عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف ( فقد ورثاء )

فقد ورثاء

الدكتور يوسف السلوم إلى رحمة الله(<!--)

 

رأيت أخا الدنيا وإن بات آمنا
<!--

 

على سفر يسرى به وهو لا يدري
<!--

بالأمس القريب رحل أخوه الفاضل عبدالله بن إبراهيم السلوم، وقبله بفترة ليست بالبعيدة غادر الحياة أخواه: محمد و د . حمد ـ زميلنا بدار التوحيد بالطائف عامي ـ 71/1372هـ ـ واليوم الخميس 21/7/1429هـ لحق بهم شقيقهم الدكتور ـ لواء ـ يوسف بن إبراهيم السلوم ـ رحمه الله ـ بعد صراع طويل مع المرض الذي نغص عليه حياته، وجعله يعيش قلقا متنقلا ما بين منزله ومستشفى القوات المسلحة، مع تجدد أحزانه على فقد إخوته الثلاثة، وتتابعهم الواحد تلو الآخر حتى وصل دوره فلحق بهم ـ رحمهم الله جميعا ـ ، وقد خيم الحزن على أجواء أسرة آل سلوم ومحبيهم حيث انتهت أيام الأخوة الأربعة ـ الكبار ـ من أيام الدنيا، وهذه سنة المولى في خلقه: قادم وراحل ..، ولقد تكرر أمام ناظريه هز نعوشهم صوب المقابر مراقد الراحلين مما جعل هم الرحيل يساوره ويقلقه، ولسان حاله يتمثل بهذين البيتين:

  أؤ أمل أن أحيا وفي كل ساعة
<!--

 

تمر بي الموتى تهز نعوشها
<!--

وهل أنا إلا مثلهم غير أن لي
<!--

 

بقايا ليال في الزمان أعيشها !
<!--

وقد استوفى حقه من ليالي العمر ـ رحمه الله ـ بعد ما عاش مع أسرته وبين إخوته في أجواء جميلة يسودها الود والتآلف، والتواصل المستمر بينهم، وبين معارفهم مدى حياتهم حتى فرقهم هادم اللذات ومفرق الجماعات، واذكر أن الدكتور حمد وأخويه محمد ويوسف وبعض أبنائهم قد خصصوا بعد المغرب من كل ليلة لزيارة شقيقهم الأكبر عبدالله وخاصة حينما أقعده الكبر لتبادل الأحاديث الودية معه، والاستفادة من تجاربه في الحياة ومن مخزون ذكرياته ..، وإيناسه وتخفيف وحشة الوحدة عنه داخل منزله .. متطرقين لأيام الصغر والطفولة وهم بين أحضان والديهم. وما يجري في تلك الأيام من ذكريات جميلة يرددونها بينهم تلذذا بالماضي البعيد..، فجلوسهم معه مما يؤنسه ويدخل السرور بين جوانحه، ولكن أيام السرور لا تدوم أبدا:-

  ما أحسن الأيام إلا أنها  
<!--

 

يا صاحبي   إذا مضت لا تعود
<!--

وكثيرا ما يستحضر مثل هذا البيت للحث على تحمل مصائب الدنيا مرددا:-

  تعز فلا إلفين بالعيش متعا 
<!--

 

ولكن لوراد المنون تتابعا
<!--

ولقد عاش الدكتور يوسف – أبو عبدالله – منذ فجر حياته مكافحا وجادا في كل المراحل الدراسية حتى نال درجة الدكتوراه من إحدى جامعات المملكة المتحدة ..، وكان هدفه أن يخدم وطنه بكل إخلاص وأمانه، وليكون قدوة حسنة للأجيال المثاليين، حيث حصل على رتبة لواء بالجيش السعودي قبل رسالة الدكتوراه، وقد تقلب في عدد من المناصب العالية منها: مدير عام التخطيط والميزانية والمتابعة لوزارة الدفاع والطيران ،ثم تعيينه مديراً للمصانع الحربية بالخرج، وقائد منطقة المدينة المنورة ، ومدير إدارة التفتيش، وأمين عام الخدمة العسكرية بالديوان الملكي، ثم سفيرا في كينيا، وأخيرا عضوا في مجلس الشورى للدورتين. بعد ذلك أخلد إلى الراحة والكتابة عبر الصحف والمجلات، وإعداد مجموعة من مؤلفاته ومذكراته: تحت الطبع الآن ليقتات منها من بعده ـ تغمده الله بواسع رحمته ـ ولقد اتصف بالحزم والشجاعة في الرأي وإفهام من تحته بإتقان ما يوكل إليهم من أعمال محاطة بالسرية التامة، فهو رجل عالي القامة في المحافل العسكرية، وله مكانة لدى ولاة الأمر لما يتمتع به من حنكة وإخلاص وتفان في خدمة الوطن وأهله، ومع ذلك كان دمث الأخلاق لطيف المعشر محبا للقراءة واسع الأفق والإطلاع على كل جديد، وقد ظهر ذلك جليا في قوة أسلوبه ومتانته، وأحاديثه الشيقة النابعة من تراكم المعلومات من مخزونات ذاكرته فهي نبع ثر يقتات منها في كل مجال يكتبه  أو يتحدث فيه، ولئن غاب عن نواظرنا شخص أبي عبدالله فإن ذكره الحسن لا يبرح خواطرنا مدى العمر، والأمل في أبنائه الكرام أن يبادروا بطبع مؤلفاته ومذكراته التي بذل في إعدادها عصارات أفكاره النيرة، كي يستفاد منها، ولتبقى مرجعا وذكرا خالدة على تعاقب الملوين، وفي ختام هذه الكلمة الوجيزة أرجو من المولى أن يسكنه فسيح جناته ويلهم ذريته وأبنائه وبناته وعقيلتيه أم عبدالله وأم فيصل الصبر والسلوان.

"إنا لله وإنا إليه راجعون "  

 

 

 

 

 

   الشيخ حاضر العريفي إلى رحمة الله(<!--)

 

  تتابع أخوتي ومضوا لأمر  
<!--

 

عليه تتابع القوم الخيارُ
<!--

الدنيا طبعت على كدر ومتاعب جمة سواء الجسمانية أو الفكرية والنفسية معاً، وهذا هو واقع الحياة مابين صفو وكدر، ومنغصات يختلف وقعها وارتطامها بجمار القلوب المحاطة بسياج الأضلع ومسبباتها قوة وضعفاً، لأن مصائب الدنيا تختلف باختلاف أحاسيس وتحمل الأفراد والجماعات لها، فهي وإن صفت أعقب صفوها كدر:

طبعت على كدر وأنت تريدها
<!--

 

صفواً من الأقذاء والأكدار
<!--

فبينما يعيش المرء مزهواً بالصحة والسعادة مغتبطاً في هذا الوجود ومستأنساً بأطاييب الحياة وملذاتها مع ما يزاوله من أنشطة وجولات ـ أحياناً ـ في مناكب الأرض كيفما يشاء يمنة ويسرة طلباً للمعيشة، أو ترفهاً وسياحة، فإذا بمفاجآت الأقدار تنغص وتكدر عليه ما أستمتع به من حلو العيش وأطايب النعيم وملذات الحياة بحلول بعض الأمراض الطارئة المخيفة ـ مثلاً ـ التي قد تكون سبباً في قلقه وتعجيل رحيله ـ والآجال بيد الله وحده ـ فيكون وقع ذاك الوافد المزعج محطماً لقواه ولأماله العراض، فيظل هاجس الرحيل مدوياً في طوايا نفسه، ومجلجلاً في حنايا صدره مُكدراً لخاطره، فيحاول جاهداً صده وإفلاته من جسده بتكثيف المراجعة للأطباء علّهم يعملون شيئاً ما يطمئن نفسه المحاطة بالقلق والخوف من المجهول المحتوم ..، وقد يزمع السفر إلى بعض بلدان العالم المتقدمة طبياً علّه يجد سبباً في مد حبل عمره معافاً، ولكن المكتوب في عالي جبينه لامناص منه البتة، وهذا هو شأن أمثال الشيخ الوجيه الحبيب حاضر بن عبد الله العريفي الذي حاول الفرار من قبضة هادم اللذات بالتعجل بالسفر متنقلاً بين البلدان الأوربية، والولايات الأمريكية، فراراً منه، فرجع خائبة آماله وأستمر في العلاج بمستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة بضع شهور، ثم رحل عنا وغاب عن الوجود في يوم الأحد 16/8/1429هـ وقد أديت صلاة الميت عليه بعد صلاة العصر في المسجد الحرام ودفن بمقابر العدل مأسوفاً عليه بعد حياة سعيدة حافلة بالمسرات وسعة الخاطر، وبعد أن صال وجال وطاف في أنحاء الدنيا ...، ومتع ناظريه من آفاقها المتباعدة إلى أن حضره يومه الموعود ـ كما أسلفنا آنفاً ـ " ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ... الآية " سورة يونس 49.

وكان ذاك اليوم الأحد 16/8 يوم محزن لأبنائه وعقيلتيه أم خالد وأم نواف وجميع أفراد أسرته ومحبيه ـ تغمده الله بواسع رحمته ـ ولقد قضى أيام طفولته وأوائل شبابه بين أحضان والدية في ربوع وأكناف بلده "جزالة " بمحافظة القويعية بلد أسرة العرافا الذين اشتهروا بالكرم والتعاون والتآلف فيما بينهم، عاش بين أقرانه وأترابه في تلك البلد الوادعة التي يسود جوها الهدوء وطيب المناخ أجمل أيام عمره وأحلى ذكرياته، وقد تروى من ماء بئر "جزالة  المشهورة" فزاده ماؤها العذب حلاوة وطراوة في حديثه، ولطافة في حسن تعامله مع الجميع ..! ثم رحل إلى مدينة الرياض وأخذ بأسباب المعيشة، وبعد تحسن حاله المادية أخذ يشتغل بالتجارة، وأخيراً استقر به المطاف في أولى مصائف المملكة بمحافظة الطائف فحسنت حاله المادية كثيراً، ثم اختاره شركاؤه مديراً عاما لشركة الجزيرة للمقاولات ..، لما يتمتع به من أمانة وحنكة وحسن تعامل،  فأشرع باب منزلة داخل المدينة وبستانه الواقع في مرتفعات الهدا بالطائف لاستقبال من يؤمه من الضيوف، وقاصديه من أسرته وأصدقائه ومعارفه الكثر ..، ويعد ذاك البستان من أجمل البساتين الحافلة بأجود أنواع الفواكه والخضروات: من رمان وكروم وكمثرى وحماط ..، وبسائر الخضروات المعروفة بتلك الأجواء الممتعة :

بنفسي تلك الأرض ما أطيب الربا 
<!--

 

وما أحسن المصطاف والمتربعا
<!--

فهو ـ رحمه الله ـ قد طوق أعناق الرجال بأفضاله وكرمه الحاتمي ..، مع ما ينفح الزائر بجزيل هداياه من تلك الثمار الحلوة اليانعة، فمن صفاته الحميدة أنه طيب المعشر هادئ الطبع حلو الطرفة والنكات، فحديثه خفيف على القلوب لا يمل يؤنس السامع، وينسي الضيف أهله ببالغ حفاوته وإيناسه، وهذا يذكرنا بقول الشاعر الغنوي:

حبيب إلى الزوار غشيان بيته  
<!--

 

جميل المحيا ، شب وهو كريم
<!--

وكأني بمن يمر محاذياً ذاك المكان الذي ألفوه مرتع الأضياف لاوياً عنقه نحوه متحسراً على غياب صاحبه وقد خلت من شخصه داره ...! مستحضراً هذا البيت:

ووحشته حتى كأن لم يكن به
<!--

 

أنيس ولم تحسن لعين مناظره !
<!--

فنرجوا أن تستمر ساعات الأنس بلقاء الأحبة والأضياف هناك ... ولقد سعدت بمعرفة "أبو عبد الله" منذ أعوام وبأول لقاء معه وبصديقه الخاص الأستاذ الفاضل عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ مدير عام الإقليم الجنوبي للخطوط السعودية، وذلك في حفل تكريم حفظة القرآن الكريم بالمدرسة الصالحية بمحافظة حريملاء منذ سنوات التي سعد بتأسيسها وفتحها على نفقته الخاصة الشيخ الراحل محمد بن صالح بن سلطان ـ رحمه الله ـ فكنت كلما أحضر إلى الطائف أزوره وأزور صديقنا الأستاذ عبد الرحمن آل الشيخ وألقى كل تكريم وحفاوة منهما، كما لا أنسى هدايا "حاضر" المتكررة الجزلة من كراتين الرمان وسائر الفواكه كل عاما ..،  وكان من حفاوته بي أثناء وجودي بفندق المسرة الواقع على مقربة من مطار الحوية في ضيافة محافظ الطائف الأستاذ فهد بن عبد العزيز المعمر وقت الاحتفال بمرور خمسين عاماً على تأسيس دار التوحيد عام 1364هـ كان رحمه الله يأتي في الصباح الباكر فيأخذني بالقوة بسيارته لتناول طعام الإفطار معه الذي تعده  إعداداً شهياً عقيلتاه أم خالد وأم نواف متعهما الله بالصحة والسعادة، وجبر مصيبتهما بفقد إلفهما الغالي اللتين حزنتا عليه حزناً عميقاً سيطول مكثه بين جوانحهما ..! فلسان حالي يملي عليهما هذا البيت لعلهما تجدان فيه سلوة:

فقلت لها صبراً فكل قرينة
<!--

 

مفارقها لابد يوماً قرينها !
<!--

وأنا بدوري أختتم هذه الكلمة الوجيزة بهذا البيت :

ستبقى لكم في مضمر القلب والحشا  
<!--

 

سريرة ود يوم تبلى السرائر
<!--

فذكرى "أبوعبد الله " ستبقى في خاطري مدى عمري ـ رحمه الله رحمة واسعة ـ  وألهم أبناءه ومعالي الشيخ ناصر الشثري وأبناءه، وزوجتيه وأسرته ومحبيه الصبر والسلوان." إنا لله وإن إليه راجعون ". 


رحم الله الشيخ عبدالله بن إبراهيم آل معمر(<!--)

 

كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
<!--

 

يوماً على آلة حدباء محمول
<!--

لكل أجل كتاب ولكل حي نهاية وغياب، فهذه سنة المولى في خلقه منذ الأزل، حياة ثم ممات لجميع الخلائق المتتابعة على ظهر هذا الكوكب الأرضي إلى يوم البعث والنشور، فالسعيد في ذاك الموقف الرهيب الذي تذهل فيه كل مرضعة عن ما أرضعت من يأخذ كتابه بيمينه مسروراً فنرجو من المولى أن يكون الأخ الكريم الوجيه: عبد الله بن إبراهيم المعمر من أولئك السعداء، حيث لاقى وجه ربه بعد صلاة التراويح في ليلة الثلاثاء 9-9- 1429هـ متخطياً تسعة عقود من الزمن، ومقارباً عبور (الهنيدة( مأسوفاً عليه بعد رحلة طويلة حافلة بالعطاء وبالعمل الجاد في خدمة الوطن وأهله تحت مظلة ملوك هذا الوطن أنجال مؤسس وموحد أرجاء هذه البلاد جلالة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه -، وظل في الخدمة ما يقارب الأربعين عاماً قضاها متنقلاً أميراً ومحافظاً في كثير من مدن المملكة بدءاً من مدينة شقراء - حوطة بني تميم - مرات - الأفلاج - حريملاء - المجمعة -، وأخيراً محافظاً بوادي الدواسر، تغمده الله بواسع رحمته - بعد ذلك أخلد إلى الراحة في مهوى رأسه: بلد آبائه وأجداده (سدوس) فأخذ أحبته ومعارفه يتقاطرون على قصره ومزارعه لزيارته، والاستمتاع بأحاديثه الشيقة التي يتخللها بعض القصص والمواقف الطريفة التي مر بها أثناء رحلته الطولى، وتنقله بين تلك المدن والمحافظات المشار إليها بكل نشاط وإخلاص، فأولئك الزوار يلقون منه حسن الاستقبال، والمبالغة في إكرامهم وإيناسهم بما يحلو لهم، فمكانه بمنزله الصوالين الأدبية التي يؤمها الكبار من علية القوم والأدباء، وسائر طبقات المجتمع لما يلقونه من حفاوة وتكريم:

حبيب إلى الزوار غشيان بيته
<!--

 

جميل المحيا، شب وهو كريم
<!--

ثم أعقب تلك الأيام وليالي سروره مع أسرته ومع أحبته مكابدة أعراض الكبر والآلام المتعددة والتنقل من قصره إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي بين حين وآخر، وهكذا طبيعة الحياة التي لا يدوم لها سرور حتى انتهاء رصيده الزمني من أيام الدنيا ليلة الثلاثاء 9-9-1429هـ منتقلاً إلى دار البقاء والمقام:

ولا خير في الدنيا لمن لم يكن له
<!--

 

من الله في دار المقام نصيب
<!--

فنرجو له طيب الإقامة في جدثه إلى أن يأذن الله لجميع الخلائق بالنهوض من مراقدهم، ولقد تحقق على يديه الكثير من المشاريع التنموية في تطوير معظم البلدان التي كان يعمل بها.. كما أن له دورا فاعلا في إصلاح ذات البين، وبين الأطراف التي قد يحدث بينها خلافات وتنازع مما أكسبه محبة لدى المواطنين، وتقدير المسؤولين له لما يتمتع به من حنكة وبعد نظر، وحسن تعامل مع الغير، لذا عمد ولاة الأمر على تعيينه في عدد من كبريات المدن.

والمحافظات ممثلاً لهم ومنفذاً لأوامرهم، فقام بتلك المهام بكل جد وإخلاص خير قيام طيلة تسنمه لتلك المناصب المتعددة.. ولقد ولد وترعرع وتربى بين أحضان والديه في بلده سدوس الشهيرة المتربعة على جنبات شعيب الحيسية الحافلة بأشجار الطلح وارفات الظل التي تعتبر من المتنزهات الجميلة لجلالة الملك عبد العزيز والمرحلة الأولى السنوية من مراحل توقفه أثناء توجهه إلى الحجاز وإلى بيت الله الحرام، بمكة المكرمة - آنذاك - بل وما زالت تلك الغابات متنفساً لمن يؤمنها من مدينة الرياض، وغيرها من البلدان المجاورة، وخاصة في مواسم الربيع وإجازة العيدين، ويعتبر ذاك الشعيب من أوسع وأكبر منحدرات سيل وادي حنيفة المتجه عبر العيينة والجبيلة صوب الرياض.. ولقد اشتهرت أسرة آل معمر بالكرم الحاتمي منذ أحقاب السنين فبلد سدوس ممر ومعبر هام لقاصدي الرياض راجلين وراكبين دوابهم..، وخاصة القادمين من الجهات الشمالية مثل القصيم، وسدير، والوشم، ومن البلدان المجاورة لها..، وذلك في الزمان الأول كانوا يتجهون لقضاء حوائجهم، والبعض للأعمال الحرفية هناك في داخل مدينة الرياض، والبعض يعمل في المزارع والنخيل الحكومية المحيطة بالمدينة لكسب لقمة العيش لهم ولأسرهم، وذلك قبل وجود المدارس وتوفر الوظائف الحكومية في تلك الحقبة البعيدة..، فضيوف آل معمر باستمرار ليلاً ونهاراً فيقدموا لهم ما تيسر من أطعمة وأعلاف لمواشيهم ودوابهم، فصدورهم رحبة لا تمل وجوه الأضياف من عابري الطريق، فالأسماع دائماً تلذ لذكرهم لما يتمتعون به من سخاء وكرم، وبعد هذا الاستطراد الذي ألزمنا بالتنويه بأفضال الذين خلد التاريخ لهم ذكراً حسناً وسمعة يعبق أريجها..، إلى الحديث عن الشيخ عميد أسرة آل معمر (أبو سعد) - رحمه الله - وحفاوته وإكرام من يؤمه سواء أثناء عمله المشرف في تلك المدن والمحافظات، أو بعده بل وقبيل رحيله: كنا نزوره على فترات متقاربة في مزارعه وفي قصره مع بعض الإخوة للاطمئنان على صحته والاستئناس بأحاديثه الممتعة التي لا تمل، وما يتخللها من طرائف وعِبَر، وكان يصر على إكرامنا وتناول طعام العشاء بجانبه رغم ما يعانيه من متاعب جمة وأمراض شتى، كما أن أخاه الشيخ الراحل عبد الرحمن لا يقل عنه حفاوة وإكراماً بضيوفه - آنذاك - رحمهما الله جميعاً، فالكرم سجية من سجايا أسرة آل معمر..، وعندما قدمت لزيارته الزيارة الأخيرة بالمستشفى التخصصي وهو في شبه غيبوبة فسلمت عليه قائلاً أنا محبكم عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف فبادرني بصوت عال وهو في حالة حرجة ابن الشيخ ابن الشيخ! وهي آخر كلمة سمعتها من فيه - تغمده الله بواسع رحمته.

ولقد اشتهر مدة حياته ـ كما أسلفنا ـ بإبادة الخراف صغاراً وكباراً تكريماً لأضيافه مُهلياً ومرحباً والابتسامة لا تبرح شفتيه ولله در (أبو تمام) حيث يقول:

فتى لم تكن تغلي الحقود بصدره
<!--

 

وتغلي لأضياف الشتاء مراجله
<!--

ولئن خلا مكانه منه فإن شخصه يظل ماثلاً في خواطر محبيه مدى الأيام..  رحم الله أبا سعد وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وعقيلته أم عبد العزيز وجميع محبيه الصبر والسلوان.

}إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{.

وغــــابت كريمــــة السجــــايا(<!--)

 

وما المال والأهلون إلا ودائع
<!--

 

ولابد يوماً أن ترد الودائع
<!--

فجائع الأيام تتراء وإن صفت يوماً أعقب صفوها كدر، فالإنسان في هذا الوجود يمر به عقود من الزمن يسعد فيها بين أسرته وأخوته وبين أحبته ورفاق عمره, ويستمر ذاك الترابط والتواد وتحلو الحياة بصحبتهم ورؤيتهم صباحاً مساءً، وعلى فترات من الزمن يتخللها أفراح ومسرات بعيدة عن منغصات الحياة حتى إن الإنسان قد يخال أن أجواء الزمن هكذا صحوا وشروقاً دائماً, فلا يلبث أن يفاجأ بما يكدر خاطرة من رحيل عزيز عليه من الوالدين أو أحدهما أو أخ وصديق، فبينما كنت أتناول طعام الإفطار بعد أذان مغرب يوم الخميس 18/9/1429هـ وإذا برنين الهاتف يحمل خبر وفاة أختي طرفة ـ أم صالح بن عبد الله العجاجي، حيث قال أبنها الأكبر والحزن قد أستوطن في شعاب نفسه ياخال، أظلم منزلنا برحيل الوالدة الذي تزامن غروبها عن الدنيا مع غروب شمس يوم الخميس 18/9/1429هـ فأجبته مسترجعاً " إنا لله وإنا إليه راجعون "وقد ظل المرض مصاحباً لها حوالي تسعة أعوام وهي طريحة الفراش، ولسانها دائماً رطب بذكر الله وتلاوة ما تيسر من قراءة قصار السور ..، ولم تبدي تضجراً أو تسخطاً رغم ما تعانيه من ملل وأمراض متعددة، فهي راضية بما هي فيه من متاعب راجية عظيم الأجر من رب العالمين..، ولقد طوح بي الخيال إلى أيام طفولتي ورعايتها لي فهي بمنزلة الوالدة في حنانها وعنايتها بي كما أنها تخصني ببعض ما يُسعدني من ألعاب وبعض المأكولات مثل "الأقط" وهو لبن مجفف "والفتيت" وشئ من الحبوب، وخاصة وقت ذهاب الوالدة للحج على الجمال ـ آنذاك ـ مدة شهرين تقريباً ذهاباً وإياباً .. وقد أنستني التفكير والتعلق بالوالدة لحسن تعاملها وعطفها ـ رحمة الله عليهما جميعاً ـ ولقد عاشت الأخت ـ أم صالح ـ أكثر من تسعة عقود من الزمن محبوبة وحميدة أيامها ولياليها في محيطها الأسري، ومع جيرانها وصديقاتها اللاتي بكينها كثيراً وحزنّ لفراقها الأبدي لما تتمتع به من حنكة، وخلق كريم وعطف على الصغير والكبير بل وبخدمة المرضى من قريباتها وملازمتهن، سواء في المستشفيات أو داخل بيوتهن، مثل الأخوات والخالات، بل وبرعاية لبعض الأطفال الذين باكرهم اليتم برحيل أمهاتهم وليس بمنازلهم من يرعاهم وخاصة الذين تربطهم بها صلة قرابة ..، فهي تعاودهم ما بين وقت وآخر لتخفيف وطأة اليتم ووحشة فراق وغياب أقرب الناس إلى قلوبهم لمواساتهم وتقديم ما يلزمهم وتفقد ملابسهم..، كل ذلك وفاءً منها واحتساباً للأجر من رب العباد الذي يقول في محكم كتابه العزيز " إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ". وسيحدث غيابها في الساحة الأسرية فراغاً وفجوة واسعة، ولاسيما من تربطها بهم صلة قرابة وصداقة، ومجورة, فهي معروفة برحابة الصدر وبالتفاني في إسداء المعروف الذي يقي مصارع السوء، وبالعمل الخيري مع جاراتها في الحي والمحلات القريبة من منزلها ..، ولاسيما في سالف الزمان المشهورة بتكاتف وتعاون تلك الأجيال فيما بينهم بصفة عامة, وفي مجالات أخرى مثل مواسم الأعياد والتحضير لعمل ولائم الزواجات، والمناسبات المشابهة لذلك .. فهي تشاطر قريباتها وجاراتها في تحضير بعض الأطعمة لعدم وجود محلات للطبخ, كذالك تساهم في خياطة عدد من ملابس العرائس ومستلزماتهن، فهذا العمل الجميل التعاوني سائد في الأوساط الاجتماعية قديماً:

إذا الحمل الثقيل توازعته 
<!--

 

أكف القوم خف على الرقاب
<!--

فهي مثالية في جميع أعمالها وصفاتها ـ تغمدها الله بواسع رحمته ـ ومما زاد أوارى حزني ما سمعته من شقيقتي الصغرى "هيا" أم الدكتور محمد بن عبد العزيز العقيلي حينما هاتفتها معزياً في أختي الكبرى "أم صالح" قائلة بصوت حزين لامس هضاب قلبها: (ما عاد لي أخوات يا أُخيي)!! ولسان حالها في تلك اللحظة يجيب بمثل هذا البيت:

بلى إن هذا الدهر فرق بيننا 
<!--

 

و أي جميع لا يفرقه الدهر
<!--

ولئن غابت عن ناظري فإن ذكرها العاطر سيبقى خالداً في خاطري مدى عمري..

رحم الله "أم صالح" وأسكنها عالي الجنان وألهمنا "إخوتها" وذويها وأبنائها وأبنتها الجوهرة أم "محمد "  الصبر والسلوان.

" إنا لله وإنا إليه راجعون "

 

 

 

 

 

رحم الله الصديق محمد بن عبدالله العمراني(<!--)

 

وما الناس إلا ظاعن ومودع  
<!--

 

وثاوٍ قريح الجفن يبكى لراحل
<!--

الإنسان حينما يفاجأ برحيل عزيز وقريب أو صديق يشعر بحزن عظيم، وجرح عميق يلامس فؤاده ويصدع قلبه، ولا يلبث أن يسترجع شريط الذكريات الجميلة معه ولا سيما إذا كان الراحل من أترابه ولداته، فتقارب السن يعد ـ أحياناـ من أركان الصداقة وأدومها بقاء في شعاب النفس أمدا بعيدا، فالمرء بحسه وبفطرته ينظر إلى أقرانه ومن عاش معهم في صغره نظرة خاصة عند غيابهم نظرة تشده إلى الماضي البعيد عصر الطفولة والبراءة حتى ولو لم تربطه بهم صلة قرابة أو نسب، فكيف إذا كان الغائب قريبا كريما وصديقا حميما مثل من فجعنا بوفاته وبرحيله العاجل عنا قبيل صلاة فجر يوم الاثنين 6/10/1429هـ بعد ما أومأ شعوب بأن رصيده الزمني من أيام الدنيا قد انتهى تماما إنه الأخ الكريم ابن الخالة محمد بن عبدالله العمراني ـ أبو عبدالعزيزـ ولقد عاش بين أحضان والديه مطيعا وبارا بهما، ومُشاطراً في الأعمال الحرفية والفلاحة مبكراً، فحياته كلها كفاح وعراك ـ أحياناـ مع نظرائه وأنداده، فهو يتصف بالشجاعة والصراحة والعمل الجاد حتى بعد رحيل والديه ـ رحمهم الله جميعاًـ فبيتهم بيت كرم وحب للبذل في أوجه البر والإحسان إلى الأيتام والفقراء، بل هو مقصدا ومأوى للأضياف، وهذه الصفات المحمودة من صفات أسرة آل عمران عموما منذ القدم ولا تكاد تخلو منازلهم من الأضياف،  فأبو عبدالعزيز رجل مهيب ذو نخوة وفزعة جمع بين قوة الشخصية والكرم المستمر، فوجه لا يمل الضيف، وقد اكتسب هذه الصفة الجميلة من أسلافه الذين وارتهم الترب وغابوا عن الوجود ـ رحمهم الله ـ ومن حسن الطالع أن جمع الله بينه وبين "أم عبدالعزيز" حليلته الفاضلة منيرة بنت عبدا لرحمن بن ناصر ـ تغمدها الله بواسع رحمته ـ التي هي خير معين له طيلة حياتها معه تحثه على مضاعفة البذل في أوجه البر وصلة الأرحام وسائر أسرته ومعارفه، ولقد اشتهرت بالبذل السخي في أوجه البر والإحسان إلى الأرامل والأيتام، وتلمس حاجات جاراتها، ولقد انفردت بصفة حميدة لا تماثل وخاصة أيام وجود المستشفى مجاوراً لمنزلهم بحريملاء، فهي تهتم بالمريضات المنومات بقسم النساء والولادة وبالذات الغريبات منهن حديثات الولادة فتحضر لهن ملابس لمواليدهن، وتمهدهم بطريقتها الخاصة، كما تزودهن بمستلزماتهن.. بجانب ما تقدمه من شوربة وطعام خاص لهن كل ذلك حب منها للمساكين ورجاء المثوبة من رب العالمين، كما لا ننسى إكرامها وحفاوتها بوالدتي ـ رحمها الله ـ عندما تزورهم بمنزلهم فهي تبالغ في إكرامها وتهيئ لها الفراش الوثير عند مبيتها عندهم حيث تظل لديهم يوما أو يومين .. ولقد أحدث رحيلها ـ رحمها الله ـ فجوة واسعة في محيطها الأسرى، والاجتماعي لما تحلى به من كرم وسجايا حميدة، كما أن بعلها محمد قد تأثر كثيرا وحزن على فراقها حزنا طويلا ساوره حتى لحق بها.. فأضجع على مقربة من جدثها:

مُجاور قوم لاتزور بينهم   
<!--

 

ومن زارهم في دارهم زار همدا
<!--

فذكريات الطفولة مع (أبوعبدالعزيز) باقية ومحفورة في جدار الذاكرة لا يمحوها كر الجديدين، وكنت أنا ورفيق عمري الراحل: محمد بن عبد العزيز المشعل نأتي إلى نخل أخوالنا وخالاتنا بصحبه والداتنا بين آونة وأخرى، فنجدها فرصه لمزاولة السباحة بالبرك جميعا، ونتسلق فسائل النخيل القصيرة، ثم نجمع بعض العسب وننزل متزحلقين عده مرات، فهي تشبه إلى حد ما الألعاب الحديثة الآن، ومثل ذلك تسابقنا على ركوب الحمير كأننا خياله في امتطائها فنجد في ذلك متعه لا يضاهيها شيء من متع الدنيا "آنذاك" فمزاولة تلك الأشياء تجدد نشاطنا الجسمي والذهني معا، وستبقى ذكريات أيام وليالي تلك الحقبة الزمنية التي قضيناها  في لهو ومرح ماثلة في مخيلتي حتى ارحل إلى العالم الباقي. رحم الله أبا عبدالعزيز، واسكنه فسيح جناته والهم ذويه وأبنائه وبناته وإخوته ومحبيه الصبر والسلوان.

 (إنا لله وإنا إليه راجعون).

 

 

 

 

 

 

 

 

أبو طارق المهيزع إلى رحمة الله(<!--)

 

margin-left:
mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 245 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,379