<!--<!--<!--<!--
والموائمة بين مناسك الدين المتعلقة بحياة البشر الوجدانية والمادية وبين ما تتطلبه هذه الحياة من أمور غريزية لا غنى ولا انفصال عنها - علاوة على انها تحقيق لأوامر الله الذي شرع بعلمه المطلق وحكمته البالغة ما تستقيم به حياة الناس وتنصلح بسببه أحوالهم وشئونهم - هو صانع الاختلاف والدرجات بين عموم الناس وخواصهم بل ان هذه الموائمة والوسطية التي يتفرد بها اسلامنا عن باقي الرسالات وان كانت نهجا عقديا وتشريعا سماويا فانها أيضا علاجا دنيويا شافيا لكل سأمة ومذهبا لكل ملل يتسرب الى نفس الانسان ، يغسل به أدران جسده التي شابته بالانغماس في الشهوات بماء من التقوى والمراقبة وينقي قلبه من الخطايا بما اكتسبه من حب لخالقه وخشوع له .
مناسك تراعي خصائص النفس وتسترعي همومها ومتطلباتها وتتماشى مع ما يستجد من أحداث ابتدعتها نفوس بشرية محكومة في الاصل بتلك المناسك والمواثيق ، فإن تعدت هذه النفوس بابداعاتها أو ابتداعاتها ما يتناسب ويتوائم مع طبيعتها البشرية ، فلا غرو إذا أن تجد في تلك المناسك ما يرفض هذه الابداعات ويلفظها كونها شاذ عن الفطرة السليمة والخلقة القويمة ، فالعيب إذا عيب تطرف ومغالاة لا عيب تشريعات وقوانين والنقص والإنحراف نقص قصور في الفكر وانحراف فيه لا نقص مواكبة له ومجراة لما يستحدثه.
وساعة يتمكن الانسان من معرفة الغاية من خلقه ويعمل جاهدا على بلوغ أقصى درجة ممكنة من تحقيقها ، كل على قدر همته ونشاطه ، سيعلم أن تلك المناسك وهذه التشريعات ليست قيدا على حريته ولا سببا لسآمته ، بل هي طريقه الى هذه الغاية المحمودة في ذاتها وأثارها المحفوفة - ابتلاءً - بكل مكروه أو مرغوب للنفس ، وإنما هو ممتحن فيها ، ربما يمهله القدر حين يخطئ تهجئة حروفها فيحسبها حروفا من نار لكنها حروف من نور تذهب ظلمة نفسه وتصحح له خطأه وتهديه طريقه ، وربما لا تمهله الايام ولا تسعفه الليالي من تدارك خطأه فتذل قدمه بعد ثبوتها ويذوق السوء بما صد عن سبيل الله .
ليعيش حياة أقرب الى حياة الانعام منها الى حياة البشر فيسرف على نفسه بمعصية لا تداني لذتها ألم النفس وتأنيب الضمير ، ويذر ما فطر عليه من حب الخير أينما كان ، لا تلومه نفسه ولا يؤرقه ضميره بل لا يستقبح ما اقترفته جوارحه فقد مات احساسه وتبلدت مشاعره وأضحى غائبا عن ادراك مغبة ما انزلق اليه من هاوية تورث الملل والسآمة ثم تفضي الى موت القلب ومرض النفس ، دون إعمال لعقله أو تحسبا لنتيجة ، متبعا هواه متخذه إلها من دون الله ، فختم الله على سمعه وبصره وجعل على قلبه غشاوة ، فمن يهده من بعد الله ، فعوده الى طريق الرشد دونه خرط القتاد .
وحيث لم تسع سبحانه وتعالى سمواته وأرضه ، وسعه قلب عبده المؤمن ، فهو صنعته وخلقته ومستقر رسالته ومكمن ايمانه ومستودعه ، يعي جلال ربه ويقر بربوبيته اصطفاه من بين الخلائق لحمل أمانته وتمجيده وتسبيحه وعبادته وكانت ماديته وانسانيته كذلك روحانيتة ونورانيته هما ما يميزانه عن غيره من الخلائق وهما ما يستدعيان تميزا فيما يفرض عليه وما يأتمر به ، هذا المزيج الرائع لحياتين في جسد واحد يتطلب مناسك تراعي هذين الجانبين في وقت واحد ولا يناقض أحدهما الاخر ، لا يقدر على الاتيان بها إلا رب العالمين خالق هذا القلب وهذا الجسد ومازج هذين النقيضين في انسانية لا تصل اليها الملائكة أحيانا اذا ماحاز هذا البشر درجة الصفاء والنقاء وتغلبت روحانيته على طينيته وأحيانا أخرى يرتكس في غيه وضلالته فيسفل كما لا تسفل البهائم والانعام حين يبتعد بجهله وظلمة قلبه عن منهج ربه ورسالته.
وما اختيار الانسان لخلافة ربه في الارض إلا نتيجة لهذا التميز وهذا التفرد الذي اختص به ، فقد صنعه الله على عينه وبيديه ، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا يؤهله لحمل الرسالات والقيام بأعباء العبادات وحمل الامانات ،،،،.
وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ،،،،
ساحة النقاش