عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف ( فقد ورثاء )

فقد ورثاء

إلى جنان الخلد أبا ناصر(<!-- )

(أبن العم/ عبدالعزيز بن ناصر الخريف)

 

وكل أخٍ مفارقه أخوه
<!--

 

لعمر أبيك إلا الفرقدان!
<!--

    في صباح يوم الجمعة 9/4/1425هـ توقفت نبضات قلب ابن العم الشيخ/عبدالعزيز بن ناصر الخريف مُعلنة رحيله إلى دار المقام، وأن نصيبه من أيام الدنيا قد انتهى تماماً، وقد صُلي عليه بعد صلاة العصر في جامع الملك خالد بالرياض الذي غصّ بالمصلين رجالاً و نساءً،  دعوا الله أن يتغمده بواسع رحمته، ويحسن وفادته، ثم تبعه خلق كثير إلى محافظة حريملاء حيث وارته التُّرب بإحدى المقابر المجاورة لمزرعته ومَرتَع صباه..، وقد باكره اليُتم بفقد والديه وهو صغير، فعاش في الحياة وحيداً، وانتقل إلى الدار الباقية وحيداً، ولم يرزق ذرية هو وأرملته طيلة عمرهما المديد معاً، والتي بقيتْ الآن بعد رحيله وحيدة تُكابد وحشة الفراق والغربة في الحياة ومرارة العيش بفقد إلِفها وبُعد حليلها عنها ـ كان الله في عونها ـ وكأن لسان حال المعزيات لها يحاولن تسليتها وتخفيف ثقل المصيبة على قلبها متمثلات بهذا البيت:

فلا تبكين في أثر شيء ندامةً
<!--

 

إذا نزعته من يديِكِ النوازع !
<!--

هذا ونذكر بأن ما خفف عليه وطأة اليتم والحرمان في صغره احتضان شقيقه عبدالرحمن له، وأخذه معه في مزاولة بعض الأعمال التي تساعد على كسب الرزق ولقمة العيش حتى كبر واشتد ساعده على تحمل أعباء الحياة ومُعتركها، فأخذ ـ رحمه الله ـ يسير في مناكب الأرض يعمل هنا وهناك، ثم قضى شطراً من عمره موظفا في القطاع الحكومي بمدينة الرياض.. بعد ذلك شده الحنين إلى مسقط رأسه ومدارج صباه مع لداته في حريملاء فعاد إليها:

المرء يسرح في الآفاق مضطرباً
<!--

 

ونفسه أبداً تتوق إلى الوطن !
<!--

وفتح له محلاً للبيع والشراء مُدة من الزمن..، وبعد ما تقدمت به العمر رحل إلى الرياض ليكون على مقربة من شقيقه عبدالرحمن، وأبنائه البررة الذين لم يألوا جهداً في العطف عليه وإكرامه ورعايته رعاية تامة حتى أنزلوه في جدثه آسفين على فراقه والحزن باد عليهم وعلى جميع أسرته والمشيعين له معاً..

 وكان – رحمه الله- رغم قِلّة ذات اليد مُحباً للبذل في أوجه البر والإحسان إلى الأيتام، وإدخال السرور على الأطفال يمنحهم بعض الهدايا والأشياء المحببة إليهم، كما سعد ببناء مسجد من خالص ماله بحريملاء، طمعاً في مضاعفة حسناته يوم يلقى وجه ربه، وعندما تم بناؤه صلى به وحمد الله أن منّ عليه ويسر له ذلك ورجى من المولى أن يوضع أجره في ميزان حسناته وحسنات والديه، ولقد اتصف بالتواضع ولين العريكة، والاستقامة وحسن التعامل مع الغير، ومما عرف عن زهده أنه في عام من الأعوام السابقة قد أمر جلالة الملك سعود – رحمه الله – بتأمين عدد كبير من السيارات الكبيرة لكثير من مناطق المملكة لنقل العديد من ذوي الحاجات والعجزة إلى تلك الرحاب الطاهرة لأداء فريضة حجهم ذهاباً وإياباً كل ذلك على نفقة الدولة – أعزها الله - واقترح عليه ـ رحمه الله ـ بعض الأقارب بأن يصحب تلك الحملة ولكن أبى رغم عدم توفر النفقة لديه في تلك الحقب، واضطر لبيع جزء من مزرعته مُؤثِراً أن تكون نفقة حجه وحج زوجته من حرّ ماله، تغمده الله بواسع رحمته وأجزل له الأجر والقبول، ومما زاد حزني وتأثري ما سمعته عنه في آخر لقائه مع شريكة حياته حينما أحسّ بدنو أجله قوله:- بعد ما أطال النظر في محياها! وكأنه يستجمع شيئاً مآ في ذاكرته..!- لا تحزني على بُعدي ورحيلي المؤكد عنكِ، فهذه سنة الله في خلقه، والأقدار لا ترد..! ، ثم أغمض عينيه وبداخله ما به من تحسر وتفجع، ولك أن تتصور حاليهما في تلك اللحظة الحاسمة وما حوته جوانحهما من لوعات الفراق، ولقد أجاد الأستاذ عبد الله بن محمد بن خميس في تصوير مثل هذا الموقف المشحون بالأسى حيث يقول:

حناناً لكم فيما طويتم جوانحاً
<!--

 

عليه، وعطفي يا " وحيد " ورحمتي
<!--

غفر الله لك أبا ناصر و أسكنك عالي جناته، وألهم ذويك و أسرتك و أرملتك الصبر والسلوان " إنا لله و إنا إليه راجعون "

 

 

 

 


الغـنــام وحـسـن الخــتـام(<!--)

(حمد بن محمد الغنام رحمه الله)

 

تعــز فــلا إلـفيـن بالعـيــش متـعـا
<!--

 

ولكن لو راد المنون تتابعا
<!--

    بالأمس القريب أي في يوم 23/4/1425هـ ودَّع الشيخ غنام بن محمد الغنام الحياة مأسوفاً على فراقه، وفي يوم الاثنين 10/5/1425هـ لحق به شقيقه الشيخ حمد بن محمد الغنام، فسكنا باطن الأرض معاً بعد صحبة وتآلف حميم، وطول مكث على ظهرها، حيث لاقى وجه ربه في تمام الساعة الثالثة قبل صلاة الفجر من ذلك اليوم مُختتماً حياته المديدة بصلاة الوتر والنطق بالشهادة، والسجادة تحت ركبتيه، والمصحف عن يمينه، ومن كان آخر كلامه من الدنيا النطق بالشهادتين يرجى له دخول الجنة إنشاء الله. فقد انسلَت روحه بسهولة إلى باريها بعد (مُجاورتها جسمه) أكثر من تسعين حِجة من الزمن (فمفترق جاران دارهما العُمُرُ!) ولقد تربى هو وإخوته في أحضان والديهما الكريمين، واستفادا من سيرتهما الحسنة وتربيتهما وتوجيهاتهما لهم، وحثهم على الاستقامة وطاعة المولى، وعلى قوة الترابط والتلاحم، وصلة الأرحام، والتسابق في أعمال البر والإحسان، وإكرام الضيف الذي هو طابع والدهم محمد في تلك الحقبة الماضية زمن الحاجة هو وأمثاله من أبناء الرعيل الأول في كثير من بلدان هذا الوطن المتباعد الأطراف.(رحم الله الجميع) . ولقد اشتهر الشيخ حمد ـ أبو علي ـ في زماننا هذا بكرم الضيافة والبشاشة، وهدوء الطبع والتسامح وحسن التعامل مع الغير مواصلاً سيرة والده، ولسان حاله مُتمثلاً بقول الشاعر حيث يقـول:

نــبـنــي كـمــا كــانــــت أوائـلنــا
<!--

 

تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا !
<!--

        وخاصة في هذا الزمن زمن الخير والرخاء، وإن كان البذل في زمن الحاجة أفضل.. ولقد قضى الشطر الأول من رصيده الزمني هو وأخوه غنام يكدحان ويجدان في طلب المعيشة والفلاحة بجانب والديهما في مزرعتهما المشهورة المسماة "بالرفيعة" بحريملاء. وأما الشق الثاني من سنوات عمره فكان إلى جانب الاستمرار في الزراعة والفلاحة العمل في مندوبية تعليم البنات بمحافظة حريملاء. وقد استنفد بقية مكثه في الحياة على المداومة في حفظ كتاب الله وتلاوته، ويقال أنه كان يختمه في كل أربعة أو خمسة أيام ـ غفر الله له، ونوّر به مضجعه في جدثه ـ وقد لازم إمامة مسجد حي العزيزية بحريملاء مدة ثلاثين عاماً ـ تقريباًـ واحتفظت له ببعض التسجيلات من قصار السور والآيات، فهو ذو صوت شجي جميل تلذُّ له الأسماع، وليبقى ذكرى خالدة لأبي علي على مدى عمـري:

تــبـلـى ( الحنـاجر ) تحــت الأرض فــي جــدث
<!--

 

وصوتها يتلو الآيات والسورا
<!--

    ولنا معه ومع أخيه غنام ذكريات جميلة، وطول عشرة لا يتسع المجال لذكرها، غفر الله لهما وأسكنهما فسيح جناته وألهم ذويهم وأسرهم ومحبيهم الصبر والسلوان:

وما المـــال والأهـــلــون إلا ودائــــع
<!--

 

ولابد يوماً أن ترد الودائع
<!--

 

{ إنا لله وإنا إليه راجعــون }

 

 

 

 

 

وغــاب سـمـح المـحـيـا (<!--)

(سليمان بن عبد العزيز الشعيبي رحمه الله)

 

يُـثـني عــليـك مـن لـم تـولــيـه جمــيلاً
<!--

 

لأنك بالثناء به جدير
<!--

   فقد الأخيار مؤلم لنفوس محبيهم وعارفيهم، فلقد فاجأتنا بعض الصحف المحلية بنبأ وفاة رجل من خيرة رجال الدولة، ومن الرجال المخلصين لهذا الوطن، إنه الشيخ الفاضل سليمان بن عبد العزيز الشعيبي الذي انتقل إلى رحمة الله ونحن محزونون على فراقه.. وقد صُليّ عليه عقب صلاة عصر يوم السبت 4/8/1425هـ في جامع الملك خالد بأم الحمام بمدينة الرياض، وقد اكتظ المسجد بالمصلين رجالاً ونساءً داعين المولى بأن يحسن وفادته ويسكنه عالي الجنان، ثم تبعه خلق كثير إلى مقبرة الدرعية حيث استقر جثمانه الطاهر هناك بعيداً عن أسرته ومحبيه إلى جنة الخلد بمشيئة الله ورحمته، وقد استوفى حقه من أيام الدنيا، حيث عبر الهنيدة(<!--) بخمس سنوات حميدة أيامه ولياليه، طوى هذا العمر المديد عزيزاً مكرماً في مجتمعه ولدى ملوك هذه البلاد، حيث قضى شطراً كبيراً من شبابه وزهرة عمره مشرفاً عاماً على كثير من مزارع الملك عبدالعزيز بحي الباطن في الرياض: بالمحطة والخديمي، وأم خشيم، ونخيل ولي العهد، لما يتمتع به من أمانة ودراية بشئون الفلاحة والزراعة.

   وقد طبع على السماحة والكرم، ولين الجانب، والتلذذ بالبذل وبالإحسان إلى مستحقيه، فهو لا يمل وجه الضيف، وكل الأخيار له أحبـاب:

حـبـيــب إلى الـزوار غشــيـان بيــتـه
<!--

 

جميل المحيا، شبّ وهو كريم
<!--

    وكان الملك عبدالعزيز يفرح ويسر، ويشكره حينما يعلم أنه يبذل بيد سخية لمن يؤمه في تلك المزارع والنخيل من ذوي الحاجات والمساكين، وكان الشيخ سليمان يساعد الجيران والمحتاجين بأخشاب الأثل وجريد النخل، ويأمر بنقل ذلك لهم لإقامة مساكنهم ودورهم، قبل وجود الأسمنت والحديد، بل إنه عند مواسم نضج الثمار والحصاد، وجذ النخيل يتفقد أحوال الأيتام والأرامل ومستوري الحال فيمدهم بالكثير من الأرزاق سنوياً بأمر ورضا جلالة الملك عبدالعزيز الذي يقول دائماً: رعيتنا في أعناقنا ـ رحمهما الله جميعاً ـ وكان نخيل ومزارع الملك عبدالعزيز، بل جميع نخيل الأمراء قي تلك العقود الماضية وقبل وجود الوظائف الحكومية بمنزله وزارة العمل والعمال حالياً.. حيث إن تلك النخيل الرحبة تستقبل، وتحتضن مئات أصحاب العمل والحرف الذين يفدون إلى الرياض من أماكن بعيدة متعددة طلباً لتأمين لقمة العيش، وما تحتاجه أسرهم من متطلبات الحياة آنذاك.. فالقادم من تلك الديار أول ما يدور بخلده الاتجاه صوب الشعيبي ـ رحمه الله ـ عله يجد عملاً لديه لعلمه أنه يستوعب الكثير من العمال وأصحاب الحرف المتنوعة.. ويُحسن التعامل مع العاملين، وإعطاءهم أجورهم فور الانتهاء من أعمالهم، فما أشبه أولئك بأفواج الطيور المهاجرة التي تختار الهبوط والوقوع على أعالي الشجر وارفة الظل، فأحب الناس إلى الله عز وجل أكثرهم تحبباً ونفعاً إلى الناس، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا أحب الله عبداً حببه إلى الناس).

وقال الشـاعـر:

وجـــه عــليــه مـن الحيــــاء ســكيـنة
<!--

 

ومحبة تجري مع الأنفاس
<!--

وإذا أحـــب الله يـــومــــاً عــبــــده
<!--

 

ألقى عليه محبة في الناس
<!--

    ومما يؤثر عنه كثيراً أنه ـ رحمه الله ـ كان يجوب تلك المزارع ليلاً، ويجد أحياناً بعض الأشخاص الذين تلجئهم الحاجات إلى أخذ شيء منها خفية ليلاً كالأعلاف لمواشيهم ودوابهم، أو قطع بعض القنوان من النخيل لسد جوع أطفالهم وعوائلهم فيمر مُسلماً عليه خشية إزعاجه، بل يحمل عليه ما يجده معه ويقول له : (اهرب لا يشوفك الشعيبي) حفاظاً على ماء وجه ذلك الرجل المتخفي، ورفقاً بحاله، فما أجمل هذا التعامل الفريد مع مثل أولئك الذين ألزمتهم ظروف المعيشة لهذا الفعل ، فكلما يمر ذكر الشيخ سليمان الشعيبي على الأسماع يتذكرون هذه المواقف الكريمة، ونرجو من المولى أن تشفع هذه المواقف النبيلة، وهذا العمل الطيب لأبي صالح، ويكون من الآمنين يوم يلقى ربه، وقد لقيه غفر الله له وأسكنه فسيح جناته وألهم ذريته وذويه ومحبيه الصبر والسلوان :

وإنــما المــرء حـــديـــث بــعــــده
<!--

 

فكن حديثاً حسناً لمن وعى
<!--

( إنا لله وإنا إليه راجعون ).

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة ، يوم الأحد 2 جماد الأولى 1425هـ ، الموافق 20 يونيه 2004م.

(<!--) نشرت في صحيفة الجزيرة، يوم الاثنين 17 جمادى الأولى 1425هـ، الموافق 5 يوليه 2004م.

( <!--) نشرت في صحيفة الجزيرة ، يوم الاثنين 13 شعبان1425هـ ، 27 سبتمبر 2004م.

( <!--) أي مئة عام. 

mager22

فقد ورثاء ( عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف )

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 242 مشاهدة
نشرت فى 30 سبتمبر 2013 بواسطة mager22

عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف

mager22
عبد العزيز بن عبد الرحمن الخريف **** ولد ونشأ في حريملاء , 80كم شمال غربي مدينة الرياض . درس في حلقات العلم على المشايخ بالرياض . بدأ الدراسة النظامية بدار التوحيد بالطائف 1371 - 1372 هـ . أنهى التعليم الثانوي بالمعهد العلمي بالرياض عام 1374 هـ . كلية اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

30,359