هدير الصمت

هذا الموقع معني بـ: قصص ، رواية، نقد ، مقال سياسي ، مقال فلسفي ، شعر

<!--

<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman";} </style> <![endif]--><!--<!--

الرؤية السياسية وتحولات الجسد/ النص

في رواية : سفر الموت لشطبي ميخائيل يوسف

دراسة: عبدالجواد خفاجى

 

في صراع لا يرحم بين الزمن بكل ما يخلفه من صدوع، وانهيارات وانكسارت ترجيدية، وبين بشر وكائنات تبدو على حافة الهلاك دائما، تقدم لنا رواية "سفر الموت" العالم بوصفه جسدا واحداً ذا أرواح غامضة ومتصارعة لأسباب واقعية سياسية كانت أو اجتماعية أو غيرهما، وأخرى أسطورية ميتافيزيقية، ومن هنا فلا غرابة أن تكون علاقات مكونات هذا العالم وكائناته علاقات تواتر وصراعات سببها وفاعلها وضحيتها جسد ما.. ليكن جسد السارد (الرواي) نفسه، أو جسد سرايا ( قصر) عائلة السارد، أو جسد العائلة التي ينتمي إليها السارد، أو جسد المجتمع المصري الذي تنتمي إليه عائلة السارد، أو ربما هو جسد هذا الوطن الذي يحوي جميع الأجساد، أو ربما هو جسد هذا العالم الذي ينتمي إليه هذا الوطن، ومن ثم فنحن أمام مطلق زماني ومكاني يحدد انتماءات جسد مطلق ووضعيته كجسد عليل على وشك الخلوص مكللا بعذاباته وأوجاعه داخلا في أبدية مطلقة.

نحن إذن أمام رواية تطرح رؤية كونية، وإن كانت تتخذ من جسد السارد، ووعائه الزمني الآني محكاً للتوغل باتجاه المطلق.

   اعتمدت الرواية على مجموعة من التقنيات السردية الفنية الحديثة، التي تنتمي في معظمها إلى اتجاه تيار الوعي.

يبدأ السارد "عزيز باخوم زارع" المستلقي على سرير المرض وقد استبدت الحمى بجسده.. يبدأ الحديث في بداية الرواية إلى آخر (مسرود له): "هل غفوت ثانية، أم إنها تهاويم لحظة شاردة، لا سبيل إلى رصدها؟ لحظة نادرة أخرى مختلسة.. ربما.. لست على يقين من شيء، فيا لها من فوضى عششت واستقرت معي. في الغسق المتوهج..مملكتك الأخيرة.. أصوات.. من أية عوالم تتسارى هذه الأصوات؟ أصوات وأصداء.. أصوات ليل شاسع مديد.. ليل مستبد لا ينجاب"(ص5)

ثم وبعد أن نقطع شوطاً في القراءة نكتشف أن الآخر المسرود له ليس إلا السارد ذاته، وقد اشتق من نفسه أنيساً يسائله، ويفضي إليه بمكنونات صدره، واختلاجاته النفسية، ثم نكتشف أن السارد ما هو إلا شخص مشلول بجانب أنه محموم لا يقوى على مغادرة السرير، وهو الآن يمارس سرده من خلف الجدران، وحيداً لا يتعامل مع الوجود من حوله إلا من خلال ما يصله من أصوات تنبئ عما يدور خارج غرفته، أو من خلال ما يصل إلى عينيه من صور ثابتة لجوانب الغرفة وأثاثها أو ظلال لأجساد تمرق أو تتحرك خلف زجاج الغرفة ومن خلال هذه الوضعية للسارد كان ينقل ما يسمعه أو يراه من خلال مظانه، فلم يكن قادراً على الجزم بحقيقة ما يدور لأنه لم يكن يشاهده أو يعايشه إلا من خلال هذه الظلال والأصوات المشوشة التي تصله.

وثمة وضعية أخرى للسارد عندما يتغاضى عن الأصوات أو الظلال التي تأتيه من الخارج ليمدنا بكل الجوانب النفسية والمعاناة الشخصية مع المرض والوحدة.

وثمة وضعية ثالثة للسارد عندما يفر بذاكرته من اللحظة الحاضرة القاسية إلى الماضي لينقل لنا عن طريق التذكر طفولته وماضيه بكل تفصيلات حياته متحدثا عن نفسه لنجد أنفسنا إزاء ثلاثة مشتقات لذات واحدة ( ذات ساردة، وذات مسرود لها ، وذات مسرود عنها) وفي هذا يمكننا أن نلحظ "الأنا الساردة" في وضعية أعلى بكثير من الأنا المسرود عنها" إذ تبدو الأولي أقرب إلى وضعية الفيلسوف العالم بكل شيء بالنسبة للثانية .. يعلم ماضيها، وحاضرها، ومستقبلها حتى بعد الموت، كما أنه عليم بكل جوانبها النفسية وانفعالاتها وتاريخها وكل ظروفها خارجها وداخلها، ومن ثم فهو لا يكتفي بنقل واقعات وأحداث معينة عن الشخصية، وإنما يعطي نفسه حق فلسفة حالاتها ووضعيتها النفسية والاجتماعية، معلقا على ما يحدث أو حدث، رابطاً كل ذلك بظروف فوق شخصية شملت حياة الشخصية ومجتمعها، ومن ثم فإن مثل هذا السارد كان يعطي لنفسه حق كسر الحركة الموضوعية للزمن الذي يقترب به من حدث معين، ففيما كان الزمن الموضوعي يتجه بالأنا المسرود عنها إلى الأمام نسبياً يصبح إدراك الزمن للأنا الساردة ذاتياً، أو بالمعنى ملون بلون الذات في شعورها بالزمن، وهي تكشف عن متوالية الأحداث أكثر مما تكشف عن الحركة الموضوعية للزمن، ومن ثم يصبح العمل الروائي ليس مجرد قصة عن حياة السارد الخاصة، بقدر ما أنه قصة تضفي المعنى على حياته لحظة تسجيلها.

في هذا يمكننا أن نطالع تقييماً متزامناً لحاضر السارد "(عزيز باخوم زارع) وماضيه من خلال وجهة نظر مستقبلية (الحياة بعد الموت) كما نطالع تقييماً للحاضر والمستقبل من خلال وجهة نظر الماضي (طفولة السارد وشبابه وما قبل ذلك من ماضي أسرة زارع بك الجد) كما نطالع تقييما آخر للماضي والمستقبل من خلال وجهة نظر الحاضر المعتل( الإعاقة والأمراض البدنية الأخرى الكثيرة التي تستبد بجسد السارد بجانب الوحدة والانقطاع والمعاناة النفسية وما إلى ذلك)

إن مثل هذا المنظور الزماني لا يقتصر دوره على الأهداف التأليفية المباشرة للوصف، بل يتعدى ذلك إلى مستوى التقييم الأيديولوجي، وعلى النحو نفسه قد تصبح الوسائل التعبيرية وسائط للتعبير عن وجهة النظر الأيديولوجية.

ومن هنا تنبع أهمية الخطاب الروائي في "سفر الموت" لما ينطوي عليه من تقييم أيديولوجي شامل ليس لحياة الراوية وأسرته أو عائلته، بل على المستوى الأبعد تقييماً شاملاً للزمن المستقل للأحداث (زمن القصة) الذي بدأه السارد بإشارة سريعة عابرة في معرض حديثه عن "شجرة القشطة" التي غرست في السبت الأخير من فبراير سنة 1936 م ، وهي الشجرة التي غرست في حديقة سرية الجد، والتي يعرفها كل خلصائه كما ينبغي أن تعرف الأشياء الحقة التي تشكل الحياة الحقة (ص11) وامتدادًا إلى وقتنا الحاضر، حيث انفتاح الزمن على الأحداث الجارية، وقد توقف السارد بها عند حرب الخليج الثانية على المستوى العربي، وأحداث البوسنة على الصعيد الخارجي .. مسافة زمنية طويلة تتجاوز الستين عاماً اختزلها السارد في زمن روائي لا يزيد عن العشر ساعات من نهار واحد من أيام الراوية، راصداً كثيرًا من الأحداث والعلاقات وتاريخ الأشخاص والأشياء والأماكن من خلال وجهة نظر تركز على التقييم الشامل لمجمل الأوضاع.

الجسد الكوني في علاقته بالجسد الكتابة:

                في إطار الصراع الكوني بين الزمن والبشر والكائنات عموما، تقدم الرواية تمثيلاً لما يمكن تسميته "بالجسد الطبيعي ـ الكوني" المنبثق من رؤى وتصورات أسطورية تتحاور فيها معتقدات إحيائية طوطمية (ما قبل تاريخية) ومعتقدات دينية تصور الجسد الإنساني جزءًا من الطبيعة، وكائناتها الحية التي تتمتع بأهمية رمزية تفوق الجسد الإنساني ـ الفرد. ومن هنا فإن كل ما تراكم من سرد حول جسد السارد المشلول الذاهب إلى الموت ـ بكل ما تكالب عليه من أمراض بدنية ونفسية ـ لم يكن يغلق الخطاب السردي على هذا الجسد بقدر ما كان يفتحه على الكون الذي يحوي هذا الجسد، بل ليقيم الوشائج بين علات هذا الجسد وبين علات كونية عامة، ومن هنا تأتي أهمية هذه الرواية في طرحها لرؤية كونية إلى حد كبير.

ولقد استعان الكاتب لطرح هذه الرؤية الكونية بمشروع زمني ضخم ملائم ووضعيات متعددة للسارد ليس مجال الدراسة استعراضها، وإن كان الآمر يستوجب أن نلفت إلى لغة السرد التي أتت في إطار المشروع الزمنى ووضعيات السارد ووجهات نظره المتعددة، حاملة لتوجهات الخطاب الروائي المنفتح على الكون منطلقاً من جسد السارد المريض: " إنما أنا جسد مهيض يتحلل، وأنفاس واهنة . من لي يحركني فلا يقتلني الألم . واها لزمن بعيد يثقلني فيه نوم العافية . يتمدد الجسد حتى يبتلع العالم . الأرض التي صمتت لي لأنام . فرحتي القصيرة . كيف لم أنتبه لها في حينها؟ بحيرة نسياني وأزمنة مجدي . العصفور الناري الذي ينهض من رماد الجسد كل صباح " صـ5 

" هذا هو جسدي وجوه قديمة تبددت من زمان بفعل الغياب والنكران وتقاوم العهد، تعود وتطل غائمة كالأطياف، غائمة وحزينة ، فوق صهوة سرير يتوحش، هذا هو جسدي، لم يخترقه سهم الموت بعد، لم تنل منه الأرض التي فلجها الظمأ . وخزات أشواك تكلل هامتي ، ووجهي ينضح عرقا كالزيت، أشواك تنوشني كالبرد، وجهي ومعصمي وصدري حتى باطن قدمي. الانهيار العظيم في قلب الرماد الصامت. باب مفتوح للأبدية فافرنقعوا لأن الساعة لم تأت والشريان الذي انفتح علي الأبدية أدخلني في الصمت المنيع وعلي جبهتي إكليل من غار وشوك من خزي وفخار " صـ9

" كانت جبهتي باردة والمرئيات أصبحت تهتز أمام ناظري، كلا إنها تستعر في داخلي، لهب يتصاعد في داخلي ، ويجياح الأفق أيضاً، هذه الارتعاشة .. أهو جسدي أم جسد الأرض ؟" صـ47

في طقس معزول يقبع جسد "عزيز باخوم زارع " في فضاء الموت ،لا شيء غير الصمت والسكون وحركة ما بقي من الذاكرة . ربما هو فعل التذكر أيضا يتحول إلي فعل حيوي ضد الموت وهو يجتر سيرة الموت إذ يجتر سيرة عائلة " زارع بيه " صاحب هذه السراية الموحشة التي أرجع إليها عزيز باخوم مشلولا محملا بهزائم عمر، مجلل باحباطات وانكسارات عدة :

أب مات غريبا رفض الجد استلام جثته .. أم تزوجت من ضابط جيش أو ربما هو علي صلة برجال الثورة، الضباط الذين تسيدوا المشهد السياسي واستولوا علي الحكم إثر قيام ثورة 52 . يخطف هذا الضابط الأم من السراية يتزوجها، ويستولي علي أملاكها ويهاجر إلي أمريكا .. محبوبته " فاطمة " التي كثيرًا ما تعلق بها رغم اختلاف الديانة يخطبها أخر يعيش في السعودية ، تسافر معه دون عودة . العمة " منيرفا " التي كانت ترعاه بعد رحيل أمه ماتت . الجد الذي كثيرًا ما كره الموت مات قبل العم "ميخائيل" المثقف الذي تلقي تعليمًا راقيًا، وسافر إلي الخارج وانضم إلي العمل السري للمنظمات الشيوعية قبل الثورة ، ومن ثم عرفه البوليس السياسي ردحًا طويلا، يؤرقه شوق أذلي للعدالة ، يعصف بحياته خلف أقبية السجون، وكان يتمني لو يهاجر إلي الخارج .. يؤخد السارد / عزيز بجريرته ويعصف بحياته هو الآخر خلف أقبية السجون . انحسرت أملاك الأسرة الواسعة التي تمثلت في إقطاعيات زارعية واسعة امتلكها الجد "زارع"، و كثير من الخدم والحراس والزُّرَّاع والخيول.. ماتوا ورحلوا ولم يبق منهم غير خادمته ""سند"" وممرضته ""جنات"" التي تقوم بتطبيبه .. جسد تكالبت عليه أمراض كثيرة لم تترك عضوًا من أعضائه دون عطب يعيش علي العقاقير ورائحة الأدوية .. شهية مقفلة وذاكرة مفتوحة .. فيما تنصرف "سند" و"جنات" إلي تجهيز غرفة أخري بالطابق العلوي هي غرفة طفولته تمهيدا لنقله إليها بدلاً من غرفة عمه ميخائيل هذه التي يقيم فيها الآن، وبينما يحدث هذا يظل عزيز باخوم وحيدًا مع الأثاث الموحش والراديو العتيق الذي ينقل إليه انهيارات العالم في الخارج بالتزامن مع انهيارات جسده. وتتداعى الذاكرة نحو الماضي دون أن تحدها بداية ما، لا يزاحمها سوي حركة هشة يقوم بها الجسد الزاحف علي الأرض أو المتوكئ علي عصاه، محاولا الوصول إلي الشرفة.. هذه اللحظة المشمولة بالعجز والشلل والتضاؤل، تماماً كما جاءت الحياة الحثيثة والحركة في الخارج، أو في مقابل الموت الذي يخيم كشبح طائر يصنع ظلاله علي المكان الذي بدا وإلي حد كبير ملائما للأشباح، وفضاء أثيرًا لإتمام المهامه الموتية.

كطائر أجبر علي العزلة إذن يقبع جسد عزيز باخوم في هذه الفضاء الموتى مندمجا مع الأشياء والشباح واللحظة والتاريخ والذكريات وكل الأساطير ممارسا الحلم تارة وتارة الهذيان وتارة أخري العودة من اللاوعي إلي الوعي / اللحظة الحاضرة الآنية يلامس المأساة تارة ثم ما يلبث أن يبرحها إلي اللاوعي ممارسا الهجس بالمستقبل في عالم الأموات حيث الأبدية والخلود في العالم يتخلى فيه عن جسده تماما ليصبح بلا آلام ، متعلقا في هذا بنسق ثقافي أسطوري ديني، وبهذا يلتحم الجسد مرة أخري بالطبيعة / الأم التي جاء منها ليمارس التقاءه ببدايته في نهايته، النص مميز بحوار / خطاب يستند علي خلفية معرفية حديثة واسعة وعميقة تتلاحم مع ثقافة تراثية وذاكرة مترعة بكثير من الخيال الأسطوري والخيال الشعبي الخاص بمجتمات ريفية ينتمي إليها السارد .هذا التفاعل بين ثقافات شتي مكنت السارد من تقديم رؤية جديدة كونية حقا لذاته ومجتمعه وعالمه، في رواية أتاحت له استثمار معارفه وتجاربه الحديثة دون فقد الاتصال الحميمي مع ثقافته الأصلية باعتبارها مكونا قاعديًا في هويته .

ومن هنا تحديدًا يمكننا أن نفهم اللعبة "الجمالية ـ الفكرية" التي تميز النص، فالخلفية المعرفية هذه حضرت إلينا في شكل نص مواز مستعار من كتب مقدسة شتي ومن مصادر تاريخية ومعرفية قديمة وحديثة متنوعة هي ما وجه لعبة الكتابة، وربما أيضا يتدخل بقوة في توجيه عملية القراءة ، أما في مستوي المتن/ النص ذاته فإن هذه الخلفية تمحي أو تواري في عمق المشهد النصي مغطاة بشبكة من تعبيرات شعرية، ترميزية ، إحائية، حلمية ، هذيانية ذات بني كنائية واستعارية تفاجئ القارئ بغموضها الفتان وطقسها السحري العجائبي الموغل في اللحظة وفي نفس الوقت في الذات والتاريخ والطبيعة، مازجة بين الواقعي والسحري ، بين الفيزيقي والميتافيزيقي والوعي واللاوعي ، الحقيقي والمتخيل، الممكن والمستحيل .

هذه الخلفية المعرفية الخارجية / الداخلية الغيرية / الذاتية في الوقت نفسه هي خلفية العالم الروائي المتسع بقدرها والذي لا يمكن أحالتها إلي مرجعية واحدة محددة وإن أمكن وصفها بأنها مأساوية في عمومها ، وهي التي تحكمت في اللعبة الجمالية ـ الفكرية التي تميز بها النص الذي نقرؤه .

لا شك أن هذه التجربة/ الظاهرة الإبداعية المميزة بأكثر من معني تستحق أن تكرس لها أطروحة معمقة نظرا لما تفتحه من أفاق أمام الكتابة السردية الحديثة وأمام الخطاب النقدي ذاته .

لا شك أن تمثل " الجسد الطبيعي ـ الكوني " بما تطرحه من تداعيات معرفية وأيديولوجية هو تمثيل منفتح باتجاه اللابداية التي تمثل القطب الأبعد للمعرفة والتي تتجمع عنده كل الفلسفات والأساطير والخرافة مثلما تتجمع عنده المعتقدات .

وهو تمثيل منفتح أيضا باتجاه اللانهاية إذ الموت المنتظر يبدو مرحليا للدخول إلي عالم الأبدية وهو القطب الآخر المحجوب عن المعرفة ومن ثم فهو القطب المشاع للتخيل والهجس والمعتقد .

هذه الدائرية اللابداية / اللانهاية إذ يلتقي الجسد بأصله في أيهما تطرح أو تتنازع جسد الكتابة المتخيل أيضا، ومن ثم لا يعثر القارئ علي بداية زمنية أو مكانية للقصة / الحدث في وجوه المستقبل، فثمة ذاكرة مناسبة دائما باتجاه الماضي/ اللابداية ، فيما تنتهي الرواية عند اللانهاية حيث الانفتاح علي ما تمهد له الأحداث من موت الجسد وانتقال إلي الأبدية / اللانهاية في أي من الاتجاهين كلما أوغل السارد بهجسه وتخيله أو بتذكاراته كلما دخل بنا في عوالم سحرية طوطمية غامضة تستعصي علي التحديد المعقلن أو الممنطق ، ومن ثم نكون مضطرين للتخلي معه عن محددات الصرامة العقلية أو حتى محددات الواقع الذي يحاصر السارد / عزيز باخوم زارع المسافر دوما في اللازمن، المتفلت بذاكرته دوما من أسار اللحظة القاسية ومحدداتها المكانية التي تذكره بعبثية الواقع / الحياة .. ممارسا نوعا من الهروب من الأحداث الأكثر حداثة في الزمن إلي فضاء الاشتعال الباهر بالأساطير العتيقة هاربا من عذابات جسده المشلول المعطوب التي يلاحقه بعذابات إنسان ووطن وثقافة في سيرورة تدهور متعدد المظاهر والأبعاد .

ومن ثم فإن لعبة الكتابة تقدم هذه السيرورة عبر شاشة هذا الجسد المعطوب تحديدا، لهذا اعتمدت اللعبة من ضمن تقنياتها علي نزيف " الذاكرة ـ الجسد " .. الذاكرة التي تمارس التقهقر للماضي البعيد دوما داخله في حدود اللابداية حيث المطلق الفزيقي .. كما اعتمدت علي الاستباق / نزيف " الهجس ـ الجسد" ممارسا قدراته الكامنة التي من المفترض أنها طاقة إيجابية للحضور والمشاركة في الفعل الحياتي البناء ، في تخيل عالم ما بعد الموت عندما تعود العظام إلي العظام والجسد إلي أمه الأرض . وفي كل سواء نزيف الذاكرة أو الهجس كان جسد النص يتميز في هذه الجزئية أو تلك ببنط كتابي سميك مميز عن غيره من بقية الجسد / النص .

من ناحية أخري فإن سطوة الذاكرة علي الجسد لها ما يبررها فنيا وقد تحول الجسد المشلول المهدد بالفناء إلي مجرد ذاكرة .. ولعل سطوة الذاكرة هي ما أهَّل السارد إلي الهروب إلي العوالم الداخلية " للجسد ـ الذات " في الواقع يتسم كله بالشلل ويتهدده الفناء أيضا .. في تساؤل مهم يطرحه السارد على نفسه في مواضع كثيرة ولعله يذكِّر به نفسه ويعطيها مبررها للهروب والهجرة إلي الداخل: من بقي من عائلة " زارع بيه" الماضي العتيق المبهر بحضوره وثرائه وتواجده الاجتماعي المميز؟ .. من / ماذا بقي غير هذا الجسد المشلول؟ حتى علاقة الحب التي نشأت بين السارد وفاطمة المسلمة علاقة مشلولة محكوم عليها بالفناء لاختلاف الديانة : " خيالها الذي يترجرج مهتزا فوق مياه بركة البط المتموجة ، قالت أين أخفيت نفسك . تدور باحثة عني وأنا أراها من مكمني في الخميلة تنثر شعرها السبط بهزة من عنقها الطويل كأنها مهرة حرون مستنفرة هزت عرفها السيال في الشمس. أهتف في دخيلي باسمها : فاطمة .. يا فاطمة ، وتغرد معي البلابل ..." صـ159

هذه العلاقة هي واحدة من تحولات الجسد المشلول عندما كان صبيا منطلقا مغردا كالبلابل .. الجسد الفتي المذكر في علاقته بالجسد الجمال المؤنث .. هذه العلاقة أيضا انتهت إلي الشلل عندما اصطدمت أولا بالمحددات الدينية الكابحة لانطلاق العلاقة مع مسارها الطبيعي، واصطدمت ثانيا بالجدب الاقتصادي والواقع المتجهم الذي يفرض علي أبنائه / طيوره أن يتحولوا عن البقاء إلي الهجرة ، هكذا هاجرت فاطمة مع من تزوجها إلي السعودية دون عودة :

" سمعت بالأخبار ؟ فاطمة كتبت كتابها !

عمن تتحدث وإلي من توجه حديثها ؟

" انجي هانم قالت أنها ربما تسافر لتلحق بزوجها في السعودية .

وقالت : دخلتها الشهر القادم . لم تكن فاطمة موافقة علي حكاية السفر ، لكنهم ضغطوا عليها .. " صـ161

" ... لعلهم يتحدثون عن الإثم العظيم والمروق عن الصراط وما كان لأي منهم أن يدلي بدلوه فيما يختص لكلينا لو أننا نعتنق نفس الدين، حتى ولو لم تكن غير الكراهية إذن لباركوا وهللوا فكان قدرا مناكدا ، كان يتربص بنا .. قدرا غشومًا وحد قلبينا ثم قال: افترقا ، نحن لعبته!!.." صـ16 

العلاقات مشلولة والأحياء يتهددهم بل أجهز عليهم واخترمهم الموت وثمة من ماتوا وهم أحياء إذ هاجروا إلي الخارج دون عودة . وثمة وحدة شاخصة تبيح حياة جسد الرواية المشلول الذي يقاوم الموت بالتذكر .

إن الرواية بما تطرحه من إمكانية الهجرة إلي هذه العوالم السحرية الطوطمية وإلي الأجواء الداخلية للنفس الإنسانية وإلي الماضي الإنساني .. هي في حدود هذه الرؤية تفتح إمكانية التفلت من الضغوط القوية للحداثة ومفعولاتها التقنية والمعرفية والفكرية والجمالية إلي سيرورة أخري هي في حد ذاتها ردة علي الحداثة التي أوغلت المسير في التغرب عن هذا الماضي.

 

تمثيلات أخري للجسد

___________________

في جوانب أخري من جسد الكتابة / النص تشتبك دون أن تنفصم وإن كانت مميزة ببنط كتابي أضخم سردية لها طابع تقني مغاير يطرح تمثيلا آخر للجسد، محققة استقلال الجسد البشري عن الطبيعة ليتحول إلي "جسد اجتماعي ـ ثقافي" له محدداته الصارمة من العرف والعادات والتقاليد والسلطة والعجز والشلل التام وكافة العلل بما لا يسمح للجسد الفرد بالتواجد الحقيقي الفعال بعد أن سبله كل حرية ممكنه وكل فرصة للتواجد وفق احتياجات الجسد الفرد وتعيق حضوره الإيجابي في الزمان والمكان والعلاقات .

وفي هذه الجزئيات السردية المنسوجة في سياق الجسد الكلي للنص تسطو الذاكرة علي الجسد أيضا، وإن كانت مركزة علي الماضي القريب، ومن ثم فإن كل العلاقات تبدو أقرب إلي التحديد في سياق التاريخ لأنها تستمد نسقيتها العامة من علاقات التوتر التراجيدي بين الذاكرة والجسد الفردي من جهة وبين أسرة ووطن وثقافة، وذات لها تصوراتها ورؤاها ورغباتها من جهة أخري.

ومن ثم تجد الذات فرصتها في الهروب إلي الحلم وإلي الذاكرة أوإلي الدفاع عن نفسها ضد المحو بالخسرية ، أو فضح " الجسد الاجتماعي ـ الثقافي" الذي  يتمثل ـ شكلياً ـ حسبما يفرض منطق الذاكرة منثورا في ثنايا تداعياتها الأخرى. متمثلا في الصول عبد الحميد القرش / أداة السلطة القمعية التي تفاخرت بأيادي ضباطها وأجهزتها السرية والعلنية التي تحاكم الرأي وتنزع الملكيات وتأخذ الجميع بالشبهة " وفي هذه الساعة يحلو للصول عبد الحميد القرش أن يقودنا عبر الطرق المرصوفة العارية . من عز النوم وقع أحذية الحرس الثقيلة . جزع قلبي من توقع الإهانة ، تعرفهم في أي مكان في العالم بأقدامهم الثقيلة " صـ35

ومتمثلا في العمة "منيرفا" بتعاليمها الدينية وبروتوكلاتها اللاهوتية وهي التي أسست لوعي السارد وانفتاح هذا الوعي علي العالم الميتافيزيقي الأبدي في مرحلة مبكرة من حياته بعد أن هاجرت أمه إلي أمريكا مع زوجها وتركته للعمة العذراء منيرفا التي كانت تمارس نوعًا من الرهبنة في البيت الكبير، وجعلت منه ما يشبه الدير الذي يأوي الفقراء وأبناء الرب البسطاء .

كما تمثل في زوج الأم الذي يباهي بكونه قريبا من السلطة ويستغل هذا القرب في فرض وجاهته الشكلية من جهة، وشخصيته السلطوية من جهة أخري علي الأسرة العريقة التي أصبحت متهمة في نظر السلطة لأنها ثرية أو حسب عرف الثورة إقطاعية .. في هذا الطقس السلطوي ينفذ المستغلون إلي أهدافهم .. لقد تزوج الرجل من أم السارد وانتزع منه جنته ومضي بها إلي الخارج بعد أن اشترط علي الأسرة أخذ حق التصرف في أملاكها .. لقد سادت في هذا المجتمع في تلك الفترة مفاهيم النزع، وخوف الأسرة من النزع كان سببا أول لارتباط الأسرة بهذا البوليسي الذي أصبح بشكل أو بآخر ممارسا نفس الفعل الذي تخاف منه الأسرة، ولكنه استأثر به لنفسه .. لا شك أن المفاهيم الثورية في ذلك الوقت تشكل الجسد الثقافي والسياسي والاجتماعي وكلها ألقت بظلال كثيفة من العتامة علي حياة الجسد الفرد / السارد وجعلت منه كخلية في جسد كبير مشلول (جسد المجتمع) ، وقد أضحت صورة الحياة  تمامًا كسراية الجد الذي يحاصرها الصمت والسكون ويتهددها المحو  ويسكنها الشلل والعجز وكل دلائل الموات .. إن السراية في مستوي عمقي أكبر هي الوطن الصغير الذي عاش فيه السارد واستقي منه كل ما استقي من تعاليم وتربية، وهي الوطن الذي تشكلت فيه أحلام السارد وغيره من الشخوص .. لقد كانت هذه السراية في يوم من الأيام جنه حقيقية لقاصديها.. هي نفسها التي تحولت في يوم من الأيام إلي سجن لأجساد أصحابها من النساء والعجزة ، وهي نفسها الآن أقرب إلي خرابة شاخصة كشاهد علي كل ما أصاب الوطن الكبير من تحولات حرجة منذ قيام الثورة حتى الآن .

أسرة الجد بما فيها السارد نفسه من ضفيرة الجسد الاجتماعي هذا ومن ثم وعلي المستوي الرمزي فإن كل ما يحاصر جسد السارد من علل وشلل وأحلام محبطة هو صورة ما أصاب الجسد الاجتماعي علي مستوي الرمز . هو جسد علي حافة الموت أو الغياب، وكل ما يتمناه الآن أن يحظىـ ولو عن طريق الذاكرة ـ بلحظة من دفء علاقات قديمة مضت عاشها في حضن أمه أو مع حبيبته فاطمة، وكل منهما ـ الآن ـ تعيش في الخارج .

لقد أصبحت ثقافة الهجرة هي هاجس الجميع: الأم ، وعمه "ميخائيل"، و أخوه "رمزي" ، حبيبته  "فاطمة" ، و زوج الأم . في مقابل هذه الهجرة إلي الخارج تبرز هجرة الذات إلي عوالمها الداخلية أمام عجزها عن إعلان الهجرة إلي الخارج .. السلبية تتبدي علي صعيدين: الهجرة إلي الخارج أو الهجرة إلي الداخل وكلاهما تجنيح بالطاقة عن الفعل الحقيقي المؤثر في جسد المجتمع المصري.

ومن ثم فإن هجرة عزيز باخوم إلي عوالمه الداخلية لم يكن أكثر من مواجهة السلب بالسلب بعدما فقد كل شيء، وهكذا تبدو الرواية محاصرة بقوسي السلب واضعة بينهما الجسد الاجتماعي كله كطائر جريح حبيس.

الهجرة إلي العوالم الداخلية والتمني والحلم والتذكر هم كل وسائل الذات ـ الفرد للخروج من اللحظة المؤلمة المحاصرة بالعجز :" ما أروع أن تقف علي قدميك من جديد ، كي تري إشراقة النهار ، حتى ولو لآخر مرة " صـ 44 .. " هذه الطلقة الأخيرة .. طنينها في أذني ، وراء الأشجار، عند المدخل الأمامي . ماذا لو ..؟ أين اختفت "سند" ؟ يا إلهي . لكن المحتضرين لا تودي بهم طلقة طائشة . ينضجون علي مهل . رباه . نهاية مأساوية ، رصاصة خاطئة .تعجل بنهايته ... " صـ191 .. " قبلة علي الجبين ، قبلة آخرة ووجه مائل شفوق في الظلمة المائجة الرحيمة، من يدري ؟ ربما في اللحظة الأخيرة، في النزع الأخير، علي الشفتين ، قبلة البعث . الوجوه الباهتة والملامح المتمعجة الممطوطة العودة إلي الحياة علي طريقة هوليود .. أماه " صـ190

لكنما في لحظات سردية أخري كانت اللغة تأتي كشبورة حلمية غائمة في عالم من رموز غامضة وجمل قصيرة متلاحقة، يكسر حدة التتابع أو التسلسل وهو يداخل جسد الكتابة علي أجزاء متداخلة متباعدة في تمثيلات أخري حاسمة ، كان السارد يعود إلي وعيه للحظات يمارس فيها مقاومة الذاكرة والحلم والتمني، محققًا بذلك استقلالية الجسد الفردي عن المرجعيات التقليدية في أبعادها المعرفية والأخلاقية والجمالية مركزا علي وضعية "الجسد ـ الشيء" في شلله وعجزه وتورمه واصفًا أدواءه وأدوات تطبيبه .

نحن هنا أمام الجسد موضوع الكتابة كيف تحاول إلي شيء بلا مرجعيات من ضمن أشياء كثيرة تافهة بلا قيمة يزخر بها المكان .

نحن هنا أمام ذلك الفرد الواعي بذاته والمتمركز حولها في هذه اللحظة، ملامساً الواقع باعتبارها جسدًا ميتاً بعد أن وصلت علاقة الانفصال بينه وبين الحياة الطبيعية حد اللاعودة .. لم تعد الحياة الطبيعية الايجابية ممكنة في هذا المجتمع المصاب بكل هذه الأدواء والعلل ومظاهر الشلل .

في هذه الجزئية من السرد كان يمارس السارد يمارس إيقاف الزمن تماماً ، محولا الكتابة إلي لوحة صامتة تزخر بالنمنمات والدقائق، ولعل براعة السارد كانت واضحة بشكل ملفت عندها كانت القراءة تتوجه نحو السارد باعتباره "شطبي يوسف ميخائيل" الرسام،  لا باعتباره "عزيز باخوم زارع" الشخصية المريضة التي اخترعها شطبي لتصنع الرواية، أو لنقل ثمة التحام بين السارد والمؤلف في هذه القدرة فكلاهما فنان في التشكيل.

لعل اللغة هنا من أكثر لغات السرية العربية قدرة علي ترجمة التحول من المخيل البصري المجسم إلي المخيل البصري الكتابي .

ثمة لغة تعكس تفاصيل الجسد الشيء عندما تجرده من الزمن ومن الفعالية ، تصمِّته، وتشغف بالصمت، لكنها إذ تضع الأشياء  في وعاء الزمن المتحرك يبدو كل شيء تافها بلا قيمة وهو يقف علي حافة النهاية، تماما كسراية الجد بلا حياة حقيقية .. كجسد عنايات الأنثى اليافعة بلا فاعلية أنثوية .. كجسد فيروز المخبولة .. كجسد "سالومي" : "أري عقد أصابعها المخالب التي لا يكسوها لحم والصوت القارع النادب والفحيح . عينان تبدوان كعيون الطير المستديرة خلف النظارة " صـ154 كجسد "رخش" / الحصان الذي انتهي نهاية مأساوية ــ ككرسي الجد / العرش الخاوي بلا ملك: "كانت الشموع تشتعل في سكون، وكأني في حلم، أري الكرسي العتيق العالي، الذي كنا نسميه العرش، فارغًا إلا من جلال الصمت .. أتأمل نقوشه البارزة البديعة، وتعاشيقه الثمينة النادرة، والزراعين الممدودين، في وهج الضوء المتراوح، وقوائمه المتينة الراسخة، تحملها مخلوقات أسطورته، فرعونية وشرقية، متماسكة ومستنفرة ونافرة العضل، مفتولة ممتلئة دقيقة الصنع، مكشرة ، كأنما أشداقها ملجومة بقدر لا يغالب عن صيحة راعصة ، مثل كائنات ألف ليلة المسحورة، تحجرت علي لحظة الانتشاء والظفر، وأنها ما أن تنفك طلاسمها، حتى تنتفض هادرة مرسلة رعودها "صـ189 . لا شك إن تشيئ العالم يعكس رؤية آنية للعالم الشيء الذي نُزعت روحه . وهو صورة للجسد العليل / جسد "عزيز باخوم: الذي نزعت روحه تدريجيا مع الزمن حتى آل إلي لحم لا حياة فيه.

لاشك إن تحولات الجسد / الكتابة على نحو ما سلف كانت معبرة عن موقف السارد ورؤيته السياسية لما حدث من مسخ للحياة الاجتماعية بعد ثورة يوليو، التي ابتدأت مسخ الواقع والحياة الاجتماعية  بسيطرة العسكريين على السلطة وحتى اللحظة الحاضرة / لحظة الاحتضار، حيث لا مجال أو فرصة للإصلاح أو تدارك الأمر أما الموت غير انتظار الأبدية لينتهي كل شيء مجلالاً بالأسف والشلل و العجز والانقطاع .. كل مظاهر الواقع تؤكد تفسخ الحياة وسطوة العجز، وهيمنة الأسف وجلال الموت .. هي رؤية كابوسية لا شك قدمت الكثير من مبرراتها على المستوى الدرامي. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

رواية سفر الموت ، شطبي ميخائيل يوسف ـ ط1 ـ مركز الحضارة العربية ـ القاهرة ـ 2000

 

khfajy

سترون أبيضي عندما يلوح بياض الآزمنة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 398 مشاهدة
نشرت فى 24 ديسمبر 2013 بواسطة khfajy

ساحة النقاش

عبدالجواد خفاجى

khfajy
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

17,899