authentication required

 برامج التدخل المبكر :
شهدت أعوام السبعينات تكاثرا في برامج التدخل المبكر ، والتي اعتمد معظمها على نموذج القصور Defict model الذي افترض أن الضعف موجود داخل الطفل وأن العوامل البيئية غير المناسبة هي مجرد عوامل مساهمة ، كما افتراض أن هذا الضعف هو مسئولية الآباء بالدرجة الأولى . لذلك كانت البرامج تركز على التعليم التعويض ، وإلى إرجاع النجاح لجهود المعلم والفشل إلى خلل في الأسرة . ثم حدث تحول تدريجي بين الباحثين في الثمانينات نحو رفض النموذج السابق نتيجة لظهور ما يسمى الآن بعلم اجتماع التربية الخاصة ، وظهور الاتجاه المعرفي الاجتماعي Social Cognition الذي ينظر إلى النمو كعملية تفاعلاتية Transactional process، وكان ظهوره نهاية للفصل التقليدي بين النمو المعرفي والنمو الاجتماعي ، والاعتراف بالسياق المتغير لخبرات الطفل ( Sandows , 1990) .
وإذا استعرضنا نماذج برامج التدخل المبكر المستخدمة حالياً لاختيار أفضل نموذج يجب على كل البرامج التأسي به ، فلن نجد النموذج الذي يتفق حوله الباحثون والأخصائيون ، بل على العكس فهم يتفقون على عدم وجود ما يسمى بالبرنامج الأفضل ، ولا يوجد منحى نظري هو الأكثر فعالية من غيره . إن اختيار نموذج برنامج ذو فعالية يتحدد بالقيم ، والفلسفة التربوية ، والنظرية النمائية التي يميل الباحث للالتزام بها . ومن ثم فهناك مدارس فكرية مختلفة تدور حول ما تراه كل منها على أنه برنامج التدخل المبكر الملائم . لذلك سيتم استعراض الاتجاهات النظرية الأساسية في النمو والتعلم ، وكيفية تطبيق كل منها في برامج التدخل المبكر، سواء من حيث الأهداف أو محتوى المنهج أو طرق التدريس .

الاتجاهات النظرية وتطبيقاتها :
1] الاتجاه السلوكي الإجرائي : يؤمن أنصار الاتجاه السلوكي أن نمو الطفل يحدث من خلال تفاعل الطفل مع البيئة اعتماداً على مبدأ المثير- الاستجابة، ويتيج هذا التفاعل أن يتعلم الطفل فهم العلاقات بين المثيرات والاستجابات والتصرفات التي يقوم بها ، ونتائج ذلك ( التعزيز والعقاب ) . كما يفترض هذا الاتجاه أيضاً أن كل السلوك الإنساني هو سلوك متعلم ومكتسب . والفشل التعليمي يحدث عندما لا يكتسب الأطفال المهارات النوعية الأساسية لتعلم مهارات أخرى . ولتعلم تلك المهارات الأساسية فيجب تدريسها للطفل، لأنها لا تظهر بشكل تلقائي . إذن يمكن إنجاز التعلم عن طريق تحديد دقيق للسلوكيات المستهدفة وترتيب المثيرات الملاءمة التي يمكنها استدعاء الاستجابات المطلوبة ، وبرمجة التعلم في خطوات صغيرة متتابعة ، مع ضرورة تعزيز الاستجابات المرغوبة .
محتوى المنهج هنا لا يتبع منطق مراحل النمو ، وإنما يستخدم الاتجاه السلوكي المنطق العلاجي أو الوظيفي في اختيار المهارات التي يتم تعلمها . والمحكات الأساسية في الاختيار أن تكون المهارات مناسبة لعمر الطفل ، وذات معنى ، ولها فائدة مباشرة . وطرق التدريس المستخدمة تعتمد على التدريس المباشر ، مثل النمذجة والتلقين والتشكيل والتسلسل والتعزيز . والتدريس هما فردي يعتمد على تقييم مبدئي للسلوك القاعدي لدى الطفل . يتميز برنامج التدخل القائم على هذا الاتجاه بالاهتمام الشديد ببناء البرنامج والتخطيط والتنظيم الدقيق والصارم لكل الجوانب ، ويشبع استخدامه في كثير من برامج التدخل المبكر .
2] الاتجاه النمائي : يذهب الاتجاه النمائي إلى أن الطفل سوف يتفتح ويتعلم عندما يكون مستعدا نمائياً للتعلم ، بمعنى أنه سيتعلم بشكل تلقائي المهارات النمائية والتكليفية اللازمة في البيئة جيدة التنظيم . وأن هذا التعلم يحدث من خلال مراحل متتابعة لكل مظهر من مظاهر النمو . اعتمدت البرامج الأولى في التدخل المبكر على هذا الاتجاه ، حيث كان هدفها مساعدة الأطفال الصغار من ذوي الإعاقة على النمو من خلال المراحل العادية المعروفة للنمو . وقد استعادت تلك البرامج من البرامج الاثرائية التي ظهرت في الستينات لتقديم خدمات خاصة للأطفال الذين يعيشون في ظروف أسرية محرومة .
يتكون محتوى المنهج في برنامج التدخل المبكر من المهارات المختلفة التي تمثل مظاهر النمو التي يحتاج الطفل إلى اكتسابها ، ويتم تحديد تلك المهارات وفقاً لمرحلة نمو الطفل والمهارات الخاصة بها . ويتسلسل محتوى المنهج وفقاً لمراحل تتابع . ودور أخصائي التدخل هنا سلبي ، فعليه العمل على توفير المواد والأنشطة المناسبة نمائيا للطفل ، الذي عليه بدوره اختيار ما يريد المشاركة فيه . واستراتيجيات التدريس بالتالي تحاول أن تتمثل أنواع الأنشطة التي يقوم بها الأطفال غير المعاقين ، والمبدأ النظري هنا أن هذه الأنشطة توفر الفرصة للطفل المعاق لممارسة أهداف النمو المهمة في كل مرحلة .
تطور عن هذا الاتجاه النموذج النمائي المعرفي في التدخل المبكر ، والذي اعتمد على نظرية بياجيه في النمو المعرفي . محتوى المنهج يتشابه مع محتوى المنهج النمائي ، ولكن مع التركيز على المهارات المعرفية ، والاعتماد على تتابع المهارات التي وصفها بياجيه في المرحلة الحسية الحركية ومرحلة ما قبل العمليات. وطرق التدريس المستخدمة في النموذج النمائي المعرفي تعتمد أيضاً على نظرية بياجيه ، حيث يقوم أخصائي التدخل المبكر بعرض المهام التي تستثير تحدي الطفل بهدف خلق حالة من عدم الاتزان لديه ، ويحدث التنظيم والتكيف أثناء محاولة الطفل مواجهة التحدي ، ومن ثم يتحقق التوازن ويحدث التعلم ويمارس الأخصائي دورا نشطا في تشجيع الطفل لتجربة أشياء وأنشطة جديدة وسؤاله عن خبراته التي يمر بها ، ولكن الأخصائي لا يتدخل لمنع فشل الطفل .
3] الاتجاه البيئي : ينظر الاتجاه البيئي للطفل باعتباره يسلك وفقاً لبيئته ، وأنه يتعلم بشكل أفضل عن طريق خبراته المباشرة . ومن خلال التفاعل والمعالجة المباشرة للبيئة ينمو الطفل ويصبح أكثر مهارة من القيام بالمهام النمائية الأساسية ، مما ينتج له التقدم نحو مستويات أعلى من الكفاية المعرفية . التفاعلات المبكرة للطفل هي بالدرجة الأولى خبرات حية ، ولكن مع النمو الجسمي للطفل يحل محلها أشكال أكثر تعقيداً للتفاعل مع البيئة . ويبدأ الطفل في استدماج الخبرات مستخدما الرموز لتمثيل هذه الخبرات أو معالجة الأفكار ، ويستخدم اللغة كوسيط في تنظيم الخبرات . تبدأ عمليات التفكير في الظهور عندما يستطيع الطفل اكتشاف مفهوم العلاقات ويستخدمها في التفاعل المعقد مع البيئة .
محتوى المنهج في برامج التدخل المبكر المعتمدة على الاتجاه البيئي يتم تحديده على أساس فردي لكل طفل بحيث يعكس مطالب البيئة الطبيعية لمن هم في مستوى عمره ، ويتغير المحتوى مع نمو الطفل . وعندما يوجد تباعد بين مستوى استعداد الطفل والمهارات المناسبة لعمره ، يتم تعديل مستوى المنهج لكي يتناسب مع قدراته واحتياجاته . ويشترط أن تكون المهارات لازمة لمشاركة الطفل في بيئاته الحالية والمستقبلية من الجوانب الرئيسية في برنامج التدخل المبكر تنظيم الأنشطة التي تتيح للطفل : الخبرة المباشرة ، والتجريب ، والتعلم عن طريق الاستكشاف ، والمشاركة الفعالة . ويكون التعلم أكثر سهولة إذا كان مستوى الكفاية المعرفية للطفل مساويا لنوع الخبرات المعروضة عليه .
استراتيجيات التدريس المستخدمة متنوعة ، ويأتي على رأسها التدريس العارض Incidental . تستخدم هذه الطريقة سلوكيات الطفل لتحديد المواقف والظروف التي يتم فيها التدريس ، وهدفها تدعيم الاستقلال والمساواة عند الطفل. ويعتبر السياق الذي يحدث فيه التدريس أحد الخصائص التي تميز هذا النموذج ، فالبيئة الطبيعية للطفل هي المصدر الذي يستمد منه المحتوى ، وفي نفس الوقت هي البيئة التدريسية ( Noonan & McCormick , 1993 ) .
4] الاتجاه القائم على الأنشطة : يعتبر الاتجاه القائم على الأنشطة هو الاتجاه الذي يحظى حالياً بأقصى قدر من الاهتمام في ميدان التدخل المبكر . قدمه بريكر Bricker لأول مرة عام 1989 ، وسرعان ما لفت الأنظار وانتشر استخدامه في العديد من البرامج ( Hanson & Lynch , 1995 ) . تعتمد الجذور النظرية لهذا الاتجاه على أفكار أربعة من أصحاب النظريات المعروفة ، وهم سكنر وبياجيه وفيجو تسكن وجون ديوي . والاتجاه القائم على الأنشطة يقوم على ثلاثة أفكار رئيسية ، هي (2) تأثير وتفاعل كلا من السياق الاجتماعي المباشر والعام على تعلم الطفل ونموه ، (ب) الحاجة إلى مشاركة فعالة من الطفل لضمان تحقيق تعلم جيد وكفء ، (جـ) الأنشطة والخبرات المقدمة للطفل يجب أن يكون لها معنى ووظيفة من وجهة نظره (Bricker & Cripe , 1992 ) .
توجد أربعة عناصر رئيسية في برنامج التدخل المبكر القائم على الأنشطة ، وهي (أ) الاهتمام بدوافع واهتمامات وتصرفات الطفل من خلال تشجيعه على المبادأة بالنشاط ، ثم مشاركته في اللعب والألعاب التي اختارها . فالطفل له القيادة في توجيه الأنشطة كلما كان ذلك ممكنا ، وبالتالي تقل الحاجة إلى المعززات . (ب) إدخال التدريب والتعلم في أنشطة الطفل الروتينية لإدماج المهارات المستهدفة التي تحقق فائدة مباشرة له في السياق الطبيعي . وإدخال التعلم في أنشطة يخططها الأخصائي بحيث تثير اهتمام الطفل ويعتبرها مسلية بالنسبة له . (جـ) إن مجرد الاستفادة من مزايا الأنشطة الروتينية أو المخططة لا يضمن حدوث التغيرات المطلوبة في مهارات الطفل ، فهي تقدم فقط السياق الثري والطبيعي لإجراءات التدخل ، ومن ثم لابد من الاستخدام المنظم للمثيرات السابقة واللاحقة والتي تحدث كنواتج منطقية للأنشطة . فالطفل لا يترك اللعب على أمل أن يحدث التعلم ، بل على الأخصائي أن يقوم بدور المشارك الفعال . (د) المهارات المستهدفة من برنامج التدخل المبكر يجب أن تكون وظيفية ومولدة Generative . المهارات الوظيفية هي تلك التي تتيح للطفل التعامل مع بيئته الاجتماعية والمادية بشكل مستقل وبطريقة يرضى هو عنها والآخرون المحيطون به . كما نساعد الطفل على اكتساب مهارات مولدة تساعده في التفاعل المستقل في المواقف المختلفة ، أي عدم تعليم الطفل الاستجابة لإشارات معينة تحت ظروف معينة ، ولكن تعليمه تعميم كل أنواع المهارات

المصدر: www.kayangypt.com
kayanegypt

جمعية كيان

  • Currently 33/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 2951 مشاهدة

ساحة النقاش

جمعية كيان لرعاية ذوي الإحتياجات الخاصة

kayanegypt
جمعية أهلية , لا تهدف للربح . تعمل في مجال رعاية و تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال تقديم الخدمات التأهيلية لهم بشكل متكامل , بواسطة فريق من المتخصصين. تهدف إلى تقديم نموذج رائد للتأهيل في مصر و الوطن العربي, و تنمية و تاهيل الكوادر المتخصصة و تكوين توجه إيجابي »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

1,712,339

مركز كيـــان للتدريب

 

" إن التدريب بمثابة إستثمار للموارد البشرية المتاحة في مختلف مستوياتهم و تعود عوائده على كل من المؤسسة والموارد البشرية التي تعمل بها "

- بدأت فكرة إنشاء مركز كيان للتدريب والتنمية والاستشارات في بداية عام 2007 حيث عقد مجموعة من الدورات التدريبية التمهيدية في جمعية كيان للوقوف علي مدي احتياج مجال التربية الخاصة وذوي الاحتياجات الخاصة للتدريبات.
- بدأ تجهيز قاعة مخصصة لمركز التدريب في بداية عام 2008 و بدأ النشاط الفعلي للمركز في شهر مارس 2008.

لقراءة المزيد...