أشرف سعد الدين عبده - المحامي بالإسكندرية - مصر

قضت المحكمة الإدارية العليا – دائرة توحيد المبادئ – بأن :

 

" و من حيث إنه مما يجدر بيانه بداءة ، أن قضاء المحكمة الإدارية العليا قد اضطرد على أنه و إن كانت قواعد القانون المدني قد وضعت أصلاً لتحكم روابط القانون الخاص إلا أن القضاء الإداري له أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع هذه الروابط ويتفق مع طبيعتها ، اللهم إلا إذا وجد النص التشريعي الخاص لمسألة معينة ، فعندئذ وجب التزام النص .  و قد جاءت قوانين مجلس الدولة المتعاقبة و آخرها القانون رقم 47 لسنة 1972 خلواً من تحديد مواعيد معينة لرفع الدعاوى في المنازعات الإدارية التي يختص بنظرها هيئة القضاء الإداري إلا ما تعلق منها بطلبات الإلغاء ، و من ثم فإن غيرها من الطلبات يجوز لذي الشأن رفعها متى كان الحق المطالب به لا يسقط بالتقادم طبقاً لقواعد القانون المدني ، و ذلك بحسبان أن فكرة التقادم المسقط الذي هو طريق لانقضاء الديون التي لم تنقض بأي طريق آخر لا تتعارض في طبيعتها و مفهومها مع روابط القانون العام . إذ أنه إذا كان للتقادم المسقط للمطالبة بالحقوق في نطاق روابط القانون الخاص حكمته التشريعية المتعلقة باستقرار الحقوق ، فإن حكمته في مجال روابط القانون العام تجد تبريرها على نحو ألزم و أوجب لاستقرار الأوضاع الإدارية و المراكز القانونية في مجال المرافق العامة استقراراً تمليه المصلحة العامة و حسن سير المرافق .

 

و من حيث إنه تأسيساً على ذلك ، فقد تكفل القانون المدني في المواد من 374 إلى 388 ببيان أنواع مختلفة للتقادم المسقط ، و أرسى في المادة 374 فيه القاعدة العامة و تنص على أنه يتقادم الإلتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد فيها نص خاص في القانون ، و فيما عدا الاستثناءات التالية .

 

و غني عن البيان ، أن حكمة تقرير هذا التقادم العام هي ضرورة استقرار الحق بعد مدة من الزمن ، فاعتبر المشرع مجرد مضي المدة على الحق المطالب به سبباً قائماً بذاته لانقضاء الدين بغض النظر عما إذا كان المدين قد وفاه أو كان يفترض أنه وفاه ، ثم أورد بعد هذا الأصل العام استثناءات محددة لأنواع مختلفة لحقوق تتقادم بمدد أخرى أقصر من المدة الأولى منها الاستثناء الذي نصت عليه المادة 375 - وهي مدار الطعن الماثل – من أنه يتقادم بخمس سنوات كل حق دوري متجدد و لو أقر به المدين كأجرة المباني و الأراضي الزراعية و مقابل الحكر و كالفوائد و الإيرادات المرتبة والمهايا و الأجور و المعاشات .

 

و واضح من هذه المادة أنه يشترط لإعمال حكمها أن يكون الحق المطالب بسقوطه بالتقادم حقاصاً دورياً متجدداً – و يقصد بالدورية أن يكون الحق مستحقاً في مواعيد دورية كل شهر أو كل ثلاثة أشهر أو كل سنة أو أقل أو أكثر – كما يقصد يالتجدد أن يكو الحق بطبيعته مستمراً  لا ينقطع .

 

و من حيث أن مؤدى ما تقدم أن المشرع بعد إذ قرر الأصل العام للتقادم المسقط في المادة 374 جاء باستثناءات لحقوق تتقادم بمدد معينة بمقتضى نصوص تشريعية خاصة ، و من ثم وجب تفسير هذه النصوص الخاصة تفسيراً ضيقاً بحيث لا تسري إلا على الحالات بالذات التي تضمنتها و ما خرج عن هذه الحالات فإنه يرجع إلى أصل القاعدة و تكون مدة التقادم خمس عشرة سنة .

 

و من حيث إنه ترتيباً على ذلك ، و إذ كانت المنازعة المطروحة تتمثل في تعويض عن قرار إداري مخالف للقانون فإن مسئولية الجهة الإدارية عن مثل هذا القرار إنما تنسب إلى المصدر الخامس من مصادر الإلتزام المنصوص عليها في القانون المدني وهو القانون ، و ذلك بحسبان أن تلك القرارات من قبيل التصرفات القانونية و ليست أفعالاً مادية مما لا يسري في شأنها حكم المادة 172 من القانون المدني التي تتكلم عن التقادم الثلاثي بالنسبة إلى دعوى التعويض عن العمل غير المشروع و التي وردت بخصوص الحقوق التي تنشأ عن المصدر الثالث ، و على ذلك تخضع تلك المسئولية في المنازعة المطروحة في تقادمها للأصل العام المقرر في المادة 374 من القانون المدني .

 

و من حيث إنه ليس صحيحاً في هذا المقام الاستناد إلى نص المادة 375 من القانون المدني التي تتناول حالات التقادم الخمسي كالمهايا و الأجور لأن حكمها بصريح النص لا يصدق إلا بالنسبة إلى الحقوق الدورية المتجددة بالمعنى المتقدم ، كما لا يجوز الارتكان إلى نص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية و الحسابات التي تقضي بأن الماهيات التي لم يطالب بها مدة خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة ، لأن مدلولها لا يسري إلا على ما ينعت بالماهيات فحسب دون توسع أو قياس ، و غني عن البيان أن التعويض عن القرار الإداري المخالف للقانون ليس بمرتب ، بل هو إلتزام بمبلغ تقدره المحكمة جزافاً ليست له بأية حال صفة الدورية و التجدد ، و يراعى عند تقديره عدة عناصر أخرى غير المرتب كالأضرار الأدبية و المعنوية ، كما أنه أي التعويض ليس في حكم المرتب ، إذ أنه فضلاً عن التباين الواضح في طبيعة و جوهر كل منهما و اختلاف أسس و عناصر تقدير أيهما عن الآخر فقد وردت النصوص التشريعية بصدد تقادم الحق في المطالبة بالمرتب واضحة صريحة مقصورة المدلول ، أما التعويض المنوه عنه فيرجع في شأن تقادم الحق في المطالبة به إلى الأصل العام في التقادم و مدته خمس عشرة سنة .

 

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة بسقوط دعوى التعويض عن القرارات الإدارية المخالفة للقانون بمضي خمس عشرة سنة ، و قررت إعادة الطعن إلى الدائرة المختصة بالمحكمة فيه " .

 

( الطعن رقم 567 لسنة 29 ق – جلسة 15/12/1985 – دائرة توحيد المبادئ – مشار إليه بمؤلف المستشار الدكتور/ عبد الفتاح مراد – الأحكام الكبرى للمحكمة الإدارية العليا المصرية – الطبعة الأولى – ص 133 و ما بعدها )

المصدر: مؤلف الأحكام الكبرى للمحكمة الإدارية العليا
lawing

أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية 0126128907

ساحة النقاش

أشرف سعد الدين عبده - [email protected]

lawing
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,944,030

راسلنا على الاميل

نرحب بكل الزائرين للموقع ، و نتمنى لهم أن يجدوا ما ينفعهم و يحتاجون إليه ، و لمن أراد التواصل معنا أوالاستفسارأو تقديم الاقتراحات الخاصة بالموقع و محتوياته ، عفلى الرحب و السعة ، و ذلك على الاميل الخاص بالأستاذ / أشرف سعد الدين المحامي :
[email protected]