أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

قضت محكمة النقض بأن :

 

"  لما كان ذلك ، و كانت الأحكام الصادرة نهائياً في مسائل الاختصاص التي يجوز الطعن فيها استقلالاً بطريق النقض هي تلك التي يتعلق الاختصاص فيها بولاية المحكمة ، أو تلك التي تصدر بعدم الاختصاص بنظر الدعوى حيث يكون الحكم – في هذه الحالة – مانعاً من السير في الدعوى ، و من ثم فإن الحكم المطعون فيه يجوز الطعن فيه بطريق النق .

 

لما كان ذلك ، و كانت إجراءات التقاضي والقواعد المتعلقة بالاختصاص في المسائل الجنائية من النظام العام و الشارع أقام تقريره لها على اعتبارات عامة تتعلق بحسن سير العدالة ، و كان قانون المرافعات يعتبر قانوناً عاماً بالنسبة لقانون الإجراءات الجنائية و يتعين الرجوع إليه لسد ما يوجد في القانون الأخير من نقص أو للإعانة على تنفيذ القواعد المنصوص عليها فيه ، و كان قانون الإجراءات الجنائية قد جاء خلواً من إيراد قاعدة تحدد طرق الطعن في إلغاء قرار النائب العام بإدراج أحد المتهمين على قوائم الممنوعين من السفر ، فإنه يتعين الرجوع في هذا الخصوص إلى القواعد العامة الواردة بقانون المرافعات الخاصة برفع الدعوى وقيدها ، و القول بغير ذلك يؤدي إلى تحصين قرار النائب العام من الطعن عليه باعتبار أن القانون لم يرسم طريقاً لذلك ، و هو ما يتأبى على العدالة ، إلا أن ذلك لا يحول دون أن يتولى المشرع – بتشريع أصلي – تنظيم حرية التنقل و السفر داخل البلاد أوخارجها موازناً في ذلك بين حرية التنقل – بما تتضمنه من الحق في مغادرة الوطن و العودة إليه – و بين حقوق الدولة و أفراد المجتمع ، دون إخلال بأحكام الشريعة الإسلامية و ما تقضي به المادة الثانية من الدستور من أن مبادئ الشريعة الإسلامية – قطعية الثبوت و الدلالة – هي المصر الرئيسي للتشريع .

 

لما كان ذلك و كان المشرع الدستوري جعل الحرية الشخصية حقاً طبيعياً يصونه بنصوصه و يحميه بمبادئه ، فنص في المادة (41) من الدستور على أن "  الحرية الشخصية حق طبيعي و هي مصونة لا تمس و فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق و صيانة أمن المجتمع ، و يصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة ، و ذلك وفقاً لأحكام القانون ".

 

و كان من المقرر أن حق المواطن في الانتقال يعكس رافداً من روافد حريته الشخصية التي حفل بها الدستور ، دالاً بذلك على أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة و أن تقييدها دون مقتض مشروع إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها و يقوض صحيح بنيانها وقد عهد الدستور بهذا النص إلى السلطة التشريعية دون غيرها بتقدير هذا المقتضى ، و لازم ذلك أن يكون الأصل الحرية في الانتقال و الاستثناء هو المنع ، و أن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاضي أو عضو نيابةعامة يعهد إليه القانون بذلك دون تدخل من السلطة التنفيذية ، و قد حفل الدستور بالحقوق المتصلة بالحق في التنقل في المادة 50 منه على حظر إلزام المواطن بالإقامة في مكان معين أو منعه من الإقامة في جهة معينة إلا في الأحوال التي يبينها القانون ، و تبعتها المادة 51 لتمنع إبعاد المواطن عن البلاد أو حرمانه من العودة إليها ، وجاءت المادة 52 لتؤكد حق المواطن في الهجرة و مغادرة البلاد ، و مقتضى هذا أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصاً ما بتنظيم شئ مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور فيما تقدم و أن هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين .

 

و كان قضاء المحكمة الدستورية العليا جرى على أنه إذا ما أسند الدستور تنظيم حق من الحقوق إلى السلطة التشريعية فلا يجوز لها أن تتنصل من اختصاصها و تحيل الأمر برمته إلى السلطة التنفيذية دون أن تقيدها في ذلك بضوابط عامة و أسس تلتزم بالعمل في إطارها ، فإذا ما خرج المشرع على ذلك وناط بالسلطة التنفيذية تنظيم الحق من أساسه كان متخلياً عن اختصاصه الأصيل المقرر بالمادة 86 من الدستور ساقطاً – بالتالي – في هوة مخالفة القانون .

 

لما كان ذلك ، وكان المشرع قد ارتقى بحرية التنقل و السفر داخل البلاد أو خارجها إلى مصاف الحريات العامة و الحقوق الدستورية و قرر المشرع لذلك ضمانة شكلية تتمثل في النص على سبيل الحصر على جهتين فقط ، أناط بهما الاختصاص بإصدار قرارات المنع من التنقل والسفر و هما القاضي المختص و النيابة العامة إذا استلزمت ذلك ضرورة التحقيق و أمن المجتمع .

 

و إذ كانت النيابة العامة هي الأمينة على الدعوى الجنائية و هي شعبة من القضاء العادي تتولى أعمالاً قضائية أهمها وظيفة التحقيق و وظيفة الاتهام ، وهي إذا تصدر من تلقاء نفسها قراراً بإدارج أحد المتهمين على قوائم الممنوعين من السفر بمناسبة تحقيقات تجريها في واقعة جنائية معينة ، فإن ذلك يكون بموجب سلطتها الولائية بما لها من هيمنة على سير التحقيق مستهدفة بها حسن إدارته ، مستمدة حقها في سلطة إصدار هذا الإدراج من الدستور ، و أن قيام مصلحة وثائق السفر و الهجرة و الجنسية بانجاز ذلك الإدراج لا يكون إلا نفاذاً لقرار النائب العام ، يؤيد هذا النظر أن قرار وزارة الداخلية رقم 2214 لسنة 1994 قد صدر بشأن تنظيم قوائم الممنوعين من السفر – بناء على طلب جهات عددها منها النائب العام و المحاكم في أحكامها و أوامرها واجبة النفاذ – وليس من شأن قرار وزير الداخلية هذا أن يسلب حقاً منح لهاتين الجهتين من عماده ، و لا يغير من ذلك ما ورد بنص المادة السابعة من القرار سالف الذكر التي بينت من له الحق في التظلم من ذلك الإدراج و كيفيته ، ذلك أن المطعون ضده إذ أقام دعواه ابتداء ما كان إلا بطلب إلغاء قرار إدراجه من على قوائم الممنوعين من السفر الصادر ضده و ليس التظلم منه ، و من ثم فإن المنازعة الموضوعية على ذلك القرار تكون خارجة عن نطاق رقابة المشروعية التي يختص القضاء الإداري بمباشرتها على القرارات الإدارية ، و داخلة في اختصاص جهة القضاء العادي تتولاها محاكمها طبقاً للقواعد المنظمة لاختصاصها ، و إذ كان المطعون ضد ه قد أقام دعواه أمام القضاء الإداري بطريق إيداع الصحيفة و الإعلان طبقاً لقانون المرافعات – القانون العام الذي يحكم نظم التقاضي – فقضت المحكمة الإدارية العليا بعدم الاختصاص الولائي ، و أحيلت الدعوى إلى محكمة استنئاف القاهرة حيث نظرتها محكمة الجنايات كدعوى مطروحة أمامها و قضت فيها بعدم الاختصاص الولائي ، فإن ما قضت به محكمة الجنايات هوحكماً صادراً عنها قابلاً للطعن عليه أمام النقض ، ويكون الحكم المطعون فيه إذ اعتبر – خطأ – أن قرار النائب العام بإدارج المطعون ضده على قوائم الممنوعين من السفر قراراً إدارياً لا تختص المحاكم العادية بنظر إلغاؤه يكون قد جانبه الصواب ، و إذ كان الخطأ الذي استند إليه الحكم قد حجب المحكمة عن نظر موضوع الدعوى بالنسبة إليه ، فإنه يتعين أن يكون النقض مقروناً بالإعادة ".

 

( الطعن رقم 48117 لسنة 74 ق – جلسة 14/6/2010 – المستحدث في أحكام محكمة النقض و المحكمة الدستورية العليا – لجنة الشباب بالنقابة العامة للمحامين – العدد الثاني عشر – أكتوبر 2010 – ص 143 و ما بعدها )

المصدر: المستحدث من أحكام محكمة النقض - النقابة العامة للمحامين
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,904,365

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]