<!--
<!--<!--
مقدمة الكتاب
القدس مدينة عربية الهوى والهوية . كانت مقر لأقدم وأشهر مباني وبيوت التعبد للأديان السماوية، وهي من دون عواصم العالم لم تحمل مورثاً دينياً بعينه، بل جمعت م تحت سماءها وروثات الأديان السماوية.
وهي تتعرض الآن لعملية إحلال ثقافي شديدة القسوة من خلال عملية التهويد الصهيونية ، والتي إعتمدت على إخفاء المعالم العربية للمدينة بمراحل متتالية يتم معها إستيطان سريع لليهود .
و إخفاء المعالم العربية يتم بهدم المباني القديمة بالمدينة وبناء مستعمرات بدلاً منها لليهود ، وبالتوازي يتم تضييق الخناق على الأهالى الفلسطينين في مساكنهم ، ليبدأوا مع الوقت في ترك مدينتهم.
إن التاريخ لن يغفر لنا ضياع القدس ، فهي تمثل جزء هام من الموروث العربي القديم . وهى نقطة الإرتكاز في الشرق الأوسط ، وضياعها مهانة للشعوب العربية ومرآة لضعف التعاون العربي .
لقد حافظت القدس على ملامحها العربية طوال تاريخها ، وهي الآن تضيع في أقل من ستون عاماً.
ولأن للقدس ملامحها وشخصيتها تشكلت عبر آلاف السنين ، فإن هناك أهمية في توثيق وتنمية الفلكلور الخاص بهذه المدينة ، بهدف المحافظة عليه واختراق المحافل والمراسم الدولية بالعروض الفنية والرقصات الشعبية والأزياء التقليدية التي تحمل ثقافة القدس وتذكر العالم بتلك القضية ..للوقوف أمام عمليات التهويد والتي بدأت في سيناريو لعزل المدينة عن موروثها العربي.
أن الفنون الشعبية ترتبط إرتباطاً قوياً بإظهار ملامح الشخصية المميزة لكل أمة، كما أن هوية الأمم هي قراءة للموروث التقليدي المحمل بالخصوصية والمعالم المميزة لكل ثقافة. لذا فإن توثيق الفنون الشعبية بالقدس هو ترسيخ لملامح الشخصية القومية المقدسية .
لقد بدأت عمليات الاهتمام بدراسة عادات الفلسطينين وموروثاتهم منذ القرن التاسع عشر ، وهي مستمرة إلى الآن بجدية وآخرها تجربة"ملتقى الشباب التراثي المقدسي"والتي تأسست عام2005 ، وهى تعمل على حماية التراث الشعبي الفلسطيني والمحافظة عليه.
إن العادات والمعتقدات والتقاليد تنعكس على فنون الأداء والعروض والآداب والفنون التشكيلية الشعبية لتعطي لفنون القدس تشكيلات هذه البوتقة التي عاشت فيها كل الأديان، ونشأت فيها المعتقدات جنباً إلى جنب لتمنح من مدينة القدس مدينة السلام والإيمان، مدينة الله حيث وهبها الله ملكات لم تكن لمدينة أخرى.. ولذلك لابد من توثيق هذا المخزون الضخم والذي سينتمي لتسامح الأديان وتعاطف البشر مع أنبياءه مجتمعين..
أما عن اليهود فإن لهم رؤية في الحفاظ على خصوصية ثقافتهم ، فهم يهتمون بإقتناء القديم الذي يؤكد على فنونهم أو الفنون التي ينسبوها لأنفسهم. فقد قامت إسرائيل بتأسيس الكثير من مراكز الدراسات الشعبية. وهم يحاولون شراء كل المنتجات المعدنية والخشبية والنسجية والحلي المرتبطة بالموروث الفلسطيني وأخذ الذي يخدم رؤيتهم وعرضه وطباعته وتسويقه كجزء من الموروث اليهودي، وهو يعتبر جزء خطير لمحو ذاكرة الشعب الفلسطيني.
ولم يكن غريباً أن تجد أزياء وحلي منسوبة لليهود موجودة ومنتشرة في متاحف العالم . فمثلاً مُثِلَت الكتابة العبرية في متحف الإنسان بباريس ولم تمثل اللغة العربية ،كما عرضت ملابس يهود الجزائر واليمن بمتحف كيب رالى الذى يعرض لأغلب ملامح الفنون التقليدية في العالم ،فهوتقصيرمن الإدارة الثقافية العربية والتي تحتاج لتنظيم ووضع خطة إستراتيجية متكاملة . فمع غياب الرؤيا القومية لمستقبل ثقافتنا العربية أصبح هناك صعوبة لنجاح أى محاولة فردية تخدم ثقافتنا العربية.
وعملية إختزال (جزء من كل ) في الثقافة خدمت اليهود الذين راحوا ينشئون المعاهد المتخصصة وراحو يقتنون ويوثقون المنتجات اليدوية التقليدية خاصة الأزياء وفنون المعادن خاصة الحلي وغيرها .
كما ننبه في هذه الدراسة لأهمية تبني رؤيا لرعاية التراث الحى للقدس قبل أن تأتي الأيام التي يُحكى فيها عن أهل القدس وكأنهم كانوا مرحلة من تاريخ المدينة وليسوا أهلها المسلوبين في حقوقهم وبيوتهم.
كما أهدف لإعادة الرؤية للموروث المقدسي بين ما هو أثري ويثير مخاوف إبادته وما هو حي ويجب الإهتمام بتنميته، لأننا نعيش مرحلة إنتقالية هامة في تاريخ التغير العالمي.
إن تنمية الموروث العربى المقدسي هو الحل المتاح مع المقاومة لوقف التهويد ، وهو ما يعني أن الفلكلور المقدسي قد يكون هو صاحب البوق الإعلامي لتلك القضية، وهو أفضل وسيط للتعبير عن قضية المدينة ، بالإضافة لكونه جزء هام من خصوصية المدينة وشخصيتها الحضارية ، وهنا يصبح الحفاظ علي الموروث المقدسي هدف قومي.
أتمنى أن يتم التعاون في المستقبل بين الأكادميين العرب و شباب الباحثين المقدسيين ورعاياتهم حتى يُؤهلوا للقيام بدورهم التاريخي في حفظ موروثهم، ولنبدأ في إعادة الرؤيا للموروث العربي من منظور التكامل والتنوع الخلاق.
د.إيمان مهران
المعادي_ يوليو _ 2009
[email protected]