الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

حماية الشهود.. التزام دولي وضرورة وطنية  (2-2)
مقال للدكتور أحمد عبد الظاهر
أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة


مع نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م في إزاحة نظام الرئيس الأسبق «محمد حسني مبارك»، بدأنا نشهد فصول محاكمات العديد من رموز هذا النظام في عدد غير قليل من قضايا الفساد. وترتيباً على ذلك، تواتر الحديث عن ضرورة توفير نوع من الحماية للشهود في قضايا الفساد، الأمر الذي استدعى قيام مجلس الشورى إبان حكم جماعة الإخوان مشروع قانون حماية الشهود. وزعم أحد قيادات الجماعة المحظورة أن هذا مشروع القانون يوفر حالة الأمان لكل من يبلغ عن حالات الفساد وكل من يشهد بحق في قضايا النهب والسرقة والاستيلاء على المال العام، ويضع كل من يبلغ أو يشهد في حماية الدولة ومؤسساتها (د. محمد جمال حشمت، حماية الشهود بوابة العدالة، جريدة الأهرام، قضايا وآراء، السنة 137، العدد 46174، الأربعاء 28 جمادى الآخرة 1434هـ الموافق 8 مايو 2013م). ومع ذلك، شاءت إرادة الله عز وجل أن تقوم ثورة الثلاثين من يونيو 2013م ضد حكم جماعة الإخوان، الأمر الذي استتبع عدم خروج مشروع القانون للنور، وبقي حبيس الأدراج.

وفي يوم الأحد الرابع عشر من محرم 1435هـ الموافق الثامن عشر من نوفمبر 2013م، أطلق مجهولون ملثمون النار من أسلحتهم الآلية على المقدم محمد مبروك الضابط بجهاز الأمن الوطني ومسئول ملف الإخوان بالجهاز، وذلك أثناء خروجه من منزله متوجهاً إلى مقر عمله بالقرب من تقاطع شارعي عباس العقاد وذاكر حسين بمدينة نصر. وقد استقل الجناة في ارتكاب جريمتهم سيارتين ملاكي بدون لوحات معدنية، وأطلقوا النيران على الضابط المذكور، ما أدى إلى إصابته بسبع طلقات آلية، أثناء قيادته لسيارة تابعة لوزارة الداخلية، فأردوه قتيلاً.

    والضابط الشهيد هو من حرر محضر التحريات في قضية التخابر المتهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي، وقضية هروب المسجونين من سجن وادي النطرون، ويعد الشاهد الرئيسي في القضية، الأمر الذي يثير الحديث عن ضرورة حماية الشهود. وعلى إثر هذه الجريمة، تداعت الأصوات من جديد إلى ضرورة حماية الشهود (عماد المهدي، مبروك وقانون حماية الشهود، جريدة الأهرام، قضايا وآراء، السنة 138، العدد 46377، الأربعاء 23 محرم 1435هـ الموافق 27 نوفمبر 2013م؛ جريدة الأهالي، تحقيقات، الأربعاء 27 نوفمبر 2013م، تحقيق تحت عنوان «بعد اغتيال الشهيد مبروك: حماية الشهود ضرورة عاجلة»؛ جريدة النهار، 24 ديسمبر 2013م، تحقيق صحفي تحت عنوان «مطلوب فوراً في مصر.. قانون لحماية الشهود»). 

    وفي السابع عشر من ربيع الأول 1435ه الموافق الثامن عشر من يناير 2014م، صدر دستور جمهورية مصر العربية المعدل لعام 2014م. وطبقاً للمادة (96) الفقرة الثالثة من هذا الدستور، «توفر الدولة الحماية للمجنى عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين عند الاقتضاء وفقًا للقانون». وهكذا، يوجب المشرع الدستوري على مؤسسات الدولة استصدار قانون بشأن حماية المجني عليهم والشهود والمتهمين والمبلغين.

    وبالفعل، واتساقاً مع هذا الالتزام الدستوري، وخلال شهري يناير وفبراير 2014م، تواترت الأخبار الصحفية عن موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون بشأن حماية الشهود والمبلغين والخبراء، والذي أعدته اللجنة التشريعية بوزارة العدل، بالتعاون مع اللجنة القومية لجمع المعلومات والأدلة وتقصي الحقائق التي واكبت ثورة 30 يونيو (يراجع: جريدة الأهرام، تحقيقات، السنة 138، العدد 46423، الأحد 11 ربيع الأول 1435هـ الموافق 12 يناير 2014م، تحقيق صحفي تحت عنوان «بعد تعديل القانون: الشهود تحت مظلة الحماية!»؛ جريدة اليوم السابع، الأربعاء 19 فبراير 2014م، خبر تحت عنوان «ننشر نص مشروع قانون حماية الشهود والمبلغين.. يهدف إلى تشجيع المبلغين عن المعلومات المتعلقة بقضايا الفساد.. التزام الدولة بحماية الشاهد وأقاربه وتعويضه حال تعرضه للاعتداء»؛ جريدة الشروق، القاهرة، الاثنين 17 مارس 2014م، خبر تحت عنوان «الشروق تنشر تفاصيل قانون حماية الشهود والمبلغين والخبراء»).

    ومع ذلك، لم يكتب لمشروع قانون حماية الشهود أن يخرج إلى النور، وذلك على الرغم من اغتيال أحد الشهود في قضية استاد بورسعيد في توقيت معاصر لموافقة مجلس الوزراء عليه. ففي شهر فبراير 2014م، تم اغتيال الرائد فادي سيف من قوة إدارة مرور بورسعيد خلال خدمته في شارع محمد علي بعد إطلاق مجهولين النار عليه. وكان الرائد المذكور يتولى عمل مدير مكتب حكمدار بورسعيد، أثناء أحداث مذبحة بورسعيد، وأدلى بشهادته التي كانت سبباً رئيسياً في إدانة مدير الأمن أثناء الحادث اللواء عصام سمك.

وفي شهر سبتمبر 2014م، استشهد المقدم محمد محمود أبو سريع، إثر انفجار عبوة ناسفة بمنطقة بولاق أبو العلا، بالقرب من البوابة الخلفية لوزارة الخارجية، علماً بأن المقدم أبو سريع هو الشاهد رقم 24 في قضية الهروب من سجن وداي النطرون. وقد استدعى ذلك تعالي الأصوات من جديد للمطالبة بضرورة حماية الشهود، محذرة من أنه كلما مر الوقت كلما تعرض الشهود إلى عمليات تصفية، ومتسائلة عن صاحب المصلحة في التأجيل في إصدار الأحكام وتنفيذها والسبب وراء عدم تطبيق برنامج حماية الشهود في مصر (داليا مصطفى سلامة، الحماية مطلوبة، جريدة الأهرام، آراء حرة، السنة 139، العدد 46679، الخميس غرة ذو الحجة 1435ه الموافق 25 سبتمبر 2014م).

وفي شهر ابريل 2015م، أطلق مجهولون النار على المحامي أحمد زنون شاهد الإثبات في قضية هروب المساجين بسجن وادي النطرون المعروفة إعلامياً بقضية الهروب الكبير، والمتهم فيها الرئيس الأسبق محمد مرسي وعدد من قيادات الجماعة، ما أسفر عن إصابته بطلق ناري في الظهر. وكان منزل المحامي زنون تعرض في ديسمبر 2014م لحريق هائل نتيجة إلقاء زجاجات المولوتوف عليه من قبل إرهابيين، واتهم المجني عليه في بلاغ رسمي أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية بإشعال النيران في منزله (راجع: جريدة الوطن، القاهرة، الثلاثاء 9 يونيو 2015م، «الاغتيال جزاء الشهادة».. مبروك وسيف وأبو سريع أشهرهم).

وفي الثلاثين من يونيو 2015م، وعلى إثر توليه حقيبة وزارة العدل، قام المستشار أحمد الزند بعرض مشروع قانون حماية المجني عليهم والشهود والمبلغين على مجلس الوزراء للموافقة عليه والسير في إصداره، ويتكون مشروع القانون المشار إليه من عشرين مادة، مسبوقة بقانون إصدار.

ورغم مرور أكثر من عشرة أشهر، ما زال مشروع القانون حبيس الأدراج لم ير النور، وكأننا ما زلنا في انتظار وقوع ضحايا جدد.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 115 مشاهدة
نشرت فى 29 مارس 2016 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

154,755