في البدء نحب أن نحرر أن القصيدة من ألف بيت وبيت، وتبدو لأول وهلة من العنوان وكأنها تتناص مع قصة ألف ليلة وليلة. هذا ما يستدعيه الذهن حال ما يقف على مجموع أبيات القصيدة بالعدّ، وكأن الكاتب يتفاءل للإلياذة بالخلود على غرار ما عليه الحال في القصة التي كتب لها الرواج والقبول الحسن في النفوس، وعدت من جليل الأعمال الأدبية وروائعها العالمية، وإن كنا ركبنا هذا القياس فمع الفارق وإلا كان قياسنا فاسدا. ذلك أن القصة ليال يزجى بها فراغ البطالين طلبا للنوم، وإخلادا منهم للراحة، أما الإلياذة فهي أيام من أيام الله في الجزائر حافلة بكل عظيم مشرق يستأهل أن يشغل الورى ويملأ الدنيا، ولنقل: أياما من تاريخ الجزائر بكل آلامها وآمالها، وأقراحها وأفراحها، فهي أشبه من هذه الحيثية بالوثيقة التاريخية، ولذلك نعتناها بالأيام على عادة العرب في تسمية التاريخ بالأيام.

والقصيدة ـ كما أعلنا قبل ـ ألفية وطبيعة المداخلات المحصورة بالمحدد الزمني تحول دون التوسع والإغراق في الجزئيات والتفاصيل فذلك سبيله تأليف الكتب والرسائل الجامعية.

وما هو بسبيلنا هنا في هذا المقام أن نتعاطى مع أحزمة من النقط الجزئية نعدها محطات تواصل مع المكونات القيمية الراتبة في ثقافة الثورة متخذين الإلياذة نموذجا ذلك أن الشاعر وإن لم ينظم مفرداتها التاريخية والدينية والثقافية.. ويجمع شتيت ما تفرق منها إلا في فترة متأخرة في حساب الزمن فهو عاش تفاصيل مضامينها قاساها وقايسها، وعاش معانيها لحظة بلحظة فظلت تلك المعاني بجملة امتداداتها وأبعادها حية متوثبة متقدة في خلده متلبسة بحنايا فكره، ونفسه حتى أذن الله لها بأن ترى النور، ومن يقرأ القصيدة يجد ذلك الاندماج الشديد والحميمي في غير انفصال بين الشاعر ومضمونه إلى حد الحلول في الرسميات الصوفية.

وما اتجه عمل الشاعر بالواقع إلا إلى نقل صورة المضامين والوقائع من صيغتها الشعوريةوالفكرية إلى صيغتها اللغوية واللفظية الشاعرية.

وإذا كان للكلام غاية ولنشاط السامع نهاية فنحن بدورنا نراعي هذا المعطى ونعمد إلى أن نعنصر ما هو بسبيل موضوع المداخلة كما أعلنا عنها من قبل في شكل نقاط، ولكن قبل ذلك نستفتح بالحديث المقتضب عن أهمية المكون الثقافي الذي نتخذه وجهتنا في الحديث. وذلك لأسباب قد يكون أقلها ارتباطه بهوية الأمة والسبيل في تأكيد ذاتها بين نظيراتها من أمم الأرض، ونستحضر هنا مؤدى الكلمة الجامعة لفيلسوف الحضارة ملك بن نبي _ رحمة الله عليه _ : إن أي أمة لا يكون بوسعها أن تحل مشكلتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية أو ما في منزلتها ما لم تحل مشكلتها الثقافية.

وعليه فكل ثورة، أو مشروع نهضوي لا يدرك أهدافه، وعناصر الهوية فيه مصيره إلى زوال وتشرذم طال الزمن أو قصر لأنه سيكون مشروعا إعلائيا طوباويا منقطع الصلة بجذوره بعيدا عن جماهيره ومن كان هذا حاله فنهايته معلومة ومحسومة سلفا.

ومن غير شك أن هذه الفكرة بهذا المضمون كانت حاضرة في ثقافة الثورة ومشكلة لأسّ مكوناتها، وكان مفدي زكريا يدندن في إنشاده حولها في غير ما موقف، ونحن نرصد جوانب من تلك المكونات الثقافية في هذه العناصر التالية:

1. المكون التاريخي:

يعمد الشاعر في غير ما موقف إلى استدعاء عنصر التاريخ للدلالة على أصالة العنصر الجزائري، وأحقيته بهذه الأرض التي لم تكن يوما لسواه، كما يتغيى بعنصر التاريخ تعبئة الإنسان الجزائري وربطه بمثل التضحية عنده ورموزه التاريخيين:

" وهب الأمازيـغ من دوناطو س* تصول وتزجي الخميس اللهام

فأبناء مازيغ قـادوا الفـدآ وخاضـوا المعـامع يوم الصدام

دعوا ماسينيسا يردد صدانا ذروه يـخلـد زكـى دمـانا

وخلوا سفاكس* يحكي لروما مدى الدهر كيف كسبنا الرهانا

وكيف غدا ظافرا ما سينيسا بـزامة لم يـرض فيها الهـوانا

وكم ساوموه فثـار إبـاء وأقسـم أن لا يعيـش جبـانا

فجاء يوغرطا على هـديه بحكم الجماهيــر يفشي الأمانا " (1)

فالشاعر يقرر شبه الليلة بالبارحة وأن المجد والتضحية ورثناها كابرا عن كابر فلا غرو فهذا الشبل الذي يقارع الاحتلال الفرنسي من ذلك الأسد، وأن البطولات ليست شيئا جديدا عليه، ثم يعرج بعد الحديث عن التاريخ القديم على تاريخ الفتح فيرصد أعمال أبناء العمومة وتحديدا في شخص عقبة بن نافع(2) وما قام به من تنوير العقول، وإعلاء الصوامع وبناء الحصون وخلافه، ليربط ملاحم الشهادة وقوافل البطولات بأمجاد سعد وخالد وحطين(3) ثم يدلف على ذكر التاريخ القريب تاريخ ابن رستم (4) وزيري (5) والمعز لدين الله الفاطمي وابن الأغلب(6). ثم يثني على ما قام به أجدادنا في مؤازرة الأتراك ضد الصليب الحقود كوننا أناسا نعد الجميل ونرعى ذمام الصديق الودود(7).

ثم يعرج انتهاء على تاريخ المقاومة الجهادية ضد الاحتلال الفرنسي ممثلة في جليل أعمال أحمد باي، والأمير عبد القادر (8)، وفاطمة نسومر(9).. والزعاطشة (10). والمقراني والحداد..

فهذه صحائف من أمجاد سطرها الزمان وإن نسينا فما نسي الزمان فهي بمنظور الشاعر تعيد نفسها بشكل أو بآخر.

صحيح أن النتائج كانت محسومة سلفا إذا أخضعناها لمقياس الربح والخسارة وفي أدبيات التجار، وعالم المادة، غير أنها بمقياس الروح تعد انتصارا لأن تلك التضحيات ظلت معالم هادية تلتمس الأجيال بعدها طريقها إلى الخلاص، وظلت جذوة الجهاد متقدة والذاكرة حية، وكان لكل جيل شرف وضع لبنة في صرح البناء الأكبر، وكما يقال " المسيح انتصر لأن سبرتكيس انهزم " فهم من مهد الطريق وكل أمر في الدنيا يبدأ صغيرا ويكبر،كذلك كانت تلك الثورات تصب كلها في رصيد نوفمبر.. (11)

هم الثائرون الألى ولدوا نوفمبر من صلبهم فاستقام.. (12)

بل يذهب الشاعر ليؤصل لموقف الشعب في غرة نوفمبر إلى عمق التاريخ الإسلامي قائلا:

وذكرتنا في الجزائر بدرا فقمنا نضاهي صحابة بدر(13)

والشاعر يحسن توظيف مثال البدريين في القضية، ووضع الثورة الجهادية في الجزائر ضمن السياق التاريخي لعدة معطيات منها:

I) . تلك المعركة التاريخية كانت معركة فاصلة بين الحق والباطل والحق يومها أعزل من السلاح اللهم إلا سلاح العقيدة وعدالة القضية.

II) اختلال ميزان القوى لحساب الوثنية المتغطرسة ووفور عدتها وعتيدها، والمعركة كانت قدرا مقدورا لا بد للفئة المؤمنة من خوض تجربتها إذ لا خيار عن المواجهة، والاعتماد على أسباب السماء بعد استنفاد أسباب الأرض، وطلب المدد من ممن بيده الأمر كله، ووجدنا الرسول الأكرم rيدعو لهم بما معناه: اللهم إنهم ضعاف فقوهم، وجياع فأطعمهم، وعراة فاكسهم..

III)كان هذا موقعة لها ما بعدها، وكان الرسولr يناجي فيها ربه " اللهم إن تهلك هذه العصبة فلن تعبد بعدها في الأرض أبدا "، ويقف ليصفها قائلا " اليوم برز الإيمان كله للشرك كله "

IV) غطرسة الوثنية بسعيها في استئصال شأفة المسلمين، وخروجها محتفية بخيلها وخيلائها، محتقرة لمن سواها، فلم تعد تنتشي بغير عنصر القوة الذي يوظف للاستمتاع بالبطش والفتك بالمستضعفين كنوع من " المازدوشية ".

V) انتصار الحق والقيم والمثل الرسالية في آخر المطاف على النعرات الجاهلية الضيقة واندحار الجبروت والباطل بعد أن ظل يمد ويجزر.

وكل ما قيل ويقال عن موقعة البدريين يجد رجع صداها في نموذج ثورة التحرير الجزائرية، من قلة في الوسائل، وتسليم الأمر لله، وتجبر المحتل وإلى ما هنالك من المعاني.

إن هذه الأمة ـ من خلال الإلياذة ـ غنية بتاريخها وعلى الأجيال أن تستحضر روعة هذه المواقف حتى لا تتشعب بها السبل وتضيع في زحمة الثقافات الهجينة فتتفرق بها السبل ذلك أن من فات تاريخه تاه، وليس غريبا أن نرى اليوم دولة استيطانية كإسرائيل تعمل على شرعنة تواجدها في فلسطين انطلاقا من مزعوم الحق التاريخي، ذلك أنها وجدت نفسها تعاني من عوز تاريخي فراحت تلتمسه في الأساطير والقراءات التلمودية، وليس غريبا أيضا أن يكون معامل التاريخ أعلى المعاملات في مقرراتها الدراسية.

إن التاريخ ـ فيما نتصور ـ أشبه بحياة الإنسان الخاصة : سلسلة من الحلقات متصل بعضها ببعض وكل سلسلة هي مرحلة عمرية لا مناص من قطعها واجتيازها بحلوها ومرها، وإن أي تجاهل لأحد هذه المراحل هي حالة مرضية حالة فقدان ذاكرة تستدعي دخول المصحة والمشافي طلبا للعلاج. فكل حركة حتى داخل سياق الحاضر ستغدو بعد زمن خبرا من الماضي وبالتالي جزءا من التاريخ، وأن الكثير من السلوكات التي تطبع شخصية الإنسان وحتى في فترات متأخرة من العمر تدين في ثباتها إلى مرحلة الصغر وهذا ما يقضي به علماء النفس ويقرأون به جملة من السلوكات والمواقف، وما يقال عن الفرد يقال عن الجماعة إذ الجماعة بالنهاية هي مجموعة من الأفراد.

ونخلص في النهاية إلى أن التاريخ يغدو من منظور الشاعر أحد المكونات الثقافية التي يمتزج بها الماضي البعيد بالماضي الوسيط ثم بالحاضر الذي هو امتداد طبيعي لتلك الفترات التاريخية من عمر الأجيال الآخذ بعضها بتلابيب بعض وأن التنكر له معناه الطعن في نسب الفرد والجماعة ثم الأمة ككل، وغمز في أصالة عنصرها وصفاء جنسها.

2. المكون الديني:

ثورتنا قامت على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة وهذا مؤدى ما يتغنى به شاعرنا: وصغنا مصائرنا بالرصاص وبالرأي والحجة القاطعة

وتمت بها كلمات الإله التي وقعـت باسمها الواقعة (14)

لقد كان المكون الإيماني يمثل ثقافة صد وممانعة يحول دون ذوبان الأمة في كيمياء الثقافة الفرنسية وإلا ما الذي منع جدي وجدك من أن يغير اسمه ويتجنس بجنسية غير جنسيته أليس هو عامل الإيمان ؟ وأنه مسلم مستعل بإسلامه والآخر كافر أليست هذه الثقافة على بساطتها في المخيال الشعبي هي الصخرة الصلبة التي تكسرت عليها كل أساليب الكيد، ومكر الليل والنهار ؟

ولم تنفع سياسة العصا والجزرة هذه لمن شاء وتلك لمن أبى مع شعب وقوده الطاقة الإيمانية.

وأعيا المبشر عمق العقيدة فلم تجد فينا المساعي الحميدة

ولا عسل في طواياه سم ولا البذل يخفي الشرور المبيدة

ولا أن يطوف بأبوابنا ومن خلفها عزمات وطيدة

ولا أن يعالج فينا المريض وتهتك في أصغريه العقيدة

ولا بالأناجيل تنشر فينا فتصبح بالوضع غير مفيدة

فحسب المبشر قرن ونصف تجارب للزيغ كانت بليدة

وإيماننا شامخ كعلانا ونظرتنا فيه ظلت بعيدة

وأحرى أن نبشر فيكم بإسلامنا والمبادئ الرشيدة (15)

لقد رام المستعمر شراء الذمم ونشر ثقافة الارتزاق الرخيص ببعض حسناته إلا أن ذلك كله كان أرخص السلع في سوق القيم التي أطر حركتها الإسلام العظيم فباءت تلك المحاولات بالفشل، وكان كل هذا مجرد مكر جبان وإلا ما منع فرنسا وهي التي حكمت الجزائر قرنا وما ينيف عن الثلاثة عقود أن تجعل الجزائر في أسوإ الأحوال في مصافها من التقنية والتعليم والخدمات أليست المدة كافية ؟. وحتى الذين راموا التجنس وفرض سياسة الأمر الواقع على فرنسا طلبا للتساوي في الحقوق اعتبروا مواطنين درجة خامسة أو سادسة بعد اليهود والإسبان والإيطاليين وغيرهم من القوميات الأوربية المستوطنة للبلاد.

إن المكون الثقافي الديني لعب دورا محفزا في إلهاب نار المقاومة الجهادية ضد المحتل ولذلك ليس غريبا أن تكون كلمات السر في ليلة الفاتح من نوفمبر أسماء لبعض رموز الفتح الإسلامي وأعلامه، وليس غريبا أن تنفق في ثقافة المعركة دوال المجاهد والشهيد والله أكبر عند اندلاع الرصاص في المعارك، وزغردة الثكالى والأرامل لفقد رجالهم، وفلذات أكبادهم.

لقد وفر العنصر الإيماني كما يقول الشاعر للثورة مفاهيم لعل من أبرزها الاقتناع بعدالة القضية، ورأي الجماعة، الوفاء، الاستقامة في الخلق، وحرب الضمير. (16)شكل هذا كله الغطاء الذي احتمت به الإمة.

والدين بما يحمل من مبادئ وقيم كان دوما يمد شعبنا بدفعات حرارية متولدة عن تلك القوة الحرارية الكمونية التي يشحن بها أتباعه وهنا نجد صاحب الإلياذة يتغنى ويهتف في مسمع

الزمان بهتافات خالدة وتمجيد للعقيدة:

شربت العقيدة حتى الثمالة فأسلمت وجهي لرب الجلالة

ولولا الوفاء لإسلامنا لما قرر الشعب يوما مناله

ولولا تحالف شعب ورب لما حقق الرب يوما سؤاله

هو الدين يغمر أرواحنا بنور اليقين ويرسي عداله

إذا الشعب أخلف عهد الإله وخان العقيدة فارتقب زواله(17)

3.المكون الانتمائي الوحدوي للأمة ( المصير المشترك ):

إن هذه الأمة أمة واحدة وإن بدا عليها من مظاهر التمزق والتشظي ما يخرم الذهاب إلى هذا القول، ورغم ما قيل وما قد يقال إلا أن مصيرها واحد وتاريخها واحد ومستقبلها واحد وأعراض المرض اليوم فيها واحدة، وكل هذا يشي بأنها جسم واحد وأن ما اصطلح على هذا الجسم من أدواء محكوم بقاعدة دوام الحال من المحال، وأن النور من رحم الظلماء مسراه، لذلك نجد الشاعر لا يعبأ بما يقال عن الحدود والسدود التي هي نتاج خرائط " سايكس وبيكو في تقسيم الموحد، وتجزئة المقسم، وإسقاط فلسطين في يد الغاصب الإسرائيلي، ويقيم الشهادة على صدق الدعوى من الوقائع على الأرض :

سلام على المغرب الأكبر على طبعه الناصع الأطهر

أحيي الألى آزروا حربنا إلى النصر في ريحها الصرصر

وما بخلوا بالدم المغربي على دمنا الفائر الأحمر

وكانوا ملاذا لأحرارنا وعونا على الهدف الأكبر

أليس امتزاج دمانا الغو الي شهيدا على وحدة العنصر؟

وقالوا حدود.. فدسنا الحدو د ورحنا بأصنامها نزدري..

متى كان بين الأشقاء سدّ يقام على الزور والمنكر

وشائجنا رحم وذمام تخلدها حرمة الأعصر

لتقف السياسة خطو الشعـــــوب لوحدة مغربنا الأكبر (18).

فالشاعر يرفض أن لا يستحضر كبار قومنا هذه المعاني. ألا يشفع لنا امتزاج الدم ووشائج القربى ووحدة العنصر ؟ وكيف يقصر وعينا عن إدراك مصالحنا ؟ حتى نظل نحترب على بقاع من الأرض منسية لا يضرها أن تكون في هذه الضفة أو تلك وننسى أن هذه ألغام زرعها الاستعمار في خاصرة الأمة فعادت تنفجر هنا وهناك، ثم لا يكون بعد منهزم أو منتصر بل الكل منهزم، ألم تمزج بيننا الشدائد، والمصائب تجمع المصابين ؟.

متى سيتوب الألى لم يزالوا بوحدة مغربنا كافرين (19).

ويطرح من خلال برنامج الثورة ثلاثة مستويات للوحدة:

1. وحدة البيت الصغير أو الجبهة الداخلية بكل مكوناتها الثقافية وعناصر الهوية فيها والتي هي مصدر قوة وعزة ومنعة في وجه عوادي الزمن، وحاكة المؤامرات.

2. وحدة البيت الكبير وهو المغرب العربي وقد رافع الشاعر في الأبيات المتقدمة عن ضرورة هذه الوحدة، وأنها حاجة ملحة لا غنى لعاقل عنها.

3. وحدة البيت الأكبر وهو المجتمع العربي ومن ثم المجتمع الإسلامي: ويفترض أن يكون نموذج وحدة الوطن العربي الكبير والإسلامي ومثالها المقتدى الوحدة المغاربية أو ما يسميه المغرب الأكبر المستمد رسالاته من رسول الهدى

ووحدة مغربنا اليوم خطو إلى وحدة المسلمين غدا

بتوحيد بعض نوحد كلا وهل ينكر الخبر المبتدأ

فربما كان مغربنا مثالا قويما به يقتدى

وإن سلك العرب في أمرهم سواء السبيل مددنا اليدا(20)

فالوحدة حقيقة تاريخية وضرورة حضارية وحاضرية، وأخيرا جاءت الأحداث العالمية لتعزز هذا الطرح وتثبت لنا كم كنا مقصرين وكم كنا متأخرين عن عظمة ما نحمل من أفكار لم نحسن الاستفادة منها مع كل أسف، وإلا فبأي معنى يمكن أن نقرأ واقع غيرنا وهو يحشد كل الجهد والوسائل من أجل التوحد ونحن لا نزال نفاخر بحكم الطوائف الذي لا يزال بأرضنا متجليا بالخزي والأوزار ؟. ونعزز ثقافة التمزق والتوزع التي هي امتداد للحرمان الفكري الذي يتشخص في ضعف الإمكانات وفقر في الأشياء.

إن من غير المعقول أن نرى اليوم دولة في حجم ألمانيا مثلا تجد نفسها في حاجة إلى فرنسا والعكس، في حين لا تحتاج موريتانيا مثلا للمغرب وقس على ذلك ما شئت.

4. مكون النصرة للقضايا العادلة وحركات التحرر:

كل حرف من قصائد الثورة يعلن رفضه للظلم والظالمين، ويتخندق في صف المستضعفين ويناصر حركات التحرر والقضايا العادلة، وكان هذا التوجه سياسة عامة انتهجتها الدولة الوطنية بعد الاستقلال حيث وقفت إلى جانب كل صاحب حق، وحركة تحرر بالكلمة وبالفعل.

ولا تنطلق قصيدة الثورة من منطلق الحسابات الضيقة، وإنما ترتكز في ذلك على الأسس المبدئية والقيم التي يعتقد الشعب الجزائري ويدين بها، وكانت طول التاريخ عدته الثقافية في محاربة الظلم ونصرة العدل

صمود الأمازيغ عبر القرو ن غزا النيرات، وراع النجوم

فكم أزعجوا نائبات الليالي ! وكم دوخوا المستبد الظلوما

سلوا طبرية يذكر تبيريـــــوس تيكفرناس يوالي الهجوما* (21).

والشاعر يؤمن بأن الحقوق تحلب بالساعد الأشد ولا تعطى هدايا على أطباق من ذهب وأن الطريق نحوها محفوفة بالدم بالجراح.

ولن يغسل العار إلا الدما وعاش الحديد.. يفل الحديد.. (22)


والعالم لا يتعاطف مع الضعيف، ولا يرحمه إذ القوة بالواقع كانت دوما تقضي في الضعفاء بما تشاء، فكثيرا ما يرون في الضعف ذنبا وعقابا يستأهله من وصم به.

وأصغى لنا المجمع الدولي الأصم وأرهف للسمع أذنا(23)

صرخنا فلم يعبؤوا بالصرا خ فلم يك غير القصاص سبيلا(24).

ذلك أن السيف أصدق إنباء من الكتب، فالشاعر يعبر عن توجه عام تولد عن عدم جدوى الحلول التفاوضية، ودجل السياسة القائمة على المكر والنفاق والخداع، وتبديد جهود الطرف الآخر في الساحة الخطأ، واستهلاك الجهد منه، ويحاول التنظير لهكذا موقف يراه طريق الخلاص الأوحد لأي مظلوم، وبهذه المناسبة يستعرض معاناة الشعب الفلسطيني أو كما يسميه الشعب الذبيح.. ويدعوهم إلى رص الصف، وجمع الكلمة والاتساء بالجزائر في حربها التحريرية، والكفر بالسياسة التي تغدو طريقا للمناصب، والكراسي.

ولولا التحام الصفوف وقانا لكنـا سماسـرة مجـرمـيـنا

فليت فلسطينتقفو خطانا وتطوي ـ كما قد طوينا ـ السنينا

وبالقدس تهتم .. لا بالكراسي تميـل يسـارا بها ويمــيـنا(25)

ومن لم يوحد شتات الصفـــــوف يعجـل به حمـقه للفـنا(26)

هذه أحد المكونات الأساسية العامة التي رصدناها في الإلياذة ونعدها قواعد ارتكاز ينهض عليها البناء، وما عداها فعائد إليها بنسبأ أو مشدود إليها بسبب.


*- دوناطوس ملك أمازيغي ومقاوم كبير ثار في جبال جرجرة وأوراس وإفريقيا بأكملها ضد الرومان

ينظر بهامش إلياذة الجزائر. مفدي زكريا. موفم . وحدة الرغاية. الجزائر. ط. 1995. ص36 بتصرف.

· ـ كان ملكا أمازيغيا ( صفاقس )مواليا للرومانيين فنهض ماسينيسا يحارب الرومانيين وسفاكس معا .. وكان الرومان ساوموا ماسينيسا ليكون حليفا لهم ولكنه استمر في الدفاع عن وطنه.. وانتصرفي زامة[ ينظر بهامش الإلياذة ص37.

1. إلياذة الجزائر. مفدي زكريا. ص36. ص37.

2. ينظر المصدر نفسه. ص 41.

3. " ص83.

4. " ص33. 42.

5. " ص36.

6. " ص44.

7. " ص50.

8. " ص52 وص53.

9. " ص55

10. " ص54.

11. " ص54.

12. " ص66.

13. " ص67.

14. " ص81.

15. " ص101.

16. " ص86.

17. " ص87.

18. " ص84.

19. " ص48.

20. " ص90.

*- تكفرناس ثائرأمازيغيعلى عهد الإمبراطور الروماني تيبريوس باني طبريةانتصر تكفرناس على عديد من جيوشه ودامت الحرب ثمان سنوات وفشلت كل الإمدادات الرومانية أمام صمود الأحرار الوطنيين [ ينظر على هامش الإلياذة. ص 38.

21. " ص38.

22. " ص63.

23. " ص69.

24. " ص77.

25. " ص68.

26. " ص20.

المصدر: مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية, سطيف العدد 03
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 139 مشاهدة
نشرت فى 13 يوليو 2012 بواسطة makhbarsaida

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

9,494