على الفضائيات شرح الإسلام باللغة التي يفهمها الآخرون
رغم نجاح الفضائيات الدينية الإسلامية في تقديم وجبة ثقافية طيبة في شتى مجالات الدعوة الإسلامية، إلا أن دورها لا يزال منقوصاً، حيث دعا عدد من علماء الدين وخبراء الإعلام الإسلامي إلى ضرورة تزويدها بكوادر مؤهلة ومدربة، ولديها المعرفة الفقهية الكافية التي تمكنها من تناول أحكام الإسلام ونظامه وهديه الشامل بشكل يتلاءم مع متطلبات العصر ومستحدثاته.
أحمد مراد - نبه العلماء وخبراء الإعلام، إلى ضرورة أن تكون هناك فضائيات إسلامية تعمل على مقاومة شرور الإعلام المعادي للإسلام والمسلمين، الذي يباشر عملية تخريب واسعة النطاق لصورة الإسلام والمسلمين، ليس في الغرب فقط، ولكن في دول العالم الإسلامي أيضاً، من خلال نشر الأكاذيب والخداع والتضليل، وهو ما قاله أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر الدكتور محمد أبو ليلة في حديثه حول أن الفضائيات الدينية المنتشرة في عالمنا العربي وسيلة مهمة لنشر الثقافة والقيم والمبادئ الإسلامية والعلم الشرعي، لكنها لا تغني عن تحصيل العلم مباشرة من العلماء والدعاة والأئمة والمشايخ، حيث إن التلقي من العلماء والدعاة عبر الفضائيات الدينية لا يحقق شرط «المشافهة»، ورغم ذلك نجحت هذه الفضائيات في الدخول إلى المنازل، حيث تراها ربة المنزل، والمسن، والمريض، وصغار السن.
تحريف النصوص
وعن الأخطاء التي تقع بها بعض الفضائيات، حذَّر من الفضائيات الدينية التي تحرف النصوص، التي تجيد لغة الكلام الذي يحمل مضمونه أشياء خطيرة على عقائد الأمة، داعياً إلى أن تكون هناك رقابة جيدة على ما تبثه الفضائيات الدينية حتى نحمي المسلمين من التعرض للرسائل والمضامين المغلوطة، ففي الوقت الذي نرى فيه أهمية وخطورة دور القنوات الفضائية على المستوى العالمي، زادت غيبة الفضائيات الإسلامية عن ميدان الرأي العام الغربي، عندما اكتفت فقط بتوجيه خطابها باللغة العربية إلى العالم العربي معطية الفرصة لانفراد أعداء الإسلام بهذا المجال، يشهرون من خلاله بالإسلام ومبادئه السمحة وقيمه الأصيلة النبيلة، ولا نجد قنوات فضائية إسلامية تنقل صور مآسينا للعالم الذي ضلله الإعلام الصهيوني، حتى أصبحنا نحن الضحايا جناه في رأي مجتمعات العالم - كما تصورنا لهم هذه القنوات - وأصبحنا معتدين وإرهابيين.
وكل هذه الأمور وفقاً لما ذكره الدكتور محمد أبو ليلة جعلت من إنشاء قنوات فضائية إسلامية تتوجه إلى الغرب وتخاطب أهله بلغاتهم هدفاً منشوداً، يستوجب شحذ الهمم والجهود لإتمامه، وهو بمثابة واجب شرعي أشبه ما يكون بالصلاة الفائتة.
هوية القنوات
أما رئيس قسم الإعلام الإسلامي بكلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور جمال النجار، فيرى أن هناك أساسيات يجب إنجازها بالتوازي مع مرحلة بث القنوات الفضائية الإسلامية حتى يتسنى لها النجاح في مهمتها، ومنها تحديد هويتها، وبرامج عملها، وأهم الأهداف التي تقوم من أجلها، وإعداد كوادر إعلامية على درجة عالية من الكفاءة، ليس فقط لتقديم برامج هذه القنوات، ولكن أيضاً لتقوم بكافة مراحل العمل الإعلامي السابق على بث البرنامج، مشيراً إلى أن الإعلام الديني يجب أن يمارس دوره في إطار منهج التوسط والاعتدال، فخير الأمور الوسط لقول المولى عز وجل في كتابه العزيز: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً» أي أمة خير، ويقول جل شأنه أيضاً: «قال أوسطهم» أي أخيرهم وأعقلهم، والرسل أيضاً من أوسط أقوامهم نسباً أي خيرهم وأفضلهم نسباً.
الوسطية
وعن سبل مواجهة العنف والتطرف، قال: إن الوسطية خير الأخلاق، وبها نستطيع أن نقضي على التطرف والعنف الأمني والفكري، ومن جهة أخرى يجب على الإعلام الديني أن يدرس الجمهور المخاطب ويفهم طبيعة الرسالة التي يريدها هذا الجمهور، ويحدد الهدف المطلوب تنفيذه أو الوصول إليه من خلال برامجه مثل تغيير العادات والسلوكيات إلى الأفضل، وتصحيح الأفكار الخاطئة، والحقيقة أنه إذا أثر الإعلام الديني على المجتمع المتطرف في جزء من عاداته وأفكاره الخاطئة فهو ناجح، وإن بقى في حيز التطرف فهو فاشل.
ويرى أن الإعلام الديني الناجح عندما يؤدي رسالته بشكل صحيح، فإنه يدرس المجتمع المخاطب، ويعرف بيئته كي ينطلق من مفردات المجتمع ومن قواسمه المشتركة، فالإعلام في حد ذاته هو الرسالة، والقنوات الفضائية والصحف والمجلات ومواقع الإنترنت وسائل تخدمه، مشيراً إلى أنه من المهم تزويد الفضائيات الإسلامية بكوادر مؤهلة ومدربة، ولديها المعرفة الفقهية الكافية التي تمكنها من تناول أحكام الإسلام ونظامه وهديه الشامل بشكل يلائم متطلبات العصر ومستحدثاته، مع عدم الاعتماد فقط على ما يتم تدريسه في بعض الجامعات من مناهج إعلامية بعيدة كل البعد عن روح الإسلام وتعاليمه السمحة والابتعاد أيضاً عن اللعب بورقة الإثارة وتوسيع هوة الخلاف.
وعن كيفية تجديد الخطاب الديني أوضح أحد علماء الأزهر الدكتور منصور مندور أن الفضائيات الدينية الإسلامية ساهمت في تجديد الخطاب الديني، ودعمت جهود الدعوة الإسلامية في الداخل والخارج من خلال الاستعانة بالعلماء والمشايخ من جميع أنحاء الوطن العربي، بالإضافة إلى نجاحها في تقديم تجربة متميزة من خلال برامج متمسكة بالطابع الإعلامي الديني، ولكن حتى الآن نجاحها محدود، حيث لا زالت هذه الفضائيات تفتقر إلى عناصر الإبهار والتشويق التليفزيوني، كما لم يخرج قالب تقديم برامجها عن إطار الحوارات، في حين أننا نحتاج إلى تناول المادة من جميع الاتجاهات والأفكار من خلال المناظرات بين أصحاب الاتجاهات المختلفة والمذاهب المتباينة.
الدين والحياة
ولفت إلى ضرورة التفات مسؤولي القنوات الدينية الفضائية الموجودة بالفعل إلى تغطية كل جوانب الدين والحياة بالمعنى المطلوب، فلا تركز على موضوعات أو فئات سنية معينة، وتغفل جوانب أخرى كقضايا المرأة والطفل وكبار السن، كما أننا بحاجة إلى تقديم بعض البرامج الموجهة باللغات الأجنبية حتى تصل هذه الفضائيات لكل المسلمين في العالم، مشيرة إلى ضرورة أن يأتي على رأس أولويات الفضائيات الإسلامية، حماية الانتشار الإسلامي في الغرب وتعزيزه عن طريق تعزيز الوحدة بين صفوف الأقليات المسلمة هناك، والابتعاد عن مفاهيم التعصب المذهبي، والتمسك بالطريق الوسط الذي يؤكد أن الإسلام «دين الوسطية» ولا يرفض الانفتاح على المنجزات العلمية والتقنية، وكذلك التصدي للحملات المغرضة والسموم الإعلامية التي يبثها أعداء الإسلام والجاهلون به، ومن المهم أن تخاطب هذه الفضائيات شباب المسلمين الصغار في الغرب، فالعبء الأكبر يقع عليهم في التخلص من موروث الخلافات المذهبية، وشرح الإسلام باللغة التي يفهمها الآخرون.