الشكل والجوهر في الإسلام
الشكليات الإسلامية قد يكون لها أهمية في معظم الأحوال ؛ بمعنى أن تركها أو إهمالها قد يوقع الإنسان في الإثم فيتحمل بذلك وزرا يحاسب عليه ؛ مثال ذلك حجاب المرأة ؛ فإن عدم الالتزام به يوقعها في ذنب تحاسب عليه ؛ وغير ذلك من الشكليات رغم قلة أهميتها الحياتية الدنيوية بالقياس إلى جوهر الإسلام إلا أنها تضع الإنسان في موضع المسئولية تجاه دينه يوم القيامة.
لذلك فنحن لا نستطيع أن نطالب الناس بالتخلي عن الشكليات أو تركها أو نبذها ؛ وإنما نطالبهم أن يكون تمسكهم بجوهر الإسلام في علاقة طردية مع تمسكهم بشكل الإسلام ؛ لأن الله سبحانه لم يشرع تلك الشكليات إلا لمساعدة الناس لكي يتمسكوا بجوهر الإسلام ؛ فنجد مثلا الحكمة من فرض شكليات الصوم هو الوصول إلى التقوى ؛ قال تعالى : " يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " (البقرة – 183) ، كذلك الحكمة من الحجاب هو تزكية النفس وتطهيرها قال تعالى : " وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن " (الأحزاب – 53) ، كذلك نجد أن الحكمة من فرض شكليات الصلاة هو الوصول إلى التقوى والاستقامة ؛ قل تعالى : " وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " (العنكبوت – 45).
وعلى هذا فإن لم توجد علاقة طردية بين الشكل والجوهر فإن هذا يجعل تلك الشكليات التي لا تصقل الجوهر يجعلها مظن عدم القبول وإنها في يوم القيامة لن تغني عن صاحبها شيئا كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : " أتدرون من المفلس ، قالوا : المفلس من لا درهم له ولا دينار ، قال بل المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام وحج ويأتي وقد ظلم هذا وضرب هذا وشتم هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته حتى إذا نفدت حسناته طرح عليه من سيئاتهم ثم طرح في النار ".
وهكذا نجد أن هذا المتمسك بالشكليات من صلاة وزكاة وصيام وحج رغم أهميتها القصوى إلا أنها لن تدفع عنه عواقب تخليه عن روح الإسلام وجوهره من حسن خلق وحسن معاملة واهتمام بالآخرين ؛ فيجد نفسه يوم القيامة قد وقع تحت طائلة الحساب عن هذا التقصير.
إذن فالشكل والجوهر مثل الإيمان والعمل لا يغني أحدهما عن الآخر ؛ فلا بد من وجودهما معا ؛ إيمان مع العمل وشكل مع الجوهر ، ولا يمكن للمسلم أن يستغني بأحدهما عن الآخر.
وبعض الشكليات تعتبر فروضا لا يجوز التساهل فيها أبدا مثل حجاب المرأة ، ومثل الصلاة والصيام المفروضين ؛ فلا يجوز التساهل في هذه الفروض مقابل أي شيء ؛ وإنما يجوز التساهل في الشكليات الغير مفروضة كصلاة التطوع مثلا مقابل جوهر مهم كقضاء مصالح الآخرين ؛ بمعنى أنه إن كانت صلاة التطوع ستكون سببا في تعطيل مصالح الناس كما لو كان موظفا مسئولا يترك مصالح الناس أثناء أوقات العمل بحجة صلاة التطوع مثلا فهذا لا يجوز ؛ أو كان المبالغة في قيام الليل مثلا ستكون سببا في قطيعة الرحم أو التقصير في العمل فهذا لا يجوز أيضا ؛ فهنا يجب الاعتدال بالقدر الذي لا يحول بينك وبين صلة الرحم أو بين أدائك لعملك بكفاءة ؛ وفي مثل تلك الأحوال يكون الاهتمام بالجوهر أهم بكثير من تلك الشكليات التطوعية التي تؤدي إلى التقصير في أمور جوهرية مهمة ؛ ويكون أداء هذه الأمور الجوهرية الهامة أرجى عند الله من التمسك بشكليات تطوعية مقابل الإهمال في الأمور الجوهرية ؛ وفي المقابل فإن الشكليات المفروضة لا يجوز التفريط فيها بأي حال.
وهنا يعن لنا سؤالا : كيف يدير المسلم حياته وكيف يحدد أولوياته ؟؟
أقول : يجب على المسلم أن يحدد أولوياته في نطاق هذه المفاهيم.
وإلى لقاء آخر إن شاء الله
دمتم بخير
ساحة النقاش