محطات مسرحية (2) البيوت ا لبصريه مسارح د.كريم عبود جامعة البصرة / كلية الفنون الجميلة ما بين الأمس واليوم حلم قد يموت ..عيون تحدق في صفحات الماضي العتيق تقرأ على اسطره ذكرى للناس الطيبين.. ..وهم يحولون بيوتهم إلى مسارح .تجمع ،واحتفال ،ومتعة . ذات العيون ترى في اليوم قسوة مره على المسرحيين ومسرحهم ،فكل ما كان بحوزتهم ضاع لا قاعة تجمعهم بإبداعاتهم ولا جمهور ولا مساحات للتدريب تتنفس فيها تجاربهم الحياة أصواتهم خنقت وأجسادهم سجنت فالعيون الآن لم ترى سوى حطام أصاب المسرح ولم يبقى بوسع المرء حامل القلب النابض والفكر المتقد الذي يبحث عن مسرح حقيقي يؤدي دوره التثقيفي والتربوي والتوجيهي في الزمن الراهن إلا الصمت لم يبقى له آلا الصمت ..والصمت ثقيل وأثقل منه أننا لا نعلم بزمن قادم لا نعرفه.. فبلادي تحولت إلي جسد يحوي الطلقات ..الموت يأتي ألينا من كل الاتجاهات شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً تزداد معاناتنا في المسرح يوماً بعد يوم كما هي في الحياة ..نبحث عن أذن صاغية تعيد لنا الأمل ..ولا نجدها ..الكل مشغول بالبناء والأعمار والاستماع إلى خطاب السياسة عن العراق الذي يسمونه جديداً عراق السيارات المفخخة عراق القتل بالمجان ..عراق التعدد الحزبي ..ومن الأجدى بنا جميعاً أن نبني الإنسان الذي هشمته الحروب فصار شظايا متناثرة.اسأل أهذا هو الإنسان في بصرتي ؟ الإنسان الذي صعد نخلة البر حي وغنى للنوارس الطائرة أغنية الحرية ،أهذا هو الذي ركب البلم العشاري وذهب غرباً حتى وقف على جسر (ميامين ) يحدق في باب الدار الذي سيدخله الأصدقاء لإقامة احتفالهم المسرحي ..هو أبن المحلة رغم أنه قد غادرها منذ زمن إلى( المعقل) ..لكن ذكريات الجسر باقية تسحبه بقوة المغناطيس إلى الطفولة ..أهذا هو الرجل الذي مد مائدته وشرع يديه لكل القادمين من كل صوب ..أهذا هو ابن الميناء ..فالبصرة بيته والتمر غذاءه وروحه ترنو إلى إنسانيته الطيبة ..هل يمكن أن يقتل ،ويدمر ،ويسرق؟ الجواب اتركه للأيام القادمة أعاتب فيه من جعل هذا الإنسان هكذا. هل نبني عمارات بلا ساكنين أو كورنيش بلا عشاق ..المسرح يبني الإنسان ونحن أصحابه فأين الآذان الصاغية نحن لنا مع المسرح قصة حب عذرية فسمعوها .. (ولكن لو كان الحب كافياً لتغير كل شئ )هكذا نطق (كاليجولا) كلمته ليسمع العالم بعبث الوجود ولا جدوى الحياة لكننا نصرخ بعد أن نطقنا ولن يستجيب لنا أحد ..نصرخ بصمت قاتل ليس الهدف منه هو الأيمان بفلسفة (كاليجولا) العابثة فنحن مع الحياة نود غرس الأمل في النفوس ، نكتب الأهداف النبيلة على أبواب مسارحنا ونفتح الستار لنغني أغنية البناء والعطاء والوجود الحر لوطن يتمنى الآخرين موته . ما بين الأمس مسرح المحلة واليوم قاعات مغلقه ، يقف قطار مسرحنا في محطة أخرى نتلمس فيها إضافات الرواد للمسرح .في بحثنا عن مسرح المحلة تصفحنا وسمعنا من المصادر المكتوبة الشفاهيه بأن شباب مدينة البصرة في (السبخة،والعشار،والسيف، والباشا )في ثلاثينيات القرن الماضي ، أود أن اذكر الماضي (وهو قرن للحرب لم نتعلم منه شئ سوى القتل والدمار والموت) في ثلاثينيات ذاك القرن بدأت محاولات شباب المحلة في التعرف على فن المسرح ..قد يبدو التعرف على هذا المنبر الحضاري بحاجة إلى مقومات كانت متوفرة في تطلعات شباب المحلة من مثقفين ومعلمين ووجهاء المدينة أيضا رغم أنهم لم ينسوا الاحتلال ولا الملكية لذا فأن بيوت المعرفة البصرية شكل المسرح فيها مساحة أساسية باعتباره رافد من روافد الإنسانية .كانوا شباب المحلة يحتفلون بالمسرح في بيوتهم ويقدمون عروض مسرحية ومقاطع تمثيلية فكاهية وفاصل من الغناء والمنولوجات الناقدة بغرض تقليد الفرق الزائرة أو لغرض المتعة . تكشف تجمعات أهل المحلة عن وعي بدور الثقافة في إرساء قيم اجتماعية تعد نموذج لمسرح كانت المحلة والبيوتات مساحة لتحقيق الفرجة ، نرى في هذا الجمع أصدقاء يلتقون ليزيحوا عن كاهلهم تعب اليوم يبتسمون للعالم علَ ابتسامتهم ترسم للجمع حياة حلوه ..نرى أدباء وشعراء كل يقرأ للآخر ما كتبه من أنجاز ليسعد بسماعه الآخرين ..نرى نسوه يتحدثنٌ عن اهتمامات البيت وهموم العيش وما وصل إلى السواق من موديلات جديدة لبدلات السهرة وغيرها من أمور النسوة .العوائل والبيوتات تنتمي لهذا التجمع فهو يحمل في وجودة صحبة اجتماعية ومعرفية. الأولاد يحولون ألخرابه في لعبة الخيال إلى مسرح للقاء يؤدون أدوارا من صنع الذاكرة الفطرية تضحك بمفارقتها جمع الحاضرين ،حركة وكلمة وموقف يحركها باعث استطاع تحويل اللاشئ إلي شئ يرتبط معناه بالإنساني ..تجربة في الجهود المسرحية تأسيسه بطبعها فطرية في مستويات تعبيرها ..إذ يقول الفنان الرائد (توفيق البصري) في مقالة الموت قبالة البحر بين عامي 1935-1940 نشطت في محلة السبخة الكبيرة جماعات مسرحية أشرف عليها فنانون وأساتذة جعلوا من بيوتهم مسرحاً ومن معارفهم وغوائلهم فنانين والجماعات أربعة هي:- الجماعة الأولى :-جماعة الأستاذ مجيد أغا حسنو ولقد أسس هذا المسرح في بيت ..من خلال إعطاء البيت صفة معمارية تدلل على انه مسرح إذ قسمة إلى قسمين الأول يمثل الخشبة أما الثاني يتمثل بمكان جلوس الضيوف .كان البيت يطل على نهر العشار وهو واسع يتسع لأربعون مقعد وفيه حديقة صغيرة ويكشف البيت بتنسيقه وعمارته البصرية عن ثراء صاحبه المحب للفن والثقافة .ولقد برزت إحدى الممثلات في هذا المسرح وهي أبنه الأستاذ المؤسس التي كانت بطلة لأغلب المسرحيات التي يخرجها. الجماعة الثانية:-أسس هذا المسرح المرحوم محمد زكي ..وهو بيت من البيوت البصرية الذي يطل على نهر العشار بالقرب من جسر(ميامين) ولقد تميز هذا المسرح بشعبية فريدة وأستقطب مجموعة من الشباب هواة الفن وكانت عروضه تأخذ الطابع الوطني ..ومن ابرز الأعمال المسرحية التي قدمتها هذه الجماعة ،مسرحية (هارون الرشيد ) ومسرحية (أبو جعفر المنصور) ومن ابرز الممثلين في الجماعة نذكر الرواد(عبد الوهاب كستي ،وعبد القادر محمد ناجي ، وعبد الكريم محمود،وسر كال الماس،وجهاد صالح ،وغلوم عباس،ويوسف عمران ،وسلمان داود. الجماعة الثالثة:-كان هذا المسرح في بيت السيد محمود شاكر القيسي ولقد تميز بجمعه أبناء المحلة كممثلين ومشاركين ولم تختصر الحفلات التي تقيمها هذه الجماعة على التمثيل فقط بل كانوا يقدمون الوصلات الغنائية في فترات الاستراحة أو بين فصول المسرحية وقد أشتهر بتقديم هذه الوصلات أو المنولوجات نعيم غالب وعبدا لوهاب محمد ناجي أما أشهر ممثلين هذه الجماعة فهم محمود شاكر القيسي وخلف السند وستار مبروك وغيرهم. الجماعة الرابعة :-الطفولة ومرحلة الشباب أيضا أخذت دورها التأسيسي الريادي فنتقل المسرح من باحة البيت إلى خرابه آل البدر ..جاءوا أولاد المحلة من كل صوب وشدوا سواعدهم كجماعة حولوا الخرابة إلى مسرح بسيط في محتوياته عميق في أهدافه ..الأولاد جعلوا من الصفائح الفارغة إلى مقاعد للمشاهدين وبنوا مسرحهم من الطابوق واللبن واعتمدوا الجتاري القديمة دروع لهذا المسرح وفرشوا أرضيته بالأخشاب القديمة .أنهم أولاد المحلة حولوا اللعب الصبياني إلى احتفال جماعي ،أعمارهم لا تتجاوز الخامسة عشر والثامنة عشر قابلياتهم متواضعة في التأليف والإخراج وإمكانياتهم فطرية تلقائية في المحاكاة والتقليد قدموا في مسرح الخرابة الشعبي البسيط ثمرة جهود ريادية ناقدة لاذعة لبعض أوجه الحياة الاجتماعية الموجودة في تلك الفترة بطريقة كوميدية ضاحكة ..ومن هؤلاء الشباب ( احمد الرد يني ،وعبدا لواحد طه،ومحمود عبدا لرزاق ، وهاشم بدر ،وعبدا لجليل حسن ،وعبدا لطيف حسن ،وعبد مبروك).ومن المسرحيات التي قدمتها هذه الجماعة نذكر مسرحية (أبو جاسم لير-أبو عتيق للبيع)كما قاموا باقتباس بعض المسرحيات من الأدب المسرحي العالمي مثل مسرحية (الأخوين البخيلين) وهي عرض مقتبس من مسرحية (البخيل) لمولير. مسرح المحلة ذاكرة من الماضي ..عند تصفحها يقرأ الأجيال فيها كيف استثمرت البيوت والخرابة وتحولت مابين لحظة وأخرى إلى ثقافة ..مسرح المحلة ونظرات شباب هذه الأيام ،استحضار لما بذلة الرواد في التأسيس وانطلاق من مسرحي اليوم بأجيالهم المختلفة نحو بناء هذا الصرح من محطة ذكريات مسرحنا البصري.
  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 215 مشاهدة
نشرت فى 4 ديسمبر 2010 بواسطة kreem

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

12,601