بسم الله والحمد لله
لقد أثارت أحداث تونس الأخيرة شجون الأمة العربية كافة ؛ وجعلت المواطن العربي يستشعر في نفسه القدرة على إحداث التغيير على الوجه الذي يريد ، ويجب على الحاكم العاقل أن يستفيد من هذه الأحداث وألا ينسيه مرور الزمن هذا الدرس الهام وتلك العبرة الواضحة.
سيظل بعض الحكام المقصرين قلقين عدة أسابيع أو شهور حتى تهدأ الأوضاع ثم يعودون بعدها إلى الدعة وراحة البال والطمأنينة ، ويعودون إلى سيرتهم الأولى من ظلم وجور وفساد وتزوير وكأن شيئا لم يحدث ؛ لكننا ندعو جميع الحكام أن يستوعبوا هذا الدرس وألا يسمحوا لأنفسهم بنسيانه وأن يعملوا جاهدين على كسب حب واحترام شعوبهم عن طريق إقرار العدالة والنزاهة والبعد عن النهب والسلب والحرام ؛ حتى إذا ما رحلوا عن الحكم لأي سبب من مرض أو انتهاء فترة أو وفاة خلفوا من بعدهم ذكرى طيبة وسيرة حميدة ؛ ولكي يتجنبوا ما بات حدوثه محتملا من نبذ وخلع وطرد ومحاكمة يلاحقهم الذم والخزي والعار والخذلان ؛ فينالون بذلك لعنة شعوبهم في الدنيا وعذاب الله في الآخرة.
الشعوب تطالب حكامها أن يعاملوهم كأصحاب وطن وأرض وحق وليس كطالبي صدقة وإحسان ؛ أن يعاملوهم على أن الشعب هو المالك والسيد وأن الحاكم وحاشيته هم الموظفون المسئولون عن رعاية مصالح هذا االسيد على الوجه الذي يريده هذا الشعب السيد وليس على الوجه الذي يهواه الحكام الموظفون الذين يجب عليهم أن يدركوا أنهم يتقاضون رواتبهم من هذا السيد.
الشعوب تطالب حكامها أن يكونوا أمناء على مصالحهم وأموالهم فيديرونها بالطريقة التي ترضي شعوبهم ولا تسخطهم ؛ وألا يستغلوا إمكانات الشعوب لمصالحهم الشخصية فيتصرفوا في أموال الشعب كأنها اموالهم الخاصة التي ورثوها عن آبائهم ؛ وينهبوا منها ما شاءوا ويمنحوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا.
الشعوب تطالب حكامها بالزهد في أموالهم فلا يتقاضى احدهم مثل ما يتقاضاه ألف موظف من الشعب أو أكثر؛ فمثلا نجد أن ألف موظف من المتوسطين في بعض البلدان يتقاضون في العام الواحد حوالي عشرة ملايين جنيه إذا اعتبرنا أن متوسط رواتبهم 800 جنيه شهريا للموظف الواحد ؛ فهل يشك أحد أن ما يدخل إلى الحاكم في العام الواحد هو أضعاف هذه الملايين العشرة تحت مسميات مختلفة وعن طريق استغلال الفرص والظر وف المتاحة بسبب المنصب ؛ وأن هذا المبلغ هو أكثر تواضعا مما يصل إلى يد الحاكم بالفعل.
نطالب الحاكم وحاشيته ألا يكون دخل أحدهم من مال الدولة كدخل الآلاف ولا كدخل المئات من أبناء الشعب ؛ ألا يكفي أحدهم أن يكون دخله من مال الدولة كدخل عشرة أو عشرين أو ثلاثين من الموظفين المتوسطين من أبناء الشعب؟ على أن يتقاضوا رواتبهم فقط ولا يزيدوا عليها دخولا أخرى تحت مسميات خادعة أو بسبب استغلال المناصب والفرص المتاحة ؛ وفي هذه الحالة سوف يعترف لهم الشعب بالزهد والتقشف إذا ما اكتفى الواحد منهم بدخل يعادل دخل العشرات فقط من أبناء شعوبهم بدلا من هذا الواقع الأليم الذي ينال فيه الواحد منهم أكثر مما يناله الآلاف من أبناء الشعب!
الشعب يريد حكاما زاهدين وحاشية مخلصة زاهدة ؛ يريد حكاما يسهرون على مصالح شعوبهم ولا يسهرون على مصالحهم الخاصة تاركين مصالح شعوبهم خلف ظهورهم ؛ يريد حكاما يعاملون المواطنين باحترام وتقدير ؛ يعاملونهم معاملة العامل لرب العمل ؛ يريد حكاما يأخذون مطالب الشعب بجدية واهتمام وبذل الجهد لتحقيق تلك المطالب بلا خداع ولا مماطلة.
الشعب لا يريد تكميم الأفواه ولا الزج في غياهب السجون ولا التعذيب بسبب إبداء الرأي المخالف ولا الاستهانة بحقوق المواطنين ولا التكبر على البسطاء وقهرهم وتأديبهم ليتعلموا الخوف والجبن والسكوت على المذلة والهوان.
الشعب يريد أن يأتي اليوم الذي يستطيع فيه المواطن البسيط أن يأخذ حقه من المسئول الكبير ؛ يريد أن يأتي اليوم الذي يعزل فيه الحاكم إذا ما تجرأ على ظلم المواطنين البسطاء حتى ولو كان مواطنا واحدا ما دام قد ظلمه عامدا متعمدا.
الشعب يريد إنشاء الأحزاب التي تتبنى تلك المبادئ ولا تتهاون في تطبيقها بصفة مستمرة ؛ الأحزاب التي تعتبر الخروج عن تلك المبادئ جريمة يستحق صاحبها العقاب والعزل من الحزب فورا.
على الحكام أن يعيدوا النظر في سياساتهم وطرائقهم وحاشيتهم وأحزابهم وأن يراعوا بث تلك المبادئ وزرعها بكل جدية وحزم ؛ واستبعاد من يثبت عدم صلاحيته لتبني تلك المبادئ والسياسات قبل أن يقوم غيرهم بتبني مثل هذه المبادئ فيختارهم الشعب وينبذ هؤلاء الطغاة المستكبرين.
ساحة النقاش