الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

قراءة في حكم محكمة القرن (2-3)

بقلم الدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة

 

كما سبق أن قلنا في المقال السابق، نخصص هذا المقال لإلقاء الضوء على حيثيات الحكم الصادر في القضية المعروفة إعلاميا تحت اسم «قضية القرن» أو «محاكمة القرن». والواقع أن هذه الحيثيات تتعلق بقضايا ثلاث، هي: قتل المتظاهرين، والفيلات المقدمة من رجل الأعمال الهارب حسين سالم إلى مبارك ونجليه، وقضية تصدير الغاز إلى إسرائيل. 

 

وفيما يتعلق بقضية قتل المتظاهرين، وهي القضية الأساسية والرئيسية في هذا الصدد، يمكن القول بأن حيثيات  الحكم تدور حول المحاور الآتية:

المحور الأول: ثبوت وقائع قتل المتظاهرين. وقد أشارت المحكمة إلى ذلك بقولها «إن واقعات التداعي المعروضة حسبما بان للمحكمة واستقر في وجدانها وضميرها من واقع غوصها في الأوراق وما حوته من تحقيقات وما أرفق بها من مستندات عن بصر وبصيرة وما ارتاحت إليها عقيدتها وما وقر صحيحا ويقينا ولازما وقاطعا في وجدانها ورسخت صحة وإسنادا وثبوتا في يقين قاطع جازم تطمئن معه عقيدة المحكمة وتستريح مطمئنة مرتاحة البال هادئة الفكر إلى صحة وثبات وإثبات الثابت في أوراق التداعي وما كشفت عن سائر الأوراق، بما يقشع الظلمة ويحيط الغموض عن وقائعها وأحداثها ويسلط النور والضياء عليها فتظهر وتطل يافعة قوية نضرة مليء البصر والعين مستقرة لا مراء فيها.

 

المحور الثاني: ثبوت علم الكافة بوقائع القتل. وفي ذلك، تقول المحكمة: «لقد تناولت جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والسمعية والإلكترونية تلك الأحداث (أي أحداث يوم الثامن والعشرين من يناير 2011) بالصوت والصورة، وتناولتها جميع وسائل الإعلام العالمية والمحلية، وعلم بها الكافة صغيرا وكبيرا، ومن كان في موضع المسئولية أو متفرجا من عامة الناس..، واعيا مدركا لما يدو حوله من أحداث أو حتى فاقدا لإدراك أو ضريرا أو أبكم. فالعلم بواقعات التظاهر وسقوط القتلى منهم والمصابين كانت من الوقائع المتعلقة بالعلم العام، لا يقدر أحد مهما كان موقعه أو يستطيع بجميع الممكنات العقلية أن ينكر أو يكفى علمه بما حدث من وقائع، فما الحال وكبار المسئولين عن إدارة وحماية الدولة.

 

المحور الثالث: تحقق أركان الامتناع المجرم في حق مبارك والعادلي. وفي ذلك، وبعد أن أشارت المحكمة إلى ثبوت علم كل من الرئيس المخلوع ووزير داخليته بوقائع قتل المتظاهرين، خلصت إلى أنه: «من ذلك المنطق السوي المعتبر في حق ضمير المحكمة وثبات وجدانها، تؤكد من واقع ما جرى من تحقيقات وما جرى بجلسات المحاكمة وشهادة من استمعت إليهم المحكمة بما لا يدع مجالا للشك أو الريبة أن كلا من المتهمين الأول/ محمد حسنى السيد مبارك والخامس/ حبيب إبراهيم حبيب العادلي وقد علم كل منهما بالأحداث فأحجم أولهما عمدا بصفته رئيسا لجمهورية مصر عن إتيان أفعال إيجابية في توقيتات مناسبة تقتضيها الحماية القانونية المتمثلة في امتناعه عمدا عن إصدار القرارات والأوامر والتعليمات والتوجيهات التي تحتمها عليه وظيفته والمنوط به الحفاظ على مصالح الوطن ورعاية المواطنين وحماية أرواحهم والذود عن الممتلكات والمنشآت العامة والخاصة المملوكة للدولة وللأفراد طبقا للدستور والقانون رغم علمه يقينا بما وقع من أحداث وأفعال وتدخلات من جهات وعناصر إجرامية، وكان ذلك الإحجام والامتناع عما يفرضه عليه الواجب القانوني للحماية القانونية للوطن والمواطنين ابتغاء استمرار سلطاته والسيطرة لنفسه على مقاليد الحكم للوطن الأمر الذي أدى إلى أن اندست عناصر إجرامية لم تتوصل إليها التحقيقات في موضع الأحداث قامت بإطلاق مقذوفات نارية وخرطوش تجاه المتظاهرين السلميين فأحدثت في البعض منهم الإصابات التي أودت بحياتهم وبالشروع في قتل البعض الآخر منهم بإصابتهم بالإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية والتي تم تداركهم بالعلاج. وأن المتهم الخامس – حبيب إبراهيم حبيب العادلي – امتنع عمدا بصفته وزيرا للداخلية في التوقيتات المناسبة عن اتخاذ التدابير الاحترازية التي توجبها عليه وظيفته طبقا للقوانين واللوائح والقرارات لحماية الوطن من الداخل والأرواح والممتلكات العامة والخاصة طبقا للدستور والقوانين مع علمه تماما بما وقع من أحداث، وكان ذلك الإحجام والامتناع ابتغاء فرض سلطاته واستمرار منصبه وحماية سلطات ومنصب الأول فمن ذلك الإحجام والامتناع فقد وقر في يقين المحكمة من خلال فحصها أوراق التداعي عن بصر وبصيرة أن المتهمين المذكورين قد اشتركا مع مجهولين بطريق المساعدة في ارتكاب جرائم القتل العمد والشروع فيه موضوع التحقيقات وما تضمنت تلك الجرائم من اقتران لجرائم قتل عمد أخرى وشروع فيه، قاصدين من ذلك إزهاق روح وإصابة المجني عليهم الواردة أسماؤهم بالتحقيقات، فأحدثوا بهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية والتي أودت بحياتهم أو بإصابتهم على النحو المبين بالتحقيقات. تلك الجرائم الحادثة بميدان التحرير بالقاهرة خلال المدة المشار إليها... ومن حيث إن المحكمة وقد استعرضت وقائع التداعي حسبما استخلصتها صحيحة من سائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث ووفقا لما أدى إليه اقتناعها مستندة في ذلك الاستخلاص إلى المقبول في العقل والمنطق والقانون ولما له أصله الثابت في الأوراق وقد اطمأن وجدانها تمام الاطمئنان إلى أدلة الثبوت في الدعوى وبما لا يدع مجالا للشك أو الريبة ثبوتا يقينيا لا يحوم حوله شائبة أو مطعن. وقد صح واستقام الاتهام نحو المتهمين المذكورين من واقع أدلة يقينية صحيحة المأخذ قوية البنيان سليمة المنبت جازمة لاهية واهنة ولاهية لينة ضعيفة قاطعة الدلالة ثبوتا وإسنادا، ذلك جميعه أخذا من الثابت في أوراقها ومما حوته التحقيقات وما دار بجلسات المحاكمة، وكشفت عنه سائر الأوراق ومحتويات مستنداتها. ذلك جميعه من واقع ما أقر به كل من المتهمين محمد حسنى السيد مبارك وحبيب إبراهيم حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق بالتحقيقات، ومن عملهما اليقيني بما دار من أحداث ووقائع قتل وإصابات لبعض المتظاهرين السلميين في يوم 28/1/2011 ومن واقع ما شهد به كل من اللواء عمر محمد سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق والمشير محمد حسين طنطاوي القائد العام رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة واللواء منصور عبد الكريم عيسوي وزير الداخلية السابق واللواء محمود وجدي محمد محمود، وزير الداخلية الأسبق – أمام هذه المحكمة بجلسات المحكمة – ومن واقع ثابت بالتقارير الطبية المرفقة بالتحقيقات. فقد أقر المتهم الأول محمد حسنى السيد مبارك ــ بالتحقيقات ــ بأنه علم بأحداث التظاهرات التي اندلعت يوم 25 يناير 2011 والتداعيات التي أحاط بها وما كان من سقوط قتلى ومصابين من بين المتظاهرين يوم 28 يناير 2011 وذلك العلم من خلال ما وصل إليه من معلومات أحاط بها وزير الداخلية المتهم الثاني والشاهدان الأول والثاني. وأقر المتهم الثاني حبيب إبراهيم حبيب العادلي بالتحقيقات – بعلمه اليقيني والفرض أنه وزير الداخلية بما رصدته أجهزة الشرطة المعنية من أحداث للتظاهر يوم 25 يناير 2011، وأنه حضر اجتماع يوم 20/1/ 2011 لتدارس الموقف ومواجهته، وأنه تابع بصفته الوظيفية كافة مجريات الأحداث وما أسفرت عنه من وقوع قتلى ومصابين بين صفوف المتظاهرين يوم 28/1/2011 بميدان التحرير بالقاهرة.

وشهد اللواء عمر محمد سليمان – نائب رئيس الجمهورية السابق أمام المحكمة – بأنه وحال تقلده منصب رئيس جهاز المخابرات العامة رصد الجهاز أن مظاهرات سوف تحدث يوم 25 يناير 2011، فقام بعرض الأمر على رئيس الجمهورية السابق - المتهم الأول – فأشار بعقد اجتماع لبحث هذا الموقف، وتم اجتماع يوم 20/1/2011 برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء حضره والوزراء المعنيون لدراسة كيفية التعامل مع هذا الحدث، وأنه من المعتاد أن من يرأس الاجتماع يخطر رئيس الجمهورية بما أسفر عنه. وأضاف أن بعض العناصر الأجنبية والإجرامية قامت بتهريب الأسلحة وتواجدت بين المتظاهرين وتشابكت مع الآخرين وأنه أبلغ رئيس الجمهورية السابق بتداعي تلك الأحداث.

وشهد المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام والرئيس الأعلى للقوات المسلحة – أمام المحكمة – بأنه تم بينه وبين المتهم الأول رئيس الجمهورية السابق عدة لقاءات لتدارس موقف التظاهرات وما نجم عنها من تداعيات وأنه اتصل به لإعلامه بما وقع يوم 28 يناير من سقوط قتلى ومصابين في صفوف المتظاهرين بميدان التحرير بالقاهرة ورجح أن تكون عناصر خارجة عن القانون قد تدخلت في الأحداث. وأضاف أن من واجب رئيس الجمهورية أن يصدر أوامر أو تكليفات وفقا لسلطاته الدستورية والقانونية للمحافظة على أمن وسلامة الوطن، وعلى وجه العموم فكل مسئول يعلم مهامه والمفروض أن يقوم بتنفيذها. واستطرد من المفروض أن وزير الداخلية – المتهم الثاني أبلغ الأول بما حدث من تداعيات وأنه من غير الممكن أن رئيس الجمهورية – المتهم الأول – لا يعلم بما وقع من أحداث باعتبار أنه الموكل إليه شئون مصر والحفاظ على أمنها وسلامتها وسلامة شعبها.

وشهد اللواء منصور عبد الكريم العيسوي، وزير الداخلية السابق – أمام المحكمة بأن على رئيس الجمهورية – المتهم الأول – وفق سلطاته الدستورية والقانونية أن يحافظ على سلامة وأمن الوطن، ومن هذا المنطلق عليه أن يصدر ما يراه لازما من أوامر أو تكليفات في شأن ذلك. وأضاف بأن جميع المعلومات عن الأحداث التي جرت فيما بين 25 يناير حتى 28 يناير 2011 تصب في النهاية لدى وزير الداخلية – المتهم الخامس – بصفته الوظيفية. وأوضح أن الواقع الفعلي للأحداث على الطبيعة كان يقتضى من ذلك المتهم ــ بصفته وزيرا للداخلية ــ أن يتخذ الإجراءات والقرارات ما يحول دون استمرار أو تفاقم الأحداث.

وشهد اللواء محمود وجدي محمد محمود سليه – وزير الداخلية الأسبق – أمام المحكمة – أن الأحداث التي وقعت بميدان التحرير بالقاهرة من وقائع قتل وإصابة لبعض المتظاهرين السلميين المتواجدين بالميدان كانت نتيجة فوضى عارمة شاملة أحدثتها عناصر إجرامية عديدة ومتنوعة أدى إلى تراخى اتخاذ القرار بنزول القوات المسلحة في التوقيت المناسب إلى وقوع المزيد من القتلى والمصابين من صفوف المتظاهرين السلميين آنذاك، فضلا عن ذلك، فإن المتهم الثاني – وزير الداخلية الأسبق – قد تقاعس عن اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة التي تقتضيها ظروف الحالة للمحافظة على المتظاهرين السلميين المتواجدين بالميدان.

ومن حيث إنه بالبناء على تلك المبادئ القضائية وكانت الظروف المحيطة بالتداعي والأمارات والمظاهر الخارجية التي أتاها المتهمان المذكوران تنم بما لا يدع مجالا للشك فيه عما ضمراه في نفس كل منهما من قصدها قتل المجني عليهم وإزهاق أرواحهم، آية ذلك استخدام الجناة الفاعلين الأصليين أسلحة نارية وخرطوش وهى قاتلة بطبيعتها وإصابة المجني عليهم بإصابات متعددة في أماكن متفرقة من أجسادهم بالعمق والأحشاء الداخلية والأوعية الدموية الرئيسية الأمر الذي أدى إلى نزيف شديد داخلي وتوقف التنفس وإصابات نزيفية.

ومن حيث إن الجرائم السلبية يطلق عليها جرائم امتناع ذات نتيجة أو جرائم ارتكاب عن طريق الامتناع ويفترض ركنها المادي امتناعا أعقبته نتيجة إجرامية ويعنى ذلك أن الركن المادي لهذه الجرائم يتطلب النتيجة الإجرامية من بين عناصره.

ومن حيث إن الامتناع هو إحجام شخص عن إتيان فعل إيجابي معين كان المشرع ينتظره منه في ظروف معينة شرط أن يوجد واجب قانوني يلزم بهذا الفعل وأن يكون استطاعة الممتنع إرادته ومن ثم فالامتناع صورة للسلوك الإنساني إزاء ظروف معينة وتعبيرا عن إرادة شخص في مواجهة هذه الظروف فالإرادة هنا قوة نفسية فعالة مؤثرة بطبيعتها لها كيان إيجابي.

ومن ثم فقد تحقق في حقهما العناصر الثلاثة القائم عليها جريمة الامتناع وما يتتبعها من مسئولية جنائية. وذلك على التفصيل الوارد آنفا. فالمتهم الأول وهو المسئول الأول بصفته رئيسا للجمهورية أدى اليمين القانونية الدستورية أمام الشعب بحماية الوطن والمواطنين لم يكلف خاطره ويبادر بالظهور فورا لحظة اندلاع التظاهرات يوم 25 يناير 2011 وقد علم بحدوثها قبل ذلك بأيام عدة، ليتخذ من المبادرات والقرارات ما يهدئ من روع الشباب الثائر المطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية والعيش الكريم فتركهم عامدا لتنهش العناصر الإجرامية المتواجدة بينهم أجسادهم فقتلت من قتل وأصابت من أصيب فحقق بذلك ما أراد له من نتيجة إجرامية. والمتهم الثاني بصفته المسئول دستوريا وقانونيا عن حماية الأمن الداخلي للبلاد كوزير للداخلية وقد علم يقينا عن طريق أجهزته بالوزارة قبل يوم اندلاع التظاهرات أن يتخذ ما يراه مناسبا ولازما في استطاعته يوم 25 يناير حتى 28 يناير 2011 من قرارات واحتياطات للحفاظ على أرواح المتظاهرين السلميين بميدان التحرير بالقاهرة فتركهم عمدا نهبا لافتراس العناصر الأجنبية لهم ليحقق مأربه قاصدا النتيجة الإجرامية بقتل البعض منهم وإصابة البعض الآخر كل ذلك من الأول والثاني صدر منهما ابتغاء تحقيق غاية معينة للاحتفاظ بمنصبهما الرئاسي والوزاري فأحجم وامتنع عن الفعل الإيجابي المفروض عليهما لأنهما أرادا ذلك وقد كان في وسعهما أن يأتيا الأفعال الإيجابية لمنع حدوث النتيجة التي أراداها باقتناعهما فتحقق في ذلك في حقهما المسئولية الجنائية عن جرائم القتل العمد والإصابات موضوع التداعي.

 

المحور الرابع: خلو الأوراق من أي دليل إدانة بحق مساعدي وزير الداخلية الأسبق.

استدلت المحكمة في حكمها ببراءة مساعدي وزير الداخلية الأسبق إلى عدم ضبط أي من الفاعلين الأصليين لهذه الوقائع من مرتكبي جرائم القتل العمد والشروع فيه بميدان التحرير خلا ل الفترة من 25 حتى 31 يناير 2011 وحتى عقب هذه الأحداث حتى يتبين للمحكمة توافر نية القتل العمد أو توافر حالة الدفاع عن النفس لدى الفاعلين الأصليين من عدمه، كما لم يتبين للمحكمة مدى صلة الفاعلين الأصليين بجهاز الشرطة أو صلة المتهمين المذكورين سابقا ودورهم في تحريضهم أو مساعدتهم تحديدا. كما خلت أوراق التداعي وما قدم فيها من مضبوطات تم فحصها من قبل المحكمة من أي أدلة مادية كـ«الأسلحة والذخائر والمهمات والعتاد»، تطمئن إليها المحكمة وترتكن إليها في أن الفاعلين الأصليين بجرائم القتل العمد والشروع فيه والتي وقعت أثناء الأحداث هم من ضباط وأفراد الشرطة بالإضافة إلى أنهم لم يستخدموها بأنفسهم فيما وقع من جرائم القتل في الميدان خلال تلك الأحداث. كما خلت أوراق التداعي من أي تسجيلات صوتية كانت أو تسجيلات مرئية ذات مأخذ شرعي قانوني تطمئن إليها المحكمة وتثبت أن الفاعلين الأصليين لقتل المتظاهرين هم ضباط وأفراد الشرطة. بالإضافة إلى خلو تلك الأوراق وما قدم فيها من مستندات ومضبوطات من ضبط أي اتصالات سلكية أو لاسلكية أو تسجيلات أو مكاتبات أو أوراق أو تعليمات مكتوبة أو شفاهية تثبت اتفاق المتهمين المذكورين فيما بينه أو تحريضهم أو مساعدتهم للآخرين من ضباط وأفراد الشرطة لارتكاب وقائع قتل المتظاهرين. كذلك فإن المحكمة لا تطمئن إلى ما تم إثباته بدفاتر مخازن السلاح لقطاعات قوات الأمن المركزي ولا تعول على تلك الدفاتر وذلك لأنها لم يتم ضبطها في وقت معاصر لتاريخ الأحداث خلال المدة السابقة الذكر أو عقبها مباشرة ما يعطى فرصة للعبث فيما اثبت فيها من بيانات أو التدخل بالحذف أو الإضافة لتلك البيانات مما يجعل المحكمة تتشكك في صحتها، وخلو تلك الدفاتر من أي تعليمات أو توجيهات تدل على إطلاق ضباط الشرطة الأعيرة النارية على المتظاهرين. كما استندت المحكمة أيضا إلى خلو أوراق الدعوى من أدلة فنية تثبت بأن وفاة وإصابة المتظاهرين حدثت من أسلحة أو سيارات تابعة لجهاز الشرطة وهذا يعنى انفصال العلاقة السببية بين الإصابة والأداة المستخدمة ومدى نسبتها إلى جهة معينة تطمئن المحكمة إلى توافر علاقة السبب والمسبب. بالإضافة إلى خلو أوراق التداعي من أي مستندات أو أوراق أو تعليمات أو شواهد كدليل قاطع يثبت للمحكمة ارتكاب المتهمين لركن الخطأ المتطلب توافره لقيام أركان جريمة إلحاق ضرر جسيم بأموال ومصالح الجهة التي يعملون فيها ولم تثبت الأوراق أن المتهمين قد أصدروا التعليمات بسحب قوات الشرطة المنوط بها حراسة المرافق والمنشآت العامة والممتلكات العامة والخاصة.

وأضافت المحكمة في حيثياتها للحكم أن ما نسب إلى الرئيس السابق محمد حسنى مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي تم عقابهما من اجلها الاشتراك بالامتناع – فعل الامتناع – وقد يثار أن تلك الأفعال قد يتم نسبتها إلى باقي المتهمين إلا أن ذلك لا يصح في الفكر القانوني السليم وكذلك لا يصح في الأذهان وذلك لأن المراكز القانونية لحسنى مبارك والعادلي تختلف عن المراكز القانونية لباقي المتهمين، وبصفة حسنى مبارك رئيسا للجمهورية والعادلى وزيرا للداخلية مكنهما من اتخاذ القرار ولدى كل منهما سلطة إصدار الأمر الواجب إطاعته قانونا وباقي المتهمين لا يملك أي منهم بصفته الوظيفية هذا الأمر وما هم إلا أدوات تنفيذ في يد مبارك والعادلي.

وأوضحت المحكمة أن خلو أوراق التداعي من تلك الأدلة السابقة وخالج الشك والتشكك لوجدان المحكمة في صحة إسناد الاتهام إلى المتهمين، وإضراب ضميرها إزاء ما حوته أوراق التداعي من ضعف ووهن لا يقوى على إقامة دليل واحد تقتنع به المحكمة لإرساء حكم الإدانة للمتهمين المذكورين سابقا.. ومن ثم لا سبيل غير براءة المتهمين مما أسند إليهم من اتهامات.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 197 مشاهدة
نشرت فى 19 يونيو 2012 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

154,717