كنت اظن ان التغيير الذي أحدثته الثورة امتد أثره ليشمل باقي المجتمع ولم يأت على النظام السياسي وحدة ، في ثورة أخلاقية جنباً إلى جنب مع نظيرتها السياسية ، تقيلنا مما علق بنا من خوف وظلم وأنانية وذاتية ، أورثت إهمالاً وتضييعاً لهموم الوطن والمواطنين وآلامهم ، لاسيما وقد أسقطت الطواغيت والظلمة الذين اعتقدت خطأ أنهم هم سبب جمودنا وتبلدنا ومصدر همومنا و جراحنا، وبسقوطهم سيتحرر المجتمع من الخوف وسيقرر بنفسه – بعيدا عن كل قهر- ما هو صالح له ولوطنه ، لكن الحاصل اكبر مما استوعبته مخيلتي ووعاه عقلي وفكري ، واستعصى علي وعلى كثير من الناس فهم الأحداث أو تأويلها تأويلا لا يسفه عقولنا أو يستصغر ثورتنا ، ونبصر به ما عمي علينا و نبرأ به مما مسنا من طائف شياطين الإنس والجن ونميز به ما اختلط فيه صالحه بسيئه وحابله بنابله .

حين أضحى بائعو الوطن وسارقوه في أعين الكثيرين منا أبطالاً لا يدانيهم في البطولة عنترة ، وتحولت سيرهم المقيتة إلى ملاحم مجيدة وبطولات فريدة ، في تلبيس بين للحق بالباطل وتدليس فج تمقته عقول من سبر أغوار الرجال ولم تحركه المصالح والأهواء ، فأنزل الناس منازلهم ولم يبخسهم قدرهم ويحط من انجازاتهم أو يعلي شأنهم لمكانة حققوها وسلطان اغتصبوه بلا أهلية أو أحقية .

وحين هبت الأمة رافضة للظلم ، معلنة لنهاية حقبة سوداء كئيبة من حقب تاريخنا الطويل ، ولم تتعهد ثورتها ظنا منها أنها قد استكملتها وتركتها في أيد أمينة عليها دون نظر إلى ما يدبر لها بليل وما يحاك لها في الخفاء من إفك ومؤامرات ودسائس تولى كبرها وأجج شرارتها أناس من جلدتنا يحسبهم الجاهل أتقياء من التملق ، لو أراد الله لهم الخير لطهر قلوبهم من رجسها ونفوسهم من خبثها ، قواعد لا تنفعهم زينة ولا يزيدهم المال إلا عيلة ، خوالف إلا عن محاربة الدين وإفساد المتدينين .

ورغم قصر المدة بين بشائر التغيير و استحقاق الشعب اختياره لإدارته بإرادة حرة دون قيد من أحد أو تدليس من حاكم أو تلبيس من إعلام فقد تغيرت النفوس وتبدلت القناعات وأصدرت الأحكام النهائية ودارت رحى الحرب المستعرة المبيرة على رموز الدين والتدين دون تفريق بين منهج سياسي وأخر ديني في تطور لا يضيف جديدا على ما تعودناه اللهم إلا غموضا فوق غموض .

فبعد أن خرج الشعب رافضا الظلم معترضا على الجبابرة مقدماً أرواح بنيه زكية طاهرة في سبيل حريته وحرية أجيال وكل رعايتها والدفاع عن حقوقها ، وكان بديهياً أن يختبأ زبانية النظام السابق وتابعوه ومعاونوه وكان بديهياً أن ينالهم جميعاً نصيباً مما نال رئيسهم من المسائلة والمحاسبة والعقاب ، لكن نقاء قلوبنا وسماحة صدورنا حالت دون أن تنتقم الجموع منهم ، فأغرتهم طيبة جبلنا عليها وحباً لأبناء الوطن تأصل في نفوسناً فتاقت نفوسهم الخبيثة وأخذهم الحنين إلى ما عاشوا فيه من خبث و ضلال كالخنازير لا تنمو إلا على الجيف ، فتقدم للإنتخاب وزيرهم وبرز لنا في ثياب الواعظين ومشى في الأرض يهذي ويسب الماكرين ، في نفاق ومكر لا ينطلي على غلماننا و أقلنا أحلاماً وعقولا .

لكن ما ضاق به صدري ولم ينطلق به لساني واستعصى على فهمي في مسلسل عبثي هو هذا التباين الواضح بين ما دفع الناس إلى الثورة من كراهية للظلم والظالمين وطلبا للحرية والعدالة الإجتماعية وبين ارتمائنا في أحضان من ثرنا عليهم لا فرق بين زيد منهم أو عبيد تشابهت قلوبهم ، بل واختيارهم لسدة الحكم في مشهد مضحك مبك نستجير فيه من الرمضاء بالنار ، ونسينا من قتلهم ومن عذبهم ومن ضيعهم واكل حقوقهم ونسينا ضياع مكانتنا وهيبتنا وانكسارنا وتبعيتنا .

إن النظام القديم بما ملكه من قوة و من سبل التمويه والتلبيس والتدليس لم يستطع أن يخدع الناس أو يسفه عقولهم أو يفرق تلك الجموع المخضبة بالدماء في ميادين مصر وأزقتها ، فكيف يقبل الناس أن يخدعوا من جديد أو توجه إرادتهم ممن مردوا على النفاق من بقايا مرتزقة اعلامهم بعد أن سقطت عنهم الاقنعة وبان للناس سوء نياتهم وخبث ضمائرهم .

إن الدرب طويل وصراع الحق والباطل أبدي ما وجد الانسان وعاش ولله سبيل واحد مستقيم الدرب حف بالمكاره والواجبات لا اعوجاج فيه ، وللظلمة والمنافقين سبل شتى براقة الدرب مليئة بالشهوات والملذات فاتبع صراط الله المستقيم ولا تتبع ما تفرق من السبل واستمسك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان .

ولله الأمر من قبل ومن بعد    

        

المصدر: شخصي
  • Currently 5/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
1 تصويتات / 159 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2012 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

43,148