الإمام العلامة عبدالرزاق الصنعاني، المحقق المدقق الفهامة، العالم الراسخ، والطَّود الشامخ، من حفاظ الحديث الثقات، ومن أهل صنعاء، والملقب بمحدّث اليمن، كان يحفظ نحواً من سبعة عشر ألف حديث، وهو ما جعل بعض المؤرخين يصفوه بأنه خزانة علم، حيث تقول أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر الدكتورة إلهام محمد شاهين: «هو الإمام عبدالرزاق بن همام بن نافع الصنعاني الحميري اليمني، ولد عام 126 هجرية في اليمن، وسمي الصنعاني نسبة إلى مدينة صنعاء، وتلقى علوم الفقه والحديث على أيدي مجموعة كبيرة من العلماء والفقهاء والمحدثين أمثال هشام بن حسان، وعبيدالله بن عمر، وأخيه عبدالله، وابن جريج، وحجاج بن أرطأة، وعبدالملك بن أبي سليمان، والمثنى بن الصباح، وعمر بن ذر، ومحمد بن راشد، وزكريا بن إسحاق، وعكرمة بن عمار، وعبدالله بن سعيد بن أبي هند، وثور بن يزيد، وأيمن بن نابل، والأوزاعي، وسعيد بن عبدالعزيز، وسفيان الثوري، وإسرائيل بن يونس، ومالك بن أنس، ووالده همام».

سيرة الإمام

وعن سيرة الإمام تضيف: وكان الإمام عبدالرزاق الصنعاني من العُباد والنساك الصالحين، والعلماء العارفين، عاش حياة عبادة وصلاح وورع وزهد، وكان محبا للعلماء وطلاب العلم. وعن سلمة بن شبيب قال: سمعت الإمام عبدالرزاق يقول: «أخزى الله سلعة لا تنفق إلا بعد الكبر والضعف، حتى إذا بلغ أحدهم مئة سنة، كتب عنه، فإما أن يقال: كذَّاب؛ فيبطلون علمه، وإما أن يقال: مبتدع؛ فيبطلون علمه، فما أقل من ينجو من ذلك!».

 

واتُّهم الإمام عبدالرزاق بأن فيه بعض التشيع، وأنه يفضل عليّا على الشيخين، وذكره أبو أحمد بن عدي في «كامله»، فقال: «نسبوه إلى التشيع، ولكن اعتقاده وكلامه يخالف هذا الزعم». وقال سلمة بن شبيب: سمعت عبدالرزاق يقول: «والله ما انشرح صدري قَطُّ أن أفضل عليًّا على أبي بكر وعمر». وقال أحمد بن الأزهر: سمعت عبدالرزاق يقول: «أُفضِّل الشيخين بتفضيل عليٍّ إياهما على نفسه، ولو لم يفضلهما لم أفضلهما، كفى بي إثما أن أحب عليّا ثم أخالف قوله».

 

وأثنى العلماء والمؤرخون على الإمام عبدالرزاق كثيراً نظراً لتأثيره الكبير في مجال العلوم الشرعية، فقال أبو سعد ابن السمعاني: قيل ما رحل الناس إلى أحد بعد رسول الله مثل ما رحلوا إليه. وقال أبو زرعة الدمشقي: «عبدالرزاق أحد من ثبت حديثه، وكان يحفظ نحوا من سبعة عشر ألف حديث». وقال أحمد بن صالح، قلت لأحمد بن حنبل: رأيت أحداً أحسن حديثاً من عبدالرزاق؟ فقال: لا.

«المُصنَّف»

وعبر حياته الطويلة ألف الإمام عبدالرزاق مؤلفات عديدة كان لها آثار إيجابية في التراث العربي والإسلامي، ومن أبرز هذه المؤلفات كتاب الجامع الكبير، وكتاب السنن، وكتاب تفسير القرآن، وكتاب الأمالي في آثار الصحابة، ولكن كتابه «المُصنَّف» يعد من أهم مؤلفاته على الإطلاق، وهو أحد كتب الحديث عند أهل السنة والجماعة، وهو من أوائل كتب رواية الحديث في تاريخ الإسلام، وقد رتب أحاديثه على ترتيب أبواب الفقه، فقسم الكتاب إلى 31 كتاباً فقهياً متفرعة إلى أبواب، واشتملت على 19202 نص مسند، وبدأها بكتاب الطهارة، واختتمها بكتاب أهل الكتابين، ونظراً لأهميته الشديدة، فقد وصف الحافظ الذهبي هذا الكتاب بأنه «خزانة علم». ولم يقتصر المصنف على رواية الأحاديث المرفوعة فقط، بل روى أيضاً نصوصا موقوفة ومقطوعة، ولم يشترط الترتيب بينها. كما أكثر من رواية آراء شيخه الإمام معمر في المسائل التي ينقلها، ولم يشترط الصحة لرواية الأحاديث والأخبار، فروى الصحيح والحسن والضعيف، وتميز الكتاب بعلو أسانيده، فأغلب الأسانيد أتت ثلاثية.

تلاميذه

وتتلمذ على يد الإمام عبدالرزاق الصنعاني علماء وفقهاء كثيرون منهم معتمر بن سليمان، وأبو أسامة، وطائفة من أقرانه، وأحمد بن حنبل، وابن راهويه، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، وإسحاق الكوسج، ومحمد بن يحيى، ومحمد بن رافع، وعبد بن حميد، ويحيى بن جعفر البِيكَنْدِيُّ، ويحيى بن موسى خَتٌّ، والحسن بن أبي الربيع، وأحمد بن منصور الرمادي، وأحمد بن يوسف السلمي، وأحمد بن الأزهر، وسلمة بن شبيب، وإسحاق بن إبراهيم الدبري، وإبراهيم بن سويد الشبامي، والحسن بن عبدالأعلى البوسي، وإبراهيم بن محمد بن برة الصنعاني، وأحمد بن صالح المصري، وحجاج بن الشاعر، ومحمد بن حماد الطهراني، ومُؤمل بن إهاب.

وبعد حياة حافلة بالعطاء والتأليف والعمل في مختلف مجالات خدمة الإسلام وقرآنه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم توفي الإمام عبدالرازق الصنعاني باليمن سنةَ إحدى عشرة ومئتين من الهجرة.

 

المصدر: الاتحاد
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 105 مشاهدة
نشرت فى 20 إبريل 2013 بواسطة islammy7

إسلامي

islammy7
»

ابحث

عدد زيارات الموقع

180,034