شاركت بعدة مقالات بالحديث حول الثورة التونسية والمصرية فلما بدأت الثورة الليبية انقطعت عندنا الشبكة وبالتالي انقطعت عن المشاركة بأية مقالات حيث أنني مقيم بليبيا بسبب العمل.

والآن وبعد عودة الشبكة بليبيا أعود أنا أيضا للمشاركة بما أراه حيال الأحداث المتلاحقة وخاصة ببلدي مصر مع التنويه بأن البلاد العربية كلها بلادي وكم أتمنى - بعد أن تستقر الأمور بالمنطقة العربية - أن تنتهز الشعوب فرصة هذه الصحوة فتتظاهر من أجل وحدة عربية كاملة ترضي طموحات الشعوب العربية وإن كانت بلا شك ستغضب الدول المتسلطة من الأمريكيين والأوربيين والصهاينة ولكن إن تم شيء مثل هذا فيجب أن نعلم مسبقا أنه لن يتم إلا رغما عنهم وليس برضاهم أو مباركتهم.

وهذان حلمان صعبا التحقيق وإن لم يكونا مستحيلين : الأول حلم استقرار المنطقة العربية والثاني حلم الوحدة الكاملة.

وأسباب صعوبة الحلمين واحدة وليست تكمن في الخلافات العربية فهذا قناع تختبئ تحته الأسباب الحقيقية وهي إرادة الدول المتسلطة ولا شيء غيرها.

فالخلافات العربية بين الدول الشقيقة وكذلك الخلافات الداخلية بين أبناء الدولة الواحدة يمكن لها بالحوار أن تنحسر وتتضاءل وتصل إلى منطقة اتفاق ولكن الدول المتسلطة تأبى ذلك بكل تأكيد وتسعى بخطط مدروسة لترسيخ تلك الخلافات وتضخيمها وصناعة حواجز شاهقة منها حتى لا يصل أبناء البلد الواحد ولا أبناء الدول الشقيقة إلى منطقة اتفاق أبدا وينفقون في سبيل ذلك المليارات تحت مسميات براقة ولكنها زائفة وكاذبة وماكرة وخادعة ويستغلون في سبيل ذلك أيضا أبناء تلك البلاد أنفسهم سواء أكانوا عملاء مدركين لما يقومون به أم كانوا وطنيين مغررا بهم غير مدركين لخطورة ما يقومون به من توسيع الهوة بين أبناء البلد الواحد أو بين البلدان الشقيقة بعضها مع بعض.

ونلمح ذلك حتى في ثوراتنا من أجل الإصلاح ؛ فإن المتسلطين الغربيين يسارعون بالتدخل معلنين تأييدهم ونصرتهم للشعوب في ذات الوقت التي تلعب أصابعهم الخفية بكل همة ونشاط من أجل إثارة الخلافات والفوضى وسفك الدماء وإهدار الجهد والمال وإضعاف القوى وإرباك الحياة حتى تستمر الفوضى التي يستطيعون في ظلها تحقيق كافة أهدافهم من نشر لمبادئهم واستنزاف لثروات الشعوب والاستفادة بأقصى درجة بكل ما تملكه تلك البلاد من مقومات وثروات مما لا يمكن لهم أبدا أن يحققوه في ظل استقرار تلك الدول أو وحدتها ؛ وهذا ما يسمونه بالفوضى الخلاقة فهي فوضى ودمار وخراب لشعوبنا وفي ذات الوقت فإنها خلاقة لفرص الاستفادة القصوى من تلك الفوضى بالنسبة إلى الدول المتسلطة.

ويجب أن ننتبه جميعا إلى تلك الحيل الماكرة والخادعة والمفضوحة - حيث لا تخفى على عاقل - حتى نفوت عليهم فرصة إرباكنا أو إثارة الفوضى فيما بيننا ؛ فلا للخلافات الجانبية ولا للانشغال بأمور ثانوية ولا للتعصب لفكرة من هنا أو هناك إن كانت ستتسبب في إيجاد الفرقة أو توسيع الهوة.

فأساليب الدول المتسلطة في هذا العصر الحديث تتركز في السيطرة المقنعة عن طريق توسيع هوة الخلافات بكافة أشكالها وأطيافها من دينية ومذهبية وطائفية وسياسية وفكرية وطبقية وعرقية مستخدمين في ذلك أبناء الشعوب أنفسهم سواء أكانوا مدركين أم غير مدركين ومستخدمين أيضا منهجا علميا مدروسا يطبقونه عن طريق دراسة رغبات الشعوب وميولهم ودرجة وعيهم ونقاط قوتهم ونقاط ضعفهم وما يرضيهم وما يسوءهم وما يتفقون عليه وما يختلفون فيه فضلا عن دراسة جغرافيتهم وتاريخهم ومقدساتهم يساعدهم في ذلك تقنياتهم الحديثة ومؤسساتهم من أقمار تجسس وأجهزة استخبارات وعملاء وحتى أبرياء غير مدركين.

فعلى سبيل المثال ما يحدث في مصر بين أنصار مبارك والمدعين عليه من اشتباكات تؤدي إلى تعميق الهوة بين أبناء الشعب الواحد ؛ فالآن بعد أن شاءت الأقدار أن توضع كافة التفاصيل بين يدي القانون والعدالة فإننا يجب علينا الانتظار حتى صدور الحكم بالبراءة أو الإدانة ويجب على المدعين ألا يبالغوا في البغض والكره فلعل الرجل بريء من تلك الادعاءات ؛ كما يجب عليهم أن يدركوا أن هذا الادعاء ما هو إلا سبيل للوصول إلى الحقيقة وليس مباراة الغرض منها أن يحارب المدعي من أجل إثبات أن ادعاءه صحيح بالحق أو بالباطل ؛ كما يجب عليهم أيضا إذا ما برأه القضاء أن يفرحوا لأن رئيسهم الذي حكمهم ثلاثين عاما لم تتلوث يداه بدم الأبرياء ولا بنهب المال العام ؛ وألا يبلغ بهم البغض أن يكرهوا له البراءة ويتمنون له الإدانة حتى وإن ثبتت براءته منها.

ونفس النصيحة نسوقها لأنصار مبارك ألا يبالغوا في موقفهم بالدخول في اشتباكات وصراعات وعليهم أن ينتظروا حكم القضاء فإن كان بريئا فرح الجميع ببراءته فيجب على الجميع أنصارا ومدعين أن يتمنوا البراءة لكل مدعى عليه ما دام هناك قضاء عادل ؛ وأما إن ثبتت إدانته فسيكون هذا بكل تأكيد شيئا محزنا أن يتضح أن رئيس البلاد السابق كان ضالعا فيما يخالف الشرع والقانون.

يجب علينا جميعا أن نطرح خلافاتنا جانبا ونجتمع على ما نتفق عليه ونركز في هدفين رئيسيين وهما دعم الاستقرار الداخلي بما يصاحبه من أسباب التقدم والنماء ثم العمل على دعم الحكام أو الضغط عليهم من أجل إقامة وحدة عربية كاملة شاملة عادلة لا يظلم فيها شعب من الشعوب ولا يستفيد منها شعب على حساب شعب وإنما يكون الجميع مستفيدين والجميع راضين ؛ عاملين من اجل ذلك على إقصاء النفوذ الأجنبي الذي لن يألوا جهدا في سبيل إفشال مثل هذه المشروعات القومية العملاقة.

وإلى لقاء آخر إن شاء الله

دمتم بخير

 

المصدر: الكاتب : د. عبد العزيز محمد غانم
masry500

طابت أوقاتكم وبالله التوفيق

  • Currently 25/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
9 تصويتات / 323 مشاهدة

ساحة النقاش

alnawrs

شكراً لك سيدي

نعم إن الغرب وأمريكا يحاولون بكل قواهم وإمكانياتهم سرقة مكاسب الثورات والإلتفاف عليها ، وصدقت بما أوردت عن أحلامك باستقرار المنطقة العربية ، وجمع كلمتها ووحدة صفَّها ، هذا يُزعج الغرب أيما إزعاج

جبران قال ذات يوم : خذوها يا مسلمون كلمةً من مسيحي أسكن يسوع في شطرٍ من حشاشته ومحمدًا في الشطر الآخر (...) إن لم يقم فيكم من ينصر الإسلام على عدوه الداخلي، فلا ينقضي هذا الجيل إلا والشرق في قبضة ذوي الوجوه الباهتة والعيون الزرقاء

عدد زيارات الموقع

106,073