زين العابدين وخزي الدنيا
لماذا لا يتعظ كثير من الحكام من التاريخ ؛ لماذا يخيل إلى كل منهم أنه مختلف عن الآخرين وأن يد العدالة لن تصل إليه !
ها هو ذا حاكم جديد يطيح به التاريخ في سلة قاذوراته ؛ فلعل غيره من الحكام يأخذ الدرس والعظة والعبرة من حكايته ؛ ولعل العاقل منهم يبدأ في إصلاح سياساته تجاه شعبه ويقيم العدل بينهم ؛ ويقضي على الفساد مبتدئا بنفسه وحاشيته.
لماذا ينظر الحاكم الذي جاء به الشعب ليكون خادما له وساهرا على مصالحه ومسئولا عن أمنه وحمايته والحفاظ على أمواله وثرواته ومقدراته ؛ لماذا ينظر إلى نفسه كصاحب سيادة وسلطان وصاحب ميراث من حقه أن يتصرف فيه كيف يشاء دون أن يكون لأحد الحق في مساءلته ؛ ولو تجرأ أحد على مساءلته لكان نصيبه أن يكون خلف الجدران وتحت سياط النكال والتعذيب ؛ أو على أحسن الأحوال يكون مكانه التغريب في المنفى حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
ها هو ذا زين العابدين الذي قضى سنوات طوال في سدة الحكم وأفعاله على النقيض من اسمه ؛ فمن الناحية الدنيوية البحتة كان هناك الظلم والفساد والاستبداد ؛ وكان هناك مخالفة القول العمل ؛ فبينما ظهر في بداية انقلابه واستيلائه على السلطة مناديا بعدم جواز تولي الحكم مدى الحياة ؛ فإذ به يستمر في الحكم 23 عاما في ظل انتخابات تفتقد للحيدة والنزاهة وتكافؤ الفرص ؛ وبينما نادى بعصر جديد تزدهر فيه الحرية ويقضى فيه على الفساد ويرتفع فيه مستوى المعيشة ؛ إذا بعصره يكون على النقيض من ذلك.
وها هو ذا زين العابدين من الناحية الدينية ؛ قد ضاقت عليه الأيام حتى جعل يوم الجمعة يوم عمل رسمي ؛ وجعل العطلة الأسبوعية أياما أخر متشبها بغير المسلمين في ذلك ؛ وجعل صلاة الجمعة صلاتين إحداهما في موعدها لغير الموظفين والأخرى قبيل العصر للموظفين ! فيا زين العبادة التي أقرها زين العابدين ولا شك أن فقهاء السلطة كثيرون في كل زمان ومكان وهم دائما على استعداد لتحليل الحرام وتحريم الحلال إرضاء للحاكم المستبد الظالم مستهينين في ذلك بغضب الملك الجبار جل جلاله.
وها هو ذا زين العابدين قد سمح في بلاده التي يملك فيها السلطة المطلقة ؛ قد سمح فيها ببيوت الدعارة المرخصة التي تحوز فيها الداعرة شهادة صحية تثبت خلوها من الإيدز والأمراض المختلفة حتى يمارس صاحب الرذيلة رذيلته سعيدا هانئا مطمئن البال ؛ فيا زين العبادة التي أقرها زين العابدين ولا أظن أنه وجد من يفتي له بجواز ذلك إلا شياطين الإنس والجن.
لقد حاز زين العابدين على بغض وسخط المسلمين والأحرار خارج بلاده بنفس القدر الذي حازه منهم داخل بلاده.
والآن تأتي تباشير نهاية الظلم والطغيان والتكبر على منهج الحق ؛ فها هو ذا قد خرج من بلاده أمس الجمعة 15 يناير 2011 مذموما مخذولا مدحورا غير مأسوف عليه ؛ يجر أذيال الخيبة والخزي والعار ؛ وهذا هو خزي الدنيا ؛ فكيف يكون إذن خزي الآخرة الذي هو أشد وأكبر.
كم نتمنى أن يهدي الله حكام المسلمين قبل أن يلاقوا مثل هذا المصير وقبل أن يشمت بهم أحد ؛ فكم نتمنى لهم الهدى فينجوا بسببه من الخزي والعار والشماتة.
فلعل الحكام الذين ما زالوا يعيشون مطمئنين أن ينتبهوا ويعملوا على إصلاح سياساتهم وتحسين أحوال شعوبهم قبل فوات الأوان حتى لا يتحول أحدهم إلى عبرة جديدة يعتبر بها غيره ؛ فضلا عن خزي الآخرة الذي يجده في انتظاره يوم القيامة.
وإلى لقاء آخر إن شاء الله
دمتم بخير.
ساحة النقاش