الدكتور أحمد عبد الظاهر أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة

قضية اللوحات المعدنية

 

مقال للدكتور/ أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة

 

من أشهر قضايا الفساد المتداولة حاليا تلك المعروفة باسم «قضية اللوحات المعدنية»، والمتهم فيها كل من الدكتور/ أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الأسبق، واللواء/ حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق، والدكتور/ يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق، ورئيس مجلس إدارة شركة «أوتش» الألمانية، لاتهامهم بإهدار المال العام بما يبلغ 92 مليون جنيه مصري. وقد نسبت النيابة العامة للمتهمين التربح من خلال استيراد لوحات معدنية من شركة «أوتش» الألمانية، وإهدار 90 مليون جنيه على الدولة. وأوضحت التحقيقات أن المتهمين/ حبيب العادلي وبطرس غالي حررا مذكرة للمتهم الأول/ أحمد نظيف، للموافقة على استيراد اللوحات المعدنية الخاصة بالسيارات بالأمر المباشر للشركة الألمانية، بمبلغ 22 مليون يورو، أي ما يوازي 176 مليون جنيه مصري، دون النظر لعروض الشركات الأخرى. وأكدت التحقيقات أن رئيس الوزراء الأسبق/ أحمد نظيف وافق على التعاقد مع الشركة الألمانية بالأمر المباشر، على الرغم من عدم توافر حالة الضرورة أو غيرها من الحالات التي نص عليها القانون للتعاقد بالأمر المباشر، ودون الحصول على أفضل عروض الأسعار من شركات مختلفة وصولا إلى أفضل سعر، وذلك بالمخالفة لقانون المناقصات والمزايدات. وذكرت التحقيقات أن وزير المالية الأسبق/ يوسف بطرس غالي قام منفردا بإسناد أعمال توريد أخرى لذات الشركة بالأمر المباشر، ودون إجراء مفاضلة بين شركات متعددة أو الحصول على موافقة من رئيس الوزراء، بما يشكل مخالفة لقانون المناقصات والمزايدات. كما تبين من التحقيقات أن المتهمين الثلاثة من المسئولين السابقين أضروا عمدا بأموال المواطنين طالبي تراخيص السيارات، بأن قاموا بتحميلهم ثمن اللوحات المعدنية المغالى في أسعارها بالإضافة إلى مبلغ التأمين، وذلك على الرغم من أن هذه اللوحات مملوكة للدولة وليست ملكا لأصحاب السيارات. وكانت النيابة العامة قد ندبت لجنة فنية من أساتذة كلية الهندسة بجامعة عين شمس والكسب غير المشروع والتوجيه القياسي (الهيئة العامة للمواصفات والجودة)، حيث انتهت اللجنة إلى أن أسعار اللوحات المعدنية التي تم التعاقد عليها مع شركة «أوتش» الألمانية هي أسعار مبالغ فيها، وأن أثمانها تزيد على أسعار السوق بمقدار 92 مليون جنيه. وأشارت التحقيقات إلى أن الصفقة تسببت في الإضرار بإحدى الشركات الوطنية المتخصصة في إنتاج اللوحات المعدنية للسيارات، والتي كانت تضطلع بإنتاج تلك اللوحات منذ عام 1998م، حيث تسبب عدم إسناد صفقة اللوحات المعدنية إليها في توقف أعمال الشركة، واضطرارها بالتالي إلى الاستغناء عن العاملين لديها.

 

        وبعد ثماني جلسات لنظر القضية، وفي الثاني عشر من يوليو 2011م، أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمها بمعاقبة أحمد نظيف بالسجن لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ، وبذات العقوبة للمتهم الرابع/ مالك ورئيس مجلس إدارة الشركة الألمانية. أما حبيب العادلي، فقد قضت المحكمة بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات. وقضت المحكمة غيابيا بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات ضد المتهم الهارب/ يوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق. وقضت المحكمة بتغريم المتهمين متضامنين مبلغ 92 مليون جنيه، ورد مبلغ مساو.    

 

        وقد آثرت أن لا أكتب في هذا الموضوع إلا بعد أن تصدر محكمة الجنايات حكمها، والذي جاء على النحو آنف الذكر. والمتابع لسير هذه القضية، يلاحظ مدى التركيز في شأنها على الشق المتعلق بالفساد المالي فقط. ونرى أن هذه القضية تكشف بجلاء عن جانب آخر لا يقل أهمية، وهو العشوائية في الإدارة الذي شاب الأداء الحكومي في عهد حكومة أحمد نظيف. ولعل ذلك يبدو جليا في الشهادة التي أدلت بها مساعدة وزير المالية للعلاقات الخارجية، في ثامن جلسات المحاكمة، والتي أكدت فيها أن يوسف بطرس غالي سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2007م لحضور مؤتمر صندوق النقد الدولي، وأثناء هذه الزيارة طلب من سكرتير السفارة المصرية بأمريكا ترشيح شركة أمريكية لتوريد اللوحات المعدنية إلى مصر، وتم ترشيح إحدى الشركات، إلا أن وزير المالية الأسبق اكتشف عدم وجود خبرة لها في مجال إنتاج لوحات بمنطقة الشرق الأوسط، ورشحت له شركة «أوتش» الألمانية التي لها تعاملات في منطقة الشرق الأوسط. وأضافت الشاهدة أن الوزير وافق على تحديد ميعاد مع مندوب مبيعات تلك الشركة لمقابلته بالقاهرة في حضور كل من اللواء/ شريف جمعة مساعد وزير الداخلية الأسبق للشرطة المتخصصة وأحمد شريف صادق رئيس مصلحة سك العملة، وذلك لعرض نماذج للوحات التي تنتجها تلك الشركة. وأضافت أن ممثل الشركة الألمانية قام بعرض اللوحات وخصائصها التأمينية باللغة الإنجليزية، وقام غالي بترجمة تلك الخصائص إلى اللغة العربية، للواء/ شريف جمعة. وأضافت الشاهدة أن اللواء/ شريف جمعة هو من حدد خصائص اللوحة والاشتراطات الفنية المطلوبة من حيث اللون والحجم ونوع الخط، وأن مكتب وزير المالية أحضر خطاطا بمعرفته لرسم الحروف والأرقام التي ستوضع على تلك اللوحات وقاموا بإرسالها إلى الشركة الألمانية بعد قيام غالي بتصميم تلك اللوحات بنفسه (جريدة الأهرام، تصدر عن مؤسسة الأهرام للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة، 12 يوليو 2011م، الصفحة الأولى). وما يثير التساؤل ويبعث على الاستغراب أن يتدخل وزير المالية بنفسه في عملية التعاقد وفي اختيار الشركة المتعاقد معها على النحو آنف الذكر. كذلك، لا يملك المرء إلا أن يضرب كفا بكف، وهو يرى وزير المالية الأسبق يتدخل في أمور فنية بحتة كما هو واضح من الشهادة آنفة الذكر. إن الوصف الوحيد لوقائع القضية التي نحن بصددها هو أننا كنا في دولة «اللا قانون». فقد أدمنت حكومة أحمد نظيف إجراء معظم التعاقدات بنظام الأمر المباشر، سواء في التصرف في أراضي الدولة أو إسناد عمليات التوريد أو غير ذلك من التعاقدات الحكومية. والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، ولعل أبرزها عقد مدينتي الذي قضت محكمة القضاء الإداري ببطلانه بناء على ذات المخالفة القانونية، وهي إجراء التعاقد بنظام الأمر المباشر، خلافا لقانون المناقصات والمزايدات.

 

        من ناحية أخرى، وبالنظر إلى اللوحات المعدنية المتعاقد عليها، والتي قام وزير المالية الأسبق باختيار تصميمها، نجدها تشتمل على بعض الحروف والأرقام. وهذه الطريقة في ترقيم السيارات تشبه تلك المستخدمة في المملكة العربية السعودية. ونعتقد أنها طريقة معقدة، بحيث يصعب على الفرد العادي أن يلتقط رقم اللوحة على نحو دقيق عند وقوع حادث وفرار السائق بسيارته. وفي بداية تنفيذ العقد، تم طرح اللوحات باللغتين العربية والانجليزية، ثم أعقب ذلك طرحها باللغة العربية فقط في مرحلة ثانية. وتم استخدام الأرقام الهندية في هذه اللوحات، في حين كان ينبغي استخدام الأرقام العربية الأصيلة والتي يشيع الاعتقاد بأنها أرقام لاتينية.

 

        بالإضافة إلى ما سبق، نرى من الملائم الإشارة إلى أن تصميم اللوحات المعدنية على النحو الذي ظهرت به يجعل من الصعب استغلالها ماليا، والحصول من وراءها على عائد مالي مناسب، والقضاء بالتالي على حالات المحسوبية والوساطة في الحصول على أرقام مميزة. بيان ذلك أن بعض الدول الأجنبية تلجأ إلى إجراء مزادات لأرقام السيارات المميزة. ففي هونج كونج، على سبيل المثال، تم بيع لوحة أرقام سيارة بمبلغ يزيد على المليون دولار. كذلك، تقوم الدول العربية الخليجية بعمل مزادات للوحات الأرقام المميزة. ونخص بالذكر هنا دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تم بيع إحدى اللوحات بمبلغ 10 ملايين درهم. وقد حرصت بعض التشريعات العربية على إيراد نص صريح يقضي بجواز بيع لوحات الأرقام المميزة في مزاد علني أو بأي وسيلة أخرى (المادة 14 من قانون المرور القطري الصادر بموجب المرسوم بقانون رقم 19 لسنة 2007م).

 

        إن اختيار تصميم اللوحات المعدنية، ينبغي أن يراعي عدة معايير، بعضها يتعلق بتأمين اللوحات المعدنية وتلافي محاولات تزويرها، وبعضها يتعلق ببساطتها بحيث يسهل على المواطن العادي التقاط الرقم بسهولة ويسر، وبعضها يتعلق بإمكانية استغلالها اقتصاديا بواسطة إجراء المزادات العلنية للوحات الأرقام المميزة. ونعتقد أن الشقين الثاني والثالث لا يتوافران في اللوحات المعدنية التي قام بتصميمها وزير المالية الأسبق وتم تنفيذها بواسطة الشركة الألمانية.    

 

 

المصدر: الدكتور أحمد عبد الظاهر
  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 181 مشاهدة
نشرت فى 24 يوليو 2011 بواسطة law

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

155,919