الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

حقوق ضحايا الجرائم الإرهابية
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة


  في الثالث من فبراير 2016م، صدر حكم محكمة النقض في القضية المعروفة إعلامياً باسم «مذبحة كرداسة»، حيث قضت بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات الجيزة لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى. ويبلغ عدد المتهمين في هذه القضية 186 متهماً، أحدهم حدث، وعدد المتهمين الغائبين 34، وتوفي اثنان أثناء المحاكمة. وتعود وقائع هذه القضية، والتي تحمل رقم 12749 جنايات مركز كرداسة، إلى يوم 14 أغسطس 2013م بدائرة مركز شرطة كرداسة محافظة الجيزة، حيث توجه المتهمون إلى مقر المركز، عاقدين العزم على قتل قوات الشرطة المتواجدة به، فقتلوا فعلاً 15 من رجال الشرطة فضلاً عن اثنين من المواطنين الذين تصادف مرورهم بمحل الواقعة، وذلك انتقاماً لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.

    وبصدور الحكم آنف الذكر، تكون القضية قد عادت إلى نقطة البداية مرة أخرى. وهكذا، وبعد مرور أكثر من سنتين ونصف على ارتكاب هذه الجريمة النكراء، ما تزال القضية متداولة في أروقة المحاكم، دون أن يتحقق القصاص العادل من المجرمين الذين اقترفوا جريمتهم بدم بارد. وقد استتبع صدور هذا الحكم موجة غضب عارمة من أسر وأهالي الضحايا. ولنا أن نتصور مدى تأخير الفصل في القضايا مستقبلاً مع استحداث درجة ثانية للتقاضي في مواد الجنايات، تطبيقاً للمادة 240 من الدستور، والتي تنص على أن «تكفل الدولة توفير الامكانيات المادية والبشرية المتعلقة باستئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، وذلك خلال عشر سنوات من تاريخ العمل بهذا الدستور، وينظم القانون ذلك».

وقد استتبع صدور حكم النقض المشار إليه إثارة الجدل من جديد حول مشروع قانون مرفوع من وزارة العدل إلى مجلس الوزراء في 2 يوليو 2015م، ويتعلق بمدى التزام المحكمة بسماع شهادة الشهود عن وقائع ترى أنها واضحة وضوحاً كافياً. فقد يلجأ بعض المحامين إلى التعسف في استعمال حق الدفاع، وذلك من خلال إعداد قائمة طويلة من شهود النفي. ولسد الباب أمام هذا التحايل، تضمن مشروع القانون إضافة فقرة إلى المادة 277 من قانون الإجراءات الجنائية، نصها الآتي: «ومع عدم الإخلال بأحكام الفقرة الأولى من هذه المادة، يحدد الخصوم أسماء هؤلاء الشهود وبياناتهم ووجه الاستدلال بشهاداتهم، وتقرر المحكمة ما تراه لازماً لسماع من ترى لزوم سماع شهادته». غير أن قسم التشريع بمجلس الدولة رفض مشروع القانون، مؤكداً أن التعديل المقترح يقيد حق المتهم الخالص في سماع شهوده الذين اختارهم ومجابهتهم بأن أعطى للمحكمة سلطة تقدير سماع من ترى لزوم سماع شهادته ورفض سماع من ترى عدم لزوم سماع شهادته، الأمر الذي يجعل النص منافياً للمادتين 96 و97 من الدستور، موصوماً بشبهة عدم الدستورية.

وباستقراء القانون المقارن في هذا الشأن، يلاحظ أن العديد من التشريعات العربية تخول للمحكمة مكنة الامتناع عن سماع شهادة شهود عن وقائع ترى أنها واضحة وضوحاً كافياً أو اتضح للمحكمة أن الغرض من طلب الدفاع سماع شهود هو المماطلة أو الكيد أو التضليل أو أنه لا فائدة من إجابته إليه (المادة 168 من قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة؛ المادة 223 من قانون الإجراءات الجنائية البحريني لسنة 2002م؛ المادة 193 من قانون الإجراءات الجنائية القطري لسنة 2004م؛ المادة 163 من قانون الاجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي؛ المادة 163 من نظام الاجراءات الجزائية السعودي).


وأياً كان وجه الرأي في هذا الشأن، يمكن القول بأن سرعة المحاكمة هي أحد مكونات المحاكمة المنصفة. فالمصلحة العامة تقتضي سرعة الانتهاء من المحاكمة الجنائية تحقيقاً للردع العام، وهو أمر يتطلب السرعة في الإجراءات وتوقيع العقاب الملائم في حالة الإدانة. وقد عبرت المحكمة الدستورية العليا عن ذلك بقولها إن سرعة الفصل في الدعوى جزء من الحق في محاكمة منصفة، فلا يجوز أن يكون الاتهام متراخياً أو معلقاً أمداً طويلاً. فلا يكفي إذن لتعويض ضحايا العمليات الإرهابية مجرد النص في المادة 237 من الدستور على أن ينظم القانون التعويض العادل عن الأضرار الناجمة عن الإرهاب أو بسببه. فالتعويض المعنوي من خلال القصاص العادل الناجز لضحايا العمليات الإرهابية أهم وأسمى من التعويض المادي.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 133 مشاهدة
نشرت فى 11 إبريل 2016 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

154,501