الشيخ عبدالله بن حُميد كوكب غاب عن الوجود! (<!--)
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم ** بعد الممات جمال الكتب والسير
لاشك أن رحيل وغياب جهابذة العلماء وعظماء الرجال محزن ومؤسف جداً يترك فراغاً واسعاً في الساحة العلمية والسياسية ونشر العلوم المفيدة والثقافات العامة، والآراء السديدة التي يستفاد منها، ويستنير بها ولاة الأمور في بعض المهام السياسية والاجتماعية، فالأخذ بالمشورات والآراء الصائبة تقي أصحابها من الزلل وخاصة الصادرة من الأوائل الذين عركتهم الحياة ومروا بتجاربها:
إن الأمور إذا الأحداث دبرها ** دون الشيوخ ترى في بعضها خللا
إن الشبــــاب لهم في الأمر معجلــــة ** وللشيوخ أناة تدفع الزللا
فمن أولئك العلماء الأجلاء علماء الرعيل الأول سماحة الشيخ العالم الجليل عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن حُميد، الذي ولد في حي (معكال) أحد أحياء جنوب الرياض في شهر ذي الحجة عام 1329هـ، وقد كف بصره في طفولته، ولم يكن ذلك عائقا له عن طلب العلم، فحفظ القرآن الكريم في إحدى الكتاب وأخذ مبادئ العلوم الشرعية فحفظ متونها..، فأستمر في تلقيه على صفوة من العلماء الذين أختص كل واحد منهم في باب من أبواب العلم وهذا مما كان سبباً في سعة علمه وطول باعه في شتى فنونه، فأصبح مخزون ذاكرته يعج بدقائقه وجليله وعويص مسائله الفقهية وصفاء العقيدة وتوحيد العبادة لرب العباد..، فكان من مشايخه: الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ سعد بن عتيق، والشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، والشيخ حمد بن فارس،- رحمهم الله جميعاً -ومع ذلك كله لازم سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم ملازمة تامة حتى صار له منه الفائدة الكبرى وتخرج على يديه، وقد أعجب الملك عبدالعزيز بفرط ذكائه وفهمه الجيد ورجاحة عقله والقوة في أعماله..، فقال: في حقه لو كنت جاعلاً القضاء والأمارة جميعاً في يد رجل واحد لكان ذلك هو الشيخ عبدالله بن حميد، فمن أعماله الجليلة متعددة المواقع: أن عينه الملك عبدالعزيز قاضياً في العاصمة الرياض وذلك في عام 1357هـ هذا وليس له من العمر إلا ثمان وعشرون سنة وبعد ذلك بسنوات نقل إلى القضاء في مدينة المجمعة، ثم إلى القضاء في مدينة بريدة، وصار في تلك المناطق هو المرجع في القضاء والإفتاء والتدريس والإمامة والخطابة:
ليس على الله بمستنكر ** أن يجمع العالم في واحدٍ
فكان له القبول التام بين أهل تلك البلدان..، وفي عام 1384هـ تأسست الرئاسة العامة للإشراف الديني على المسجد الحرام فأختاره الملك فيصل – رحمهما الله – ليكون رئيساً لها، ويعتبر أول رئيس لهذا العمل الهام المشرف، وفي عام 1395هـ عينه الملك خالد رئيساً لمجلس القضاء، فصار رئيس القضاء ومرجعهم في هذا المقام الكبير.. ، ولما تأسس مجلس هيئة كبار العلماء اختير ليكون من كبار أعضائه وبقي فيه حتى وفاته – رحمه الله – فأينما حل في بلد فهو المرجع للمكان الذي يحل فيه في التدريس والإفتاء والاستشارات وغير ذلك من أعمال الخير، فهو صاحب الإشارة والكلمة النافذة، وكان ولاة الأمور يجلونه ويعرفون قدره ويحترمونه غاية الاحترام لسعة علمه وبعد نظره، وقال بعضهم: الشيخ بن حُميد قد رزقه الله عقلاً راجحاً وسياسة ليس لها نظير ووصفه فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام المترجم عنه في كتابه (علماء نجد خلال ثمانية قرون) بالجزء الرابع، بأن صلته به وثيقة ومودة هي أقوى وأوثق من علاقة النسب، وأنه يشترك معه في كثير من الندوات ومناقشات رسائل ماجستير وغيرها في مجالات أخرى – رحمهما الله – وله رسائل تربو على خمس عشرة رسالة يرى أن الحاجة داعية إلى تحريرها، فهو من العلماء الأفاضل الذين يرون الاكتفاء بما سطره العلماء السابقون في أسفارهم، وله ذاكرة عجيبة وقوية في التقاط أصوات السائلين رغم طولها وإعادتها كما هي، ولاسيما في برنامج (نور على الدرب) الذي كان يرد فيه على أسئلة المستمعين منذ عقود من الزمن – تغمده الباري بواسع رحمته – ويعتبر فضيلته بمنزلة الزميل لوالدنا الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخريف حيث كان كل منهما قد نهل من موارد العلوم لدى المشايخ بالرياض أمثال الشيخ سعد بن عتيق والشيخ حمد بن فارس والشيخ عبدالله بن عبداللطيف وغيرهم من المشايخ الفضلاء، وهو مضرب المثل لديه في التفقه في الدين وسعة الأفق في الأحكام الشرعية أسمع منه ذلك وأنا في مقتبل العمر، ولقد سعدت بلقائه والتحدث معه في الرياض والطائف، وسماع إجاباته السديدة الوافية في البرنامج الإذاعي سابق الذكر..، وحينما عرّفته باسمي أخذ يترحم على والدي الشيخ عبدالرحمن، فوصفه بأنه العالم الزاهد فشكرته وعرضت عليه الزيارة إلى حريملاء فأجاب - يرحمه الله - لعل الفرصة تسنح بذلك، وحينما سعدت برؤية فضيلته من أول لقاء تذكرت قول الشاعر:
كانت مساءلة الركبان تخبرني ** عن جعفر بن فلاح أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ** أُُذْنِي بأحسن مما قد رأى بصري
فاستمر في برنامجه الإذاعي، وفي بذل جاهه وعلمه في قضاء حوائج المسلمين حتى أصيب بمرض عضال حاول مهرة الأطباء في الولايات المتحدة وفي السعودية كبح جماحه، ولكن أعيتهم الحيلُ حيث وافاه أجله داخل مستشفى القوات المسلحة بالطائف يوم الأربعاء 20/11/1402هـ وصلي عليه بالمسجد الحرام بعد صلاة العصر، ودفن بمقبرة العدل بمكة المكرمة، وحضر الصلاة وتشييعه خلق كثير يتقدمهم العلماء والأمراء والأعيان، شعر المواطنون بفراغ كبير بعده – رحمه الله رحمة واسعة-وقد ترك علما نافعا بعده، وخلف ذرية صالحة ذكورا وبنات صالحات، ومن الأبناء الدكتور الشيخ صالح مستشار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز وإمام وخطيب المسجد الحرام ورئيس مجلس الشورى ورئيس مجلس القضاء الأعلى سابقا، والدكتور أحمد عميد كلية الشريعة ورئيس قسم الدراسات العليا فيها، والشيخ ابراهيم أحد مدرسي دار الحديث بمكة المكرمة، وبعد وفاته رثاه الكثير من العلماء ومن تلامذته بالكلمات الضافية وبغر القصائد، كما رثاه فضيلة الشيخ محمد بن عبدالله السبيل – رحمه الله -إمام وخطيب المسجد الحرام والرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف – آنذاك -بقصيدة طويلة تبلغ أكثر من 55 بيتاً نذكر منها:
على مثل هذا الخطب تهمي النواظر** وتَذري دماء مقلةٍ ومحاجرُ
ألا أيها الناعي لنا عَلم الهدى ** أصدقا تقول أم مصابا تحاذرُ
هو الشـــيخ عبدالله نجــــل محمــــد ** به أمة الإسلام حقاً تفاخرُ
تفـــــرد في علـــم وفقــــــه وفطنة ** تقــاصر عنها باحث ومذاكرُ
وهذه الكلمة الوجيزة التي استقيت معظمها من كتاب (علماء نجد خلال ثمانية قرون) لا تفي بحق سماحة والدنا العالم الجليل الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد، وتعتبر هذه مجرد خاطرة وذكر حسن – تغمده المولى بواسع رحمته ومرضاته.
غربت شمس رائد من رواد الأدب والمعرفة (<!--)
(السفير/أحمد بن علي المبارك رحمه الله)
بلغ المكرمات طولا وعرضا ** وتناهت إليه عرضا وطولا
حينما يفاجأ بعض الأشخاص برحيل قريب أو صديق حميم، لا بد أن يترحم عليه، وربما يحاول أن يكتب عنه كلمة تأبين ورثاء، منوها بما يستحقه من صفات حميدة وثناء عاطر وترحم، فسرعان ما يأذن لشريط ذكرياته معه، ومع مواقفه المحمودة بأن يتحرك تحركا غير المعهود في سرعته ليمر بخاطره بعض المواقف الجميلة المشرفة، فينتقي ما يرى ذكره مناسبا للنشر عبر الصحافة اليومية ليعبر عن مآثره الحسان، وعن بعض الأعمال التي سبق أن زاولها – إن وجدت – ففي يوم السبت العاشر من شهر جمادى الأولى فوجئنا برحيل علم بارز من أعلام الأدب في الجزيرة العربية: إنه الشيخ الأديب والسفير/أحمد بن علي المبارك الذي غادر عرينه مأسوفا عليه بعد ظهر يوم الجمعة التاسع من شهر جمادى الأولى 1431هـ في الأحساء، وكان لوقع ذاك النبأ أثر عميق من الحزن في نفسي، فلم أملك في تلك اللحظة المؤلمة سوى الترحم عليه تاليا الآية الكريمة "إنا لله وإنا إليه راجعون" ولقد قفزت بي الذاكرة في تلك اللحظة إلى أول لقاء به في مجلسهم العام المعروف لأسرة آل مبارك بالهفوف بحي الصالحية عام 1412هـ تقريبا حيث تلقينا دعوة كريمة منهم بصحبة صديقهم الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن المديميغ، والزميل الراحل الدكتور حمد بن إبراهيم السلوم – رحمه الله – في أثناء حضوره من الولايات المتحدة الأمريكية في إجازة قصيرة ..، وكانت بداية طيبة للتعرف عليه – يرحمه الله -، وللتواصل مع أسرة آل مبارك المعروفين بالعلم والأدب الجم الرفيع، فأكرمونا واحتفوا بنا طيلة مكثنا لديهم، ودخلنا مجالسهم المعمورة بالعلم والآداب، وبتجاذب أطراف الأحاديث الشائقة، والمطارحات الشعرية والأدبية، ثم السكن ليلا في المنزل المعد للضيافة في جانب أحد البساتين الخضراء والنخيل التي تسر الناظرين، ثم أعقب ذلك تبادلا في الزيارات على فترات، وكانت رحلة ميمونة عرفنا فيها كوكبة خيرة من المشايخ وعدد من أنجالهم النجباء. ولقد ولد الشيخ الأديب أحمد بن علي آل مبارك بالأحساء عام 1337هـ تقريبا، ونشأ (أبو مازن) في صغره بين أحضان والديه ومع لداته وأترابه بحي الصالحية بالأحساء، وقد درس على أيدي مشايخ من أسرته، وعلى يد الشيخ عبدالعزيز بن صالح العلجي، ثم شخص إلى بغداد فدرس بمدرسة دار العلوم العربية والدينية، بعد ذلك التحق بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر بمصر عام 1356هـ حيث شق طريقه في الحياة الدراسية مبكرا متحملا مشاق السفر والغربة بعيدا عن أهله وأوطانه بأرض الكنانة بمصر لأجل تحقيق طموحاته في طلب العلم هناك منذ عام 1356هـ، فهو رجل عصامي بمعنى الكلمة، وقد لاقى الأمرين في تلك الفترة من جوع ومرض، وذلك لقلة المادة لديه، ولدى من يموله في تلك العصور الفارطة مادياً، وقد حكى عن نفسه عبر برنامج (أماكن في ذاكرتهم) الذي كان يقدمه الأستاذ الفاضل/ إبراهيم بن أحمد الصقعوب ــ آنذاك ــ أنه لم يخصص له في بادئ الأمر سوى جنيهين لا تفي بأبسط حاجاته، ومع ذلك قسا على نفسه، واستمر في مواصلة دراسته، ويقول في أثناء حديثه إنه ظل يتغذى بقليل من الفول فقط في الثلاث وجبات المعروفة، فنفسه تأبى أن يطلب شيئاً من أحد، وقد ساءت صحته نتيجة قلة الغذاء، ومع ذلك صبر في تلك السنوات "العجاف"، حتى عاد إلى أرض الوطن مسلحاً بسلاح العلم والأدب، ولله در الشاعر حيث يقول:
صبرتَ فنلتَ النصر بالصبر فالمنى** فما انقادت الآمال إلا لصابر
ويعتبر من أوائل الدارسين خارجياً. وقد تسنم عدداً من المناصب نذكر منها بعضاً لضيق المجال حيث عين في عام 1371هـ مفتشاً عاماً في جميع مدارس المملكة،ثم عين مديراً للتعليم بجدة مدة أربعة أعوام، بعد ذلك عين في وزارة الخارجية مديراً للإدارة الثقافية والصحية، ثم مديراً للشؤون القنصلية بسفارة المملكة بالأردن عام 1381هـ، ثم إلى سفارة المملكة بالكويت، ثم قنصلاً في البصرة لمدة أربع سنوات، ومنها سفيراً إلى جمهورية غانا خمس سنوات، وبعد ذلك إلى الدوحة عاصمة قطر كأول سفير للمملكة فيها عام 1392هـ، وقد حضر لقاء القمة الخليجي الذي أقيم في كلية البترول في المملكة العربية السعودية بالمنطقة الشرقية عام 1395هـ، وقد حضر هذا اللقاء جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز ــرحمه الله ــ، وبعدها عاد إلى أرض الوطن مكرماً، وعمل مديراً عاماً لإدارة الشؤون الإسلامية بوزارة الخارجية حتى تقاعد عام 1415هـ، وله عدة إصدارات أدبية منها: الأمل والألم، عبقرية الملك عبدالعزيز، كما حظي بالتكريم داخلياً وخارجياً وأعلاه تكريمه في مهرجان الجنادرية بتاريخ 5/11/1423هـ بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى ـ طيب الله ثراه ـ بحضور الملك عبدالله ــ متعه الله بالصحة والعافية ــ وغير ذلك من الأوسمة والدروع، فهو بدر ساطع من بدور المحافل، وقد بدأ أحديته المشهورة في عام 1411هـ وكان الإقبال عليها منقطع النظير، كما كرم في (إثنينية) الشيخ عثمان الصالح ــ رحمه الله ــ، وجريدة اليوم، وفي النادي الأدبي بالشرقية، وفي منزل الأستاذ الوجيه الشيخ عبدالله بن عبدالمحسن الماضي، ورغم امتطائه أكثر من تسعة عقود مرقلا نحو عبور (الهنيدة) فإنه كان محتفظا بقواه الذهنية، وبذاكرته التي لم تصدأ بل تجلوها وتوقظها محادثة الرجال ذوي العقول والاداب، وقد لمست منه ذلك في آخر محادثه معه عبر الهاتف، ثم أحسست من نبرات صوته، وتكرار دعواته بأن يحسن له المولى الختام، فتضاءل صوته شيئا فشيئا، فعلمت أنها لحظات وداع إلى الأمد الأقصى، وكأني بالشاعر قد وجه مثل هذا البيت لأبي (مازن):
ألا إنما الدنيا كظل سحابة ** أظلتك يوما ثم عنك اضمحلت
رحمك الله -أبا مازن -وأسكنك فسيح جناته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته (أم مازن) ومحبيه الصبر والسلوان. {إنا لله وإنا إليه راجعون}.
وجيه من الأحساء غيب في الثرى(<!--)
(الشيخ محمد بن عبد اللطيف آل مبارك "أبو قيس" رحمه الله )
فراق أخ كان الحبيب فـفاتـني ** وولى به ريب المنون فـأسرعا
من سنن المولى في خلقه أن يتعاقب ويتتابع بنو البشر في عمارة هذا الكون المتباعد الأرجاء والآفاق ليبلوهم أيهم أحسن عملاً، فكل ميسر لما خلق له ، فمنهم شقي وسعيد، فالسعيد من يوفقه المولى بإخلاص العبادة بأداء الشعائر الدينية، وحسن التعامل مع الآخرين وتختلف طبائع وسلوك الأمم المتعددة حسب هداية المولى لهم -جلّ ثناؤه -ثم التأثر بالبيئة التي تحيط بهم وتؤثر في نفوسهم واتجاهاتهم العامة والخاصة، فأفضلها وأنفعها أن يعيش المرء في محيط علمي وأدبي يُنير جوانب النفس ويكسوها هيبة وبهجة وسرورا وهذه الصفات الحميدة تذكرنا بمجالس أسرة آل مبارك بالاحساء التي هي بمثابة الصوالين الأدبية المستديمة يومياً ملتقى الأدباء والمشايخ من نفس الأسرة وغيرهم من محبي المطارحات الأدبية والمساجلات الشعرية ولكن هادم اللذات قد كدّر عليهم صفو تلك الجلسات بانتزاع عدد من مشايخهم وأدبائهم البارزين الأجلاء منذ سنوات قلائل مضت؛ منهم على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ عبدالرحمن بن علي – أبو عبدالحميد – والشيخ محمد بن عبدالله – أبو يوسف – والشيخ السفير أحمد بن علي المبارك – أبو مازن – وغير هؤلاء الفضلاء ففي صباح يوم السبت 24/4/1433هـ لحق بقوافل الراحلين الشيخ الأديب محمد بن عبداللطيف بن إبراهيم آل مبارك -أبو قيس-رحمه الله رحمة واسعة، وقد اُديت عليه صلاة الميت بعد صلاة العصر بالمسجد المجاور لمقبرة الصالحية بالهفوف، ثم تبعه خلق كثير إلى مضجعه بالمقبرة داعين المولى له بالرحمة والمغفرة، وقد خيم الحزن العميق على مسكنه ومساكن أسرته ومحبيه، ولقد عرف عنه الصدق والوفاء والكرم، والإعراض عن مساوئ الناس، وكانت ولادته في عام 1337هـ بحي الهفوف بالأحساء، وعند بلوغه السابعة من عمره ألحقه والده بإحدى الكتّاب في تلك الأزمان، ثم أخذ مبادئ في العلم على أيدي مشايخ أسرته، بعد ذلك سافر إلى ( دبي) مع خاله الشيخ / عبدالعزيز بن حمد آل مبارك واستقر فيها مدّة من الزمن، ويعتبر أول دارس بالمدارس النظامية " بدبي" وقد اُشتهر بذاك السبق في حينه.. ، وهذا يدل على نبوغه وتطلعه إلى آفاق العلوم المختلفة والثقافات العامة مبكراً.. وقد تحقق له ما كان يطمح إلى نيله حيث مَلأ مخزون ذاكرته من حلو رضاب العلوم والثقافات الواسعة حتى دفن ودفنت معه تلك الذخائر – تغمده الله بواسع رحمته -، وقد عمل بالمحكمة الشرعية بالظهران فترة من الزمن مع عمه الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز آل مبارك قاضي الظهران -آنذاك-، وبعد عمله بالمحكمة تفرغ لأعماله الخاصة والأخذ بأسباب التجارة والتردد بين بلدان الخليج والهند.. ، ولم تشغـله أعماله عن طاعة الله وتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، ويقال أنه لايخرج من المسجد إذا صلى الفجر حتى يصلي ركعتي الإشراق، وكان يذهب إلى أداء صلاة الجمعة مبكراً جداً كما كان مواظباً على صلاة الوتر واستمر على هذا المنوال طيلة حياته حتى في أسفاره ورحلاته، وكان ولوعاً بالاصطياف في بلاد الشام وخاصة بمنطقة "الزبداني"المشهورة بطيب أجوائها وجمال الطبيعة والهدوء بها، وأذكر أني قلت مداعباً له قبل رحيله بشهور قلائل: ما ذهبتَ إلى جهة الشام؟َ فأجاب بمعنى هذا البيت للشاعر زهير بن أبي سلمى حيث يقول:
صحى القلب عن سلمى وأقصر باطله ** وعُرّيَ أفرَاسُ الصِبا وَرَوَاحِلُه
ولنا مع "أبو قيس" ذكريات جميلة لا يتسع المجال لسردها، وكان التواصل مع أسرة آل مبارك الكرماء على فترات متقاربة حضورياً، وهاتفياً -رحم الله من رحل منهم وأسعد الحاضرين -ولئن غاب "أبو قيس" عن ناظريَّ فإن ذكره الطيب باقٍ بين جوانحي -تغمده الله بواسع رحمته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته ومحبيه الصبر والسلوان.
<!--[if !supportFootnotes]--><!--[endif]-->
(<!--) أرسلت للنشر في صحيفة الجزيرة، يوم الثلاثاء 3 ربيع الأول 1434هـ الموافق 15 يناير 2013م.
(<!--)نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الأربعاء 21 جمادى الأولى 1431هـ الموافق 5 مايو 2010م.
(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الثلاثاء 4 جمادى الأولى 1433هـ، الموافق 27 مارس 2012م.