بسم الله الرحمن الرحيم
اليوم إن شاء الله نحن مع النداء الثامن وما يدعمه من وصايا رب العالمين لعباده المؤمنين:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152)
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
والآن مع مقدمات وحيثيات النداء الثامن حيث يأمرنا الله تبارك وتعالى فيه بأن يكون كل عملنا وما ننفق خالصا لوجه الله الكريم:
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
الآن سنعيش مع مقومات الشخصية الربانية النورانية، ومحاولة ربطها بالوصايا كل فيما يخصه، برجاء المتابعة فالموضوع خطير ومهم، فهو ينقلنا من نداء من الواحد القهار إلى وصية عزيزة جليلة منه سبحانه وتعالى:
مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)
تخيل صورتك الذاتية وأنت تنفق في سبيل الله، الملائكة المكلفين بك يسعدون ويفرحون بك لأنك حققت أفضل ملامح شخصيتك وصورتك الذاتية، وكأنك رجل يساوي سبعمائة رجل عند الله. بشرط أن يكون كل عملك في سبيل الله.
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
أجعل نفقتك سواء كانت من مالك أو من علمك أو من حلمك أو من صبرك خالصة لوجه الله تعالى، ستشعر بعدها بالأمن والآمان ولن تحزن أبدا بإذن الله.
قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)
القول المعروف، لابد من أن يتبعه مغفرة، وهو شيء واجب على كل من أحب الله ورسوله أن يتدرب عليه، سيسوق لنا ربنا اختبارات من هذا النوع لكي تقوي فينا هذه الصفة بالتدريب على كظم الغيظ ثم العفو عن الناس فيغنينا الله بفضله عنهم ويهب لنا من حلمه سبحانه وتعالى حلما يعيننا على مواصلة المسيرة الأخلاقية.
ما سبق هي مقدمات النداء الثامن، والآن سنلبي نداء ربنا ونربطه بوصاياه فبها تكتمل صورتنا الذاتية الأخلاقية سرا وعلانية.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ
الوصية تقول لنا:
أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا
هنا يأمرنا ربنا تبارك وتعالى بالإخلاص له وحده، فمن أهم صفات عدم الشرك بالله أن يكون العمل خالصا لوجهه الكريم، أي لا نبطل العمل بالمن والأذى.
الآن سنستعرض سويا الفئات التى نتعامل معها من الناس حسب وصايا ربنا الرحمن المستعان.
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
لا تشعر والديك أنك تمن عليهم بإحسانك، ودليل هذا هو عدم أمتعاضك أو عبوسنا عندما يأمروننا بما لا نحب، أو عندما نسمع منهم ما لا يروق لنا.
وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ
عندنا في مصر سمعت بعض الأباء يعنف أولاده بأن يقول له كلام يقتل فيه شخصيته ويؤثر بشكل قوي على معنوياته .. وهذا هو القتل والمن والأذى.
وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ
ما بطن من الفواحش هو سوء ظنك بالناس أو أن تضمر لهم سوءا، والظاهر من الفواحش هو الأذى الذي تحمله الكلمة، خاصة بعد أن عرفنا أن الله تبارك وتعالى قد قسم الكلام كله إلى طيب وخبيث.
وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
القتل له صور متعددة، فقد نقتل شخصا باتهام باطل ليس فيه، وقد نقتله بأن نغتابه أو ننعته بصفة أو بتهمة هو برئ منها، بأن نمن عليه ثم نؤذيه.
وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ
كرامة الإنسان تكمن في فكره،عندما تكون أفكارنا نابعة ومستخلصة من وصايا ربنا فإننا نكون قد ارتقينا إلى المستوى اللائق بالمؤمنين. فإن كنت غنيا فاستعفف، وإن كنت فقيرا فلنأكل بالمعروف.
وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
الوفاء بالكيل والميزان يعتبر صدقة كبيرة جدا لا تتبعها بمن أو أذى فتفقد أجر صدقتك وأجر وفاءك بالكيل وأجر صدقك مع الله تبارك وتعالى.
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى
عدلنا وصدقنا فيما نقول يعتبر كلمة طيبة تصعد مباشرة إلى العزيز الحميد فإليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه، فلنحافظ على كل ذلك بعدم المن والأذى.
وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا
مزيدا من بناء الشخصية السوية المؤمنة في رحاب وصايا ربنا ونداءاته، فإذا ما وفينا بعهودنا فلنحافظ على ذلك بأن لا نتبعه بمن أو أذى، وكثيرا ما يحدث هذا دون أن نشعر، فتجدنا نمزح بكلام فيه شيئ من المن يؤذي مشاعر من وفينا إليه بالعهد.
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ
ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
وكل ذلك هو صراط ربنا المستقيم، سواء في نداءته أو وصاياه، لذلك علينا أن
نأخذ ما آتانا الله بقوة ، فقد خصص لنا ربنا حملة العرش ومن حوله ليستغفرون للذين آمنوا:
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ(7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ .
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واعتق رقابنا من النار، وآتنا خير ما أعددته لنا في هذا الشهر الكريم، وقوي فينا الإيمان بالله وحده وزدنا علما وهدى وتقوى ثم آتنا ما وعدتنا بالنصر على أعداءنا أعداء الدين الذي غلبوا وتفوقوا على كل الفراعين، وماهذا إلا لتفريطنا في جنب الله فاغفر لنا ذلك يا كريم …
تبنا إليك ربي وإليك أنبنا وعليك توكلنا فأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، وصل اللهم وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين الذي بعثته بالحق هدى ورحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم .
والحمد لله رب العالمين
ساحة النقاش