بقلم: نبهان رمضان
الأمثال الشعبية أكثر الأنواع الأدبية الشعبية التى أولاها الدارسون إهتمام بالغ ،ربما رجع يرجع ذلك إلى سهولة جمعها و تصنيفها. عنى العرب قديما بجمع الأمثال فهناك كتب عديدة تحدثت عن الأمثال الشعبية و ذكرت الكثير جدا من النماذج الأمثلة الشعبية مثل كتاب الأمثال للميدانى و كذلك كتاب الفاخر لإبن عاصم الكوفى و غيرهم.
فى العصر الحديث ،اهتم كل بلد عربى بجمع أمثاله و على ذلك فقد أصبحنا نمتلك مؤلفات فى أمثال الجزيرة العربية و أمثال نجد و أمثال الموصل و أمثال بغداد و إلى غير ذلك. أما فى مصر فقد دون الأستاذ أحمد تيمور الأمثال الشعبية فى كتابه( الأمثال العامية )كما دون الأستاذ أحمد أمين جملة هائلة من الأمثال العامية فى كتابه (القاموس العادات و التقاليد و التعابير المصرية) كما ألفت السيدة فائقة حسين راغب كتابا فى الأمثال عنوانه (حدائق الأمثال العامية).
حاول كل من تصدى للكتابة فى الأمثال الشعبية وضع تعريف خاص بهذا النوع الأدبى يميزه عن الأقوال المأثورة لكن أكثر التعريفات شمولية و تدقيقا و يحتوى على خصائص المثل الشعبى كان للكاتب الألمانى فريد زايلر و ذلك فى مقدمة كتابه القيم (علم الأمثال الألمانية )الذى نشر عام 1922 قائلا (القول الجارى على ألسنة الشعب الذى يتميز بطابع تعليمى و شكل أدبى مكتمل يسمو على أشكال التعبير المألوفة).
يمكننا أن نلخص خصائص المثل عند زايلر فيما يلى:
1-ذو طابع شعبى
2-ذو طابع تعليمى
3- ذو شكل أدبى مكتمل
4- يسمو عن الكلام المألوف رغم أنه يعيش فى أفواه الشعب.
لما رأى زايلر أن مفهوم الشعبية ربما كان مبهما بعض الشئ فقد أخذ يوضحه من خلال مغزى المثل من خلال انتشاره بين طبقات الشعب من ناحية أخرى لابد أن يحتوى على فلسفة ليست بالعميقة مصوغة فى أسلوب شعبى بحيث يدركها الشعب بأسره و يرددها فمثلا فإن عبارة( زوبعة فى فنجان) تخرج من دائرة المثل الشعبى طبقا لما يرى زايلر و بالمثل أيضا قول المتنبى (فإن فى الخمر معنى ليس فى العنب) لأن مثل هذه الأقوال المشهورة تحتوى على فلسفة أعمق من أن يدركها الشعب العادى كما أن هذه الفلسفة مصوغة فى أسلوب أدبى رفيع.
كما أنه يتبنى فكرة فردية المثل الشعبى معارضا فى ذلك كل المعارضة الفكرة السائدة التى افترضت مساهمة الشعب بوصفه وحدة فى خلق نتاجه الأدبى لكنها تعيش فى وجدان و روح الشعب.
رجح أيضا زايلر نظرية الطبقية فى الأمثال الشعبية حيث قسم الشعب إلى ثلاث طبقات طبقة دنيا و طبقة متوسطة و طبقة المفكرين و المثقفين و لكل طبقة منها لها أمثال تعبر عنها، لكنه حدد أن المثل الحقيقى هو الذى يعيش بين الطبقة الدنيا و المتوسطة، أما طبقة المفكرين و المثقفين فلا يعيش بينها المثل الشعبى بوفرة و فى حين تكثر بينهم الأقوال المأثورة التى رواها التاريخ و ضاع إسم قائلها أو مازالت تحتفظ بإسم قائلها.
من بين الطبقتين الدنيا و المتوسطة نجد جماعات صغيرة مثل جماعة العمال و جماعة الموظفين و جماعة الطلبة و إلى غير ذلك. لكل منها أمثال تعبر عنها فمثلا (باب النجار مخلع) يعبر عن النجاريين، أو (اللى يجاور الحداد ينكوى بناره ) يعبر عن الحدادين.
تبدو فكرة تقسيم الأمثال من حيث طبقات الشعب طريفة .زايلر نفسه لاحظ أن الأمثال الخاصه بالطبقة المتوسطة تعيش أيضا بين الطبقتين الأخريتين معنى ذلك أن المثل الشعبى لا يمكن حصره لطبقة دون الطبقات الأخرى فهى ملك للشعب بأسره.
نرى أن الأمثال الشعبية نتاج تجارب حياتيه مر بها فرد ما من المجتمع و تنقلها الشعب من فم إلى فم و من زمن إلى زمن فعاشت فى وجدان الشعب بصرف النظر عن مستوى التعليم أو ثقافة قائل المثل الشعبى . ملاحظة طريفة أيضا أن هناك بعض الأمثال تتناقض مع بعضها البعض فمثلا (باب النجار مخلع) و (ابن الوز عوام ) نجد تناقض بين فى المعنى لكن كل منهم نتاج تجربة حياتيه مختلفه فى نتائجها . و عليه فإن المثل الشعبى ناتج من تجربة فردية ليست جماعية.
لعل الحديث عن ذاتية التجربة يشدنا للحديث عن خاصية أخرى للمثل الشعبى و هو الطابع التعليمى. قال سيباسيتيان فرانك (ان المثل حصيلة تجارة مفلسة). فى المعتاد إننا نذكر المثل فى نهاية التجربة فكيف نتعلم منها لو كان له خاصية التعلم كنا ذكرناه فى بداية التجربة ليس فى آخرها.
فمثلا إذا قلنا هذا المثل (أردب ما هو لك ما تحضر كيله........تتعفر دقنك و تتعب فى شيله)نستشهد به بعد أن تتدخل فى شئ أو أمر لا يعنيك فالعبرة و الموعظة تأتى فى نهاية المثل.
المثل الشعبى هو قول قصير مشبع بالذكاء و الحكمة و لا نبالغ إذا قلنا أن كل مثل يصلح أن يكون موضوع لعمل أدبى كبير إذا استطاع الكاتب أن يتخذ من المثل بداية لعمله تجربة المثل و يعبر عنها تعبيرا تحليليا دقيقا.
هناك بعض الأمثال الساخرة و الضاحكة التى تعرض نماذج حياتية مليئة بالنقد و السخرية فهناك المثل الذى يتندر على تلك المتأنقة خارج بيتها و تهمل من مظهرها داخل بيتها (برة وردة و جوه قردة) و هناك أيضا مثل سيسخر من يتصدى لعمل لا يجيده فيقول(اخرس و عامل قاضى) و أيضا (البطيخة القرعة لبها كتير ) و (لما يشبع الحمار يبعزق عليقه) و النصاب ياخد من الحافى نعله .(خلق ناس تحفهم و كبب ناس و حدفهم) يتحدث عن اختلاف النماذج البشرية.
من الخصائص الفنية الأدبية للأمثال الشعبية فكان أول تلك الملامح استخدام الألفاظ بطريقة فنىة تبتعد عن كل تحديد لغوى و فى وسع هذه الألفاظ أن تربط بين الأفكار ربطا قويا مثل (الجار لو جار)، فكلمة الجار هنا تقف بمفردها محملة بمعان كثيرة دون أن تكون فى حاجة إلى أى تأويل من التأويلات و بالمثل (زبال و فى إيده وردة) كلمة زبال تحمل معانى تعجز الكلمات الكثيرة عن توضيحها.
نصل إلى التراكيب فالمثل لا يعرف التركيب الموحد الذى يعرض الفكرة عرضا مسلسلا و إنما يقدم لقطات متنوعة من التجربة الحياتية. من خلال هذه اللقطات المتنوعة يبرز المعنى فمثلا (انت مالك ...خليك على البر) ،(ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه)،فهذه لقطات سريعة متباعدة تذكر فى جمل قصيرة دون تسلسل فى التركيب.
هناك أيضا الجمل المتعارضه التى تصور متناقضات الحياة (فى الوشم مراية و فى القفا سلاية)، (شاورهم و اخلفوا شورهم).
هناك أيضا تكوين منطقى يربط النتيجة بالمقدمة دائما تبدء بكلمة (اللى ) فمثلا (اللى له ظهر ما ينضربش على بطنه)، (اللى مالهوش إيد ما لهوش لكمية).
هناك أيضا ملمح فنى هام فى الأمثال و هو الوزن و الإيقاع الذى يصتنع الشكل اللغوى المقفول مثال ذلك ( قصقصى طيرك لا يلوف على غيرك)، ( العبد فى التفكير و الرب فى التدبير)،(حبيبك يمضغ لك الزلط و عدوك يتمنى لك الغلط).
أيضا تكرار الوزن و الإيقاع فمثلا ( حبيب ماله ، حبيب ماله، عدو ماله ، عدو ماله) .
هناك أمثال ذات طابع الحكاية فمثلا (قالوا للجمل زمر قال : لا فم مضموم و لا صوابع مفسرة)،(ضربوا الأعور على عينة ، قال خسرانه خسرانة).
الأستاذ أحمد أمين رأى صعوبات تقابل الدارسين للأمثال الشعبية ،كما ذكر فى كتابه( فى العادات و التقاليد و التعابير المصرية )، من بين هذه الصعوبات عدم معرفة قائلها حتى نستطيع أن نعرف من أى وسط نبعت هل قائلها حضرى أم ريفى هل قالها سوقى أو ارستقراطى؟
ذلك ربما يفيد فى تفسير ظاهرة تناقض بعض الأمثال مع أمثال أخرى فمثلا ( القرش الأبيض ينفع فى اليوم الأسود)، يناقض مع ذلك ( اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب).
أولهما ينصح بالتدبير و الثانى ينصح بالتبذير فهل نبعا من وسطين مختلفين أو قيلا فى وقتين أو حالتين مختلفتين.
رغم ذلك هناك بعض الأمثال يتضح الزمن الذى قيلت فيه فمثلا (آخر خدمة الغز علقة) فإن هذا المثل يدل على أنه قيل فى مدة حكم الأتراك مصر. كما أن بعض الأمثال تدل على الوسط الذى نبعت منه مثل ( النوتى فى حساب ، و الريس فى حساب) فإنه يدل على أنه نبع من وسط المراكبية و مثل قولهم ( ايش عرف الفلاح التفاح) يدل على أنه نبع من الحضريين. أيضا قولهم ( اللى مالوش شيخ شيخه الشيطان) نبع من وسط مشايخ الطرق و هكذا.
تحديد الزمان و المكان اللذين نشأ فيهما المثل ليس له فائدة كبرى إلا إذا أشار المثل نفسه إلى زمانه و مكانه فما دامت حاجة نفسية لإستخدام المثل فإنه يعيش مع الأجيال فإذا انتفت أو تلاشت الضرورة النفسية انتهى المثل و اندثر.
فمثلا ( إن فاتلك الميرى اتمرغ فى ترابه) ساد فى عصر ما بصورة واضحة نظرا للإحتاج النفسى للإستشهاد به و قل استعماله بعد ذلك، و ربما يعيش مرة أخرى مع زمن يتلاءم مع مغزاة و هكذا.
الشئ الطريف الذى اهتم به الأستاذ أحمد أمين تدوين الأمثال المصرية حسب الموضوعات وضح ذلك قائلا : (إذا جمعنا مثلا الأمثال المصرية التى قيلت فى المرأة ،أمكننا أن نعرف منها نظرتهم إلى المرأة ، و إذا جمعنا الأمثال التى قيلت فى الحاكم ،أمكننا أن نعرف نظرتهم إلى الحاكم و إذا جمعنا الأمثال المالية، أمكننا أن نعرف منها نظرتهم الإقتصادية و هكذا .....).
من بين الأمثال التى جمعها الأستاذ أحمد أمين التى تعكس علاقة الشعب المصرى بالحكام السابقين يشعر بالمرارة التى عاشت فى قلب الشعب و التى يخفف من حدتها التعبير الشعبى فى أى صورة كانت. فمثلا (اللى تشوفه راكب على العصا، قول له مبارك الحصان) ، (إن كنت فى بلد بيعبدوا الجحش ، حش و ادى له)،( ارقص للقرد فى دولته)، ( اكمن أبوك سنجق داير على حل شعرك).
هكذا تتلخص صفات الحاكم فى الجهل و الغباء و الجبروت و الظلم كما تتلخص علاقة الشعب به فى المداراة و الإستكانة و النفاق و الصبر على بلواه.
فإذا تصفحنا الأمثال التى تروى عن الحياة الزوجية و العائلية فى مصر فإننا نعرفها عن حقيقتها بلا شك فمثلا( تاخدى جوزى و تغيرى ، ما تخيلى)، (الأم تعيش و الأب يطفش)، ( حطى جوزك فوق السطوح ان كان فيه الخير ما يروح)، ( يا ما آمنة للرجال ، يا ماآمنة للماية فى الغربال )، (قالو خدوا جوز الخرسة اتكلمت)، ( قعاد الحزانة و لا جواز الندامة)، ( فاتت ابنها يعيط و راحت تسكت ابن الجيران)، (بوس إيد حماتك و لا تبوس إيد مراتك).
أما الأمثال الدالة على الحالة الإجتماعية و الأخلاقية فلا حصر لها يمكن أن نلخصها فى بعض القيم الإجتماعية و الأخلاقية.
1-الإهتمام بالمظهر لأنه يخفى الجهل و الغباء
(زى بعجر اغا ما فيه الا اشنابه) ، (الوش وش حاج و الطبع ما يتغرش)، (غشيم و متعافى ، ضلالى و عامل إمام )، (شابت لحاهم و العقل لسه ما جاهم) ، (القفص المزوق ما يطعمش الطير)
2-خلو الحياة من القيم و الأخلاق
(غاب القط إلعب يا فار) ، (لا إنسان و لا حلاوة لسان) ، (راحت الناس و فضل النسناس)، (يا حامل هم الناس خليت همك لمين) ، (زى فقرا اليهود لا دنيا و لا دين) ، (ما تيجى المصايب إلا من القرايب )، (ما تعرجش قدام المكسحين) ، (الحيطة الواطية كل الناس تنط عليها) ،(قالوا يا كنيسة اسلمى قالوا اللى فى القلب فى القلب).
لعلنا ذكرنا خصائص و بعض أفكار الأمثال الشعبية بصورة موجزة تتلاءم مع طبيعة كونه مقال.
نشرت فى 12 نوفمبر 2016
بواسطة luxlord2009
صدى الأخبار العربية
Sada Arabic News شعارنا الشفافيه »
صدى العربية
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
468,784
صدى العربية
شارك في نقل الحـدث
ساحة النقاش