بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين المبعوث بالحق هدى ورحمة للعالمين
صلى الله عليه وسلم
***
الآن مع الحديث النبوي الشريف .. ربما فتح الله علينا بابا نتعرف فيه على الصبر الجميل ..
يا غلامُ أو يا بُنيَّ ألا أُعلِّمُك كلماتٍ ينفعُك اللهُ بهنَّ ؟ فقلتُ بلَى ، قال : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه أمامك ، تعرَّفْ إليه في الرَّخاءِ يعرِفْك في الشِّدَّةِ ، وإذا سألتَ فاسأَلِ اللهَ ، وإذا استعنتَ فاستعِنْ باللهِ ، جَفَّ القلمُ بما هو كائنٌ ، فلو أنَّ الخَلقَ اجتمعوا على أن ينفعوك أو يضرُّوك بشيءٍ لم يقْضِه اللهُ لك لم يقدروا عليه ، واعمَلْ للهِ بالشُّكرِ في اليقينِ ، واعلَمْ أنَّ النَّصرَ في الصَّبرِ . تعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاءِ يعرِفْك في الشِّدَّةِ ، واعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ على ما تكرهُ خيرًا كثيرًا، واعلَمْ أنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ ، وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا
الراوي عبد الله بن عباس.
إذا سنعيش الحديث خطوة بخطوة :
احفَظِ اللهَ يحفَظْك
أول مراحل الصبر .. أن نحفظ الله في أنفسنا فلا نطيعها في حرام.. وأن نحفظ الله في أفكارنا فلا نلوثها بأفكار من سلة المهملات ( شيطانية سلبية ).. وأن نحفظ الله في قلوبنا فلا نشرك في طاعته أحدا .. وكل هذه المسائل تحتاج إلى صبر وصلاة ودعاء ..
احفَظِ اللهَ تجِدْه أمامك
وهذه هي النتيجة الحتمية .. أن نجد الله دائما معنا يعيننا ويحفظنا ويفهمنا ويربينا ويعلمنا .. والوسائل متعددة بتعدد الشخصيات والعقائد والأفكار .. فمثلا المصلي الذي ينظر إلى الحرام .. إن كان مستهترا بدين الله فإن وسيلة تقويمه وتربيته وإصلاحه تختلف عن الذي تغلبه عينه ولكنه سريعا ما يعود إلى غض البصر.. أعد قراءة الحديث لكي نواصل لو سمحت:
تعرَّفْ إليه في الرَّخاءِ يعرِفْك في الشِّدَّةِ
حالة الرخاء وصفها لنا ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا في كثير من الآيات، لم يترك المولى عز وجل حالة رخاء واحدة بغير أن يصفها لنا وصفا رائعا يأخذ لب الإنسان وفؤاده .. نذكر منها حالة في منتهى القوة والخطورة:
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا
وهنا نرى بوضوح حالة الرخاء وحالة الشدة في الإنسان، فالذي يقول ربي أكرمن يقول له الله تبارك وتعالى كلا .. أنت خاطئ .. لقد اعطيتك المال لتكرم اليتيم وتأمر أهلك وعمالك بإطعام المسكين .. وهذا معناه أن نتعرف إلى الله في الرخاء .. والنتيجة هي أن يحفظنا ربنا من هذا الشعور بقلة الحظ أو الإهانة .. أي يعرفنا ويحفظنا في الشدة، وكل هذه المسائل تحتاج منا إلى صبر وصلاة ودعاء ..
وإذا سألتَ فاسأَلِ اللهَ ،
وهذه من أكبر المسائل التى تحتاج منا إلى صبر كبير .. وتحتاج منا علما ومعرفة بالدين وبالله العلي العظيم.. لأننا إن سألنا غير الله نكون مثل المريض الذي يذهب للمشعوذ أو الساحر بدلا من الطبيب..
وإذا استعنتَ فاستعِنْ باللهِ
هنا يجب علينا على الفور أن نلبي نداء ربنا حيث قال تبارك وتعالى :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ
وهذا هو ثاني نداء من الله للذين آمنوا .. وفي درس سابق تكلمنا عن مفاتيح الصبر والصلاة والتى تتمثيل في الآيات التى سبقت هذا النداء ..
جَفَّ القلمُ بما هو كائنٌ ، فلو أنَّ الخَلقَ اجتمعوا على أن ينفعوك أو يضرُّوك بشيءٍ لم يقْضِه اللهُ لك لم يقدروا عليه
والآن لدينا هنا وثيقة تأمين وضمان اجتماعي وكارت أخضر وحصانة إلهية تشمل كل الحصانات التى عرفها البشر، وهذا كله معناه أننا بالله في غنى عن كل من سواه .. وأننا بالله أغنى الناس وأقوى الناس وأفضل الناس على الإطلاق.
واعمَلْ للهِ بالشُّكرِ في اليقينِ
وهنا أتذكر الآية الكريم ((اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)) أي أن الشكر ليس باللسان وكفى ولكن بالعمل الدؤب بغير فتور ولا انقطاع وهذه هي آفة المتخلفين عن الركب والتطور.
واعلَمْ أنَّ النَّصرَ في الصَّبرِ
أول مرة في حياتي أسمع هذه العبارة القوية والعميقة .. النصر في الصبر .. يا سبحان الله .. ربما المعنى هو أننا عندما نصبر سننتصر على أنفسنا والشياطين .. سننتصر في كل موقف نحتاج فيه للنصر .. إذا الآن قد عرفنا قيمة الصبر وكم هو جميل .. لأنه لا يوجد في العالم كله أجمل من الشعور بالنصر ...
واعلَمْ أنَّ في الصَّبرِ على ما تكرهُ خيرًا كثيرًا
وهنا لن نُحصي الخير الكامن في الصبر .. ومن أهم هذه الخيرات ماجاء في كتاب الله على لسان لقمان وهو ينصح ابنه فقال :
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
وقال أيضا تبارك وتعالى:
وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
وهنا نجد أن التقوى لا تكون إلا مع الصبر .. ومواجهة أي أمر من أمور الحياة تحتاج لصبر وعزيمة قوية وقول سديد.
وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ
وهذه مرتبة أخرى رفيعة جدا ودرجة من الدرجات العلا .. أن نستطيع أن نغفر .. لن يكون لنا ذلك أبدا إلا بالصبر وكظم الغيظ .. ثم العفو الذي يذهب بغيظنا ويجعله كفقاعة هواء تذوب وتختفي سريعا.
ساحة النقاش