المـــــبرراتى
يحكى انه فى سالف العصر والأوان تواجدت مملكة كان يقودها حاكم ترك أمر دولته لوزير غير أمين أذاق شعبها كل ألوان الهوان , ونشر عصابته التى سيطرت على الولاية ونهبت خيراتها واستولت على مقدراتها بكل صنوف الارهاب والجبروت , حتى أحالت نهارها إلى ليل بهيم وقارب شعبها أن يسقط فى بئر اليأس والقنوط .
وبعد أن أكد الوزير لهذا الحاكم حب الشعب لمعاليه وانه يؤيده فى كل قرارته وتصرفاته , تلهف هذا الحاكم إلى قياس درجة الحب له , فأمر مناديه أن يعلن فى الرعية ان الحكام سيصلى الجمعة فى المسجد الكبير , وعلى كل مواطن يحب الملك أن يصب كأسا من عسل أحمر فى البرميل المغطى الموجود امام باب المسجد بعد الصلاة .. وجاء اليوم الموعود وصلى الحاكم الجمعة وانتظر حتى فرغت جموع المصلين من صب كؤوس العسل فى البرميل ونهض الحاكم وامر وزيره أن يكشف الغطاء , وهنا كانت المفاجأة .. فقد تبين للحاكم ان البرميل مملوء عن آخرة بالماء ولا اثر للعسل الأسود فيه . فاستشاط الحاكم غضبا واستدار ليوبخ الوزير الذى سرعان ما أسعفته حيل الختل والتزييف ليوهم الحاكم ان الامر فى غاية الوضوح وهو على خلاف ما يرى سموه وفيه الدلالة القاطعة على حب الشعب له , وبرر له المسألة بان أفراد الشعب جميعهم يحبونه وأن كل واحد منهم متأكد أن الجميع سيصبون العسل فى البرميل فماذا لو قام فرد واحد منهم وصب فى البرميل كأسا من ماء الذى بالطبع سيذوب فى العسل ولن يظهر للماء أى اثر .. وهكذا تصور كل فرد من الشعب أنه الوحيد الذى سيصب كأس الماء فى برميل العسل .. لقد اتكل كلهم على كلهم – وهكذا خال تبرير الوزير على الملك– وعليه أعلنت وزارة الداخلية للملكة النتيجة العامة ومفادها أن الشعب كله يموت فى دباديب الحاكم , ولربما انطوت الخدعة عليه حيث زيف له الوزير الامر وقلب له الحقائق ووزين الحالة على خلاف الواقع .. فأصدر الحاكم له صكا بالبراءة ..فويل لهؤلاء الحكام الغافلين فى كل عصور السلاطين من الأعيب وزرائهم المحترفين .
بكرى دردير الاقصرى
ساحة النقاش