الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

authentication required

الجيش والدستور

 

بقلم الدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة

 

        الجيش هو أحد مؤسسات الدولة الهامة. كيف لا وهو المؤسسة الوحيدة في الدولة التي يحق لها امتلاك الأسلحة الثقيلة. والجيش والشرطة هما المؤسستان الوحيدتان اللتان يحق لهما امتلاك واستعمال الأسلحة الخفيفة. وإذا كانت أهمية الجيش قائمة في كل الدول، على اختلاف أنواعها وأيا كان النظام السياسي فيها، فإن هذه الأهمية تزداد في دول العالم الثالث، حيث يلعب الجيش دورا كبيرا في مستقبل البلاد السياسي. وفي ربيع الثورات العربية الذي نعيش أحداثه حاليا، لعب الجيش دورا هاما في مسيرة الثورة، سواء كان هذا الدور إيجابيا كما هو الحال في الثورتين المصرية والتونسية أو كان سلبيا كما هو الشأن في الثورات السورية واليمنية والليبية.

 

        وباعتباره أحد مؤسسات الدولة الهامة، غالبا ما يرد النص على الجيش أو القوات المسلحة في الدستور، ولاسيما من حيث تحديد المهمة المنوطة به. ولذلك، لم يكن غريبا أن يكرس الدستور المصري الملغي الصادر سنة 1971م الفصل السابع من الباب الخامس منه للنص على الأحكام ذات الصلة بالقوات المسلحة ومجلس الدفاع الوطني (المواد 180-183). وبالإطلاع على هذه المواد، نجد أن المادة 180 من الدستور – عند صدوره لأول مرة – كانت تنص على أن «الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة وهي ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها وحماية مكاسب النضال الشعبي الاشتراكي، ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية. ويبين القانون شروط الخدمة والترقية في القوات المسلحة». وقد خضعت هذه المادة للتعديل في سنة 2007م، بحيث غدا نصها على النحو التالي: «الدولة وحدها هي التي تنشئ القوات المسلحة، وهي ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها، ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية». وبدورها، تنص المادة 53 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011م على أن «القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها، ولا يجوز لأية هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية والدفاع عن الوطن وأرضه واجب مقدس والتجنيد إجباري وفقا للقانون... ويبين القانون شروط الخدمة والترقية في القوات المسلحة».

 

        وبقراءة النصوص الدستورية السابقة، يمكن القول بأنها تنطوي على ثلاثة أحكام أساسية: (الأول) احتكار الدولة للقوة المسلحة، وبحيث يكون محظورا على أي هيئة أو جماعة إنشاء تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية. (الثاني) أن القوات المسلحة ملك للشعب، تعمل لخدمة الشعب، وليس لخدمة نظام بعينه. (الثالث) أن مهمة القوات المسلحة تنحصر في حماية البلاد وسلامة أراضيها وأمنها.

 

        ومع ذلك، وفي خضم الجدل المحتدم بين حول المبادئ فوق الدستورية أو المبادئ الحاكمة للدستور، ظهرت بعض الدعوات التي تتعلق بدور الجيش في النظام الجديد. وتتركز هذه الدعوات بصفة أساسية حول طبيعة الدور المنوط بالقوات المسلحة، وضرورة أن ينص الدستور الجديد على أن الجيش ضامنا للدستور وحاميا للديمقراطية والدولة المدنية. وفي ذات الإطار، يطالب البعض باستنساخ التجربة التركية حيث يلعب الجيش دور الحامي للمبادئ الأساسية للجمهورية التركية وعلى رأسها الطابع العلماني للدولة. ويبدو أن السبب وراء هذه الدعوات يكمن في الخوف من سيطرة التيارات الإسلامية على الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد مشروع الدستور الجديد.

 

           ورغم تأكيدنا على الدور الهام والمتميز لقواتنا المسلحة في حماية الثورة، نرى ضرورة الإبقاء على الدور التقليدي للجيش في حماية البلاد وأمنها. فليس من المناسب إقحام القوات المسلحة في الخلافات السياسية، وشغلها عن التفرغ لمهامها الأساسية في الدفاع عن البلاد. إن بناء الديمقراطية ينبغي أن يقوم على أسس سليمة، فلا نسارع إلى إرساء بعض المبادئ التي يمكن أن تقوض الديمقراطية الوليدة في مهدها، وتشكل معضلة يمكن أن نعاني منها مستقبلا. وإذا كان إبعاد الجيش عن التدخل في الشؤون السياسية يشكل مبدأ أساسيا من مبادئ الديمقراطية في كل بلدان العالم، فإن هذا المبدأ يعد كذلك مفترضا ضروريا ولازما لضمان وحدة الجيش وعدم تأثره بالخلافات السياسية. 

المصدر: الدكتور أحمد عبد الظاهر
  • Currently 79/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
18 تصويتات / 184 مشاهدة
نشرت فى 1 أغسطس 2011 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

162,647