أحداث تونس وقبل أحداث مصر وطالبت الحكام أن يستفيدوا من الدرس التونسي قبل أن تدور عليهم الدائرة في مقال بعنوان " هل يتوب الحكام " ، ولو كانت هناك استجابة لآراء البسطاء الذين يرون ما لا يرى الحكام لما حدث ما حدث في مصر ؛ فلو قام كل نظام بتطهير نفسه وإرساء قواعد راسخة للديموقراطية وفضل مصلحة الشعب على المصالح الشخصية لكان هذا أفضل له ولترك سيرة حسنة تكتب له بحروف من ذهب.
ماذا يستفيد الحكام من الدكتاتورية ؟؟ بأي شيء تضرهم الديموقراطية ؟؟ لا يستفيدون شيئا إلا الفساد والرشوة وجمع المليارات .. ولكن هل سأل أحدهم نفسه ماذا تفيده هذه المليارات ؟؟ إنه بكل يقين لن يستطيع أن ينفقها أو يستمتع بها ؛ ولن يستطيع أن يأخذها معه إلى الآخرة !! إنه في أغلب الأحوال يتركها ويرحل ويخاف أن يستخدمها ويحرص على جعلها في حسابات سرية أو تحت أيدي أخرى فلا يستطيع إنفاقها في حرية !! فما فائدتها إذن ؟؟ إنها حماقة واضحة أن تبيع رضا الله ورضا الشعب بمليارات لا يمكنك استخدامها بحرية ولو أمكنك لما استطعت إنفاقها بسبب كثرتها وزيادتها عن حاجتك لعشرات أضعاف عمرك.
أسأل الله أن يهدي من تبقى من الحكومات للاستفادة من تلك الدروس المتعاقبة وتفضيل مصلحة الوطن على المصالح الشخصية.
ودمتم بخير.
ساحة النقاش