<!--<!--<!--


ان الوقوف على حقيقة الدين يتطلب الفهم الحقيقي له ، فهمًا يتسع لرحابة أفكاره وسعة مقاصده ، فهو دين لم يشرع للبشرية لاستكمال نقص في مشرعه معاذ الله أو لزيادة في ملكه وسلطانه تنزه سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا - لكنه دين شرع في الاصل متوائما ومتناسبا مع طبيعة بشرية متقلبة ترفعها أنسانيتها وتحطها أهواؤها يخرج الناس من الظلمات الى النور ويضيء لهم سبلهم ، تلك الحقيقة التي تجعل من تعاملاتنا اليومية - إذا ما سارت في ركبه وعلى منهجه - كالبيع والشراء والطعام والشراب واليقظة والنوم في ديننا بمنزلة تتساوى ومنزلة الصلاة والصوم والحج ، يثاب المرء على اتيانها كما يثاب على فعل المناسك التعبدية تماما بتمام وتتضح اثارها حين يستشعر الانسان سعادة وانشراحا نفسيا لا يتحقق الا بذلك السمو الروحاني الذي رفعته به انسانيته فتبع فيه الجسد هدي ربه عاملاً كان أو متعبداً ، مبتعداً عن أهوائه وملذاته التي تركسه في خبال المعصية وسوءاتها.


ان الحقيقة التى حاول كثيرون طمسها بتغيير المقصود من وراء هذا الدين العظيم هي أنه دين حياة ، بماديتها وروحانيتها وليس اعتقاداً وجدانيا تسقط عنك واجباته بشعارات ومناسك تؤديها ، أو تظن أنك استكملت أركانه وبنيانه بفرائض تقيمها دون أن تكون هي وتعاليم هذا الدين منهجا للحياة تعاملاً وتعبداً ، بل هو الصراط المستقيم والنور الذي يهدي البشرية الناكبة عنه بظلم واجتراء وفجور ، حين حادت عن تعاليمه ففرطت في تمثلها والانقياد لها أو حين أفرطت في غلوائها برهبانية ابتدعوها ما كتبها الله عليهم فجعلت من القائمين على نشره والتمكين له طواغيت تعبد وتخشى من دون الله .


وليست الوسطية - وهي جوهره ولبه - من الدين في شيء أذا ابتعدت عن معناها الحقيقي أيضا الذي يشمل الشدة والقوة والبأس مثلما يشتمل على الرحمة والدعة والسكون ولكن تتحقق ويتحقق بها جوهر الدين ورسالته بالمزج بين كل نقيضين في حياتنا مزجاً بالغ الدقة يراعي تداعيات الموقف وتبعاته فيأخذ على يد الظالم وإن كان قوياً دون خوف منه أو رهبة ويمسح بنفس اليد الشديدة على رأس المظلوم ويواسيه وإن كان يتيماً مرمياً ، مزجاً تنفق فيه مالك دون اسراف أو تمسكه بلا بخل بل وسطية محمودة .


حقيقة الدين هي ما جعلت أوائل مسلمينا ومنهم الأمي والاعرابي والبدوي الذي لم يعرف حضارة ولم يقابل مدنية سادة للعالم يحكمون معظمه في أقل من ثمانين عام بينما احتاجت أوربا الى عشرة أضعافها لتصل الى ما وصلوا اليه ، ولنتسائل ما الجديد على هؤلاء الاعراب ليحكموا الدنيا في ثمانين عام ، والله ما هو سحر يؤثر ولا حكمة اشربوها ولا أبار نفط تفجرت بين أيديهم ، لكنه هذا الدين الحق الذي سبر أغوارهم وتلمس صورة الانسان في أنقى معانيها وعرف مكمن القوة والضعف فيهم فصار بهم الى مجد لن يناله غيرهم ، فلا مراء ولا شك في عظمة هذا الدين ولا ريب في حقيقته كأسلوب حياة فريد رباني يتماشى وطبيعتنا تتسع امكاناته وتتراحب لتسع الكون كله مسلمه وكافره منظمة لعلاقات افراده وتعاملاتهم في نظم دقيق لا خطأ فيه ولا عيب فهو صنعة رب العالمين ورسالته.


المصدر: شخصي
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 267 مشاهدة
نشرت فى 12 يوليو 2011 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

43,108