دار الرسيس للنشر والتوثيق الإلكتروني

مجلة أدبية ؛شعر قصة رواية مقال

نزولا عند طلب السيد مدير واحة التجديد سعادة الأديب الدكتور حسين ابو ليث؛ يطيب لي أن أقترح عليكم أيها الأفاضل والفضليات بعض مقارباتي لظاهرة الكتابة بوجه عام والكتابة العربية بوجه خاص ... وفي هذا الصدد؛ إليكم : -
..........................
حديث عن الكتابة ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتابة العربية في خصوصيتها الأدبية وفي خصوصيتها العلمية إشكال قائم في معاصرتنا الراهنة ... فما أكثر الكُتّاب العرب من الجنسين وفي مختلف مجالات الإبداع والبحث، لكنّ الكتابة بمعناها الإبداعي الجميل وبمعناها البحثي الصارم غائبة أو تكاد أن تكون غائبة إلا فيما ندر، والنادر لا يقاس عليه.
لغة الكتابة رديئة إلى درجة التدني عن مستويات اللهجات الدارجة هنا وهناك، الأفكار مسطّحة مستهلكة يعافها العام قبل الخاص، التحكّم في أجناس الإبداع ومناهج البحث من مستحيلات ثقافتنا الراهنة، إدراك منتجي هذه الكتابة اللاكتابة ومنتجاتها لواقعهم وموروثهم وانفتاحاتهم على غيرهم يكاد أن يساويَ بلغة أهل الرياضيات الصِّفْر، رؤاهم الاستشرافية المستقبلية لا شمس فيها ولا قمر، غايتهم الأولى والأخيرة هي أنهم كتبوا من غير أن يكتبوا إبداعا رائعا أو بحثا نافعا أو أي شيء يحفظ لهم ماء الوجه إن كان في بعض الوجوه ماءٌ أصلاً، وقسْ على ذلك من مثالب الكتابة المعروفة وغير المعروفة بعد ...وهذا له دلالات متعددة؛ منها انتفاخ الأنا المنتج بنرجسية مفرطة مؤسسة على عقد الفراغ؛ ومنها احتقار المنتج للمتلقي في شكله الفردي والجمْعي، ومنها عبثية الوجود نتيجة القطيعة بالسلف والخلف معاً، ومنها ضغط مساوئ اللحظة التاريخية الراهنة ...
لا أيتها الأوانس، لا أيتها السيدات، لا أيها السادة ... 
فالكتابة - أوّلا - وعيٌ بصيرورة اللحظة الوجودية الحضارية وطبيعة الصراع فيها، وهي مختلفة جدا عن اللحظات العادية، وجلّ كتّابنا اليوم لا علاقة لهم بهذا الوعي الضروري، أو وعيهم معكوس، أو مشوّه، أو ناقص... 
والكتابة - ثانيا - رؤية استشرافية تؤسس لغد مختلف مساير للتطور البشري بما له وما عليه، وفاعل فيه من موقع تواجد الكاتب وقدراته وانتمائه وقناعاته في الحياة ... 
والكتابة - ثالثا - مسؤولية ذاتية وثقافية وحضارية يتحملها الكاتب بحريته دون أن يمليها خضوع لقوة مهيمنة في عصر القوة المهيمنة سياسيا وعسكريا وتقنيا واقتصاديا إعلاميا وغير ذلك ... 
والكتابة - رابعا - إتقان لأداتها، ولا أداة للكتابة خارج اللغة بتفرعاتها المعرفية المتعددة وتراكماتها التاريخية المعبرة عن الانتماء والهوية والمسار والطموحات، إذ في مجال البحث فالمطلوب هو الرصانة والدقة والإحاطة بجزئية الجزئية وهذا يتأتّى من زاد كبير ورؤية واضحة وعقل متدبّر، وفي مجال الإبداع فالمطلوب هو المَلَكَة الجمالية ذات الصقل بصناعة منمازة مستمرة متطورة ... 
والكتابة - خامسا - رسالة ذاتية مجتمعية حضارية، لها غايات مباشرة وغير مباشرة متدرجة في الزمان والمكان بحسب الظروف والضرورات ...
وبناءً على هذا؛ فالكتابة وعي ورؤية ومسؤولية وإتقان ورسالة. ومن لا حظ له في هذه العناصر فهو يكتب لأكل بعض الخبز - بما لهذا المنحى وما عليه - أو ملْء بعض الفراغات مؤقتا، ولا شيء غير ذلك .
مع الإشارة إلى أن هذه المكونات الرئيسة في صناعة الكاتب المبدع أو الكاتب الباحث يمكن أن تكون مهتزة أو ناقصة قليلا أو كثيرا عند الشباب، وهذا أمر طبيعي ومعقول جدا، والزمن المساند بالاجتهاد كفيل بحل الإشكالات التي لا علاقة لها بالملكة. أما خارج عصر الشباب فاهتزازها أو نقصانها هو الذي يجعلنا نفهم فهما عميقا لماذا قسّم العرب القدامى أهل الشعر إلى شاعر وشُوَيْعِر وشُعْرور، وهكذا في بقية أنواع الكتابة ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إمضاء: الأستاذ الدكتور بومدين جلالي - الجزائر.

المصدر: واحة التجديد
magaltastar

رئيسة مجلس الادارة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 661 مشاهدة
نشرت فى 11 يونيو 2018 بواسطة magaltastar

مجلة عشتار الإلكترونية

magaltastar
lموقع الكتروني لنشر الادب العربي من القصة والشعر والرواية والمقال »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

558,767