نادي العضلات الإيمانية للقراءة والتنمية

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } هذا ما سوف نحاوله

(2)

قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ

أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا

بسم الله الرحمن الرحيم

وقفنا في اللقاء السابق عند النداء الأول، وعرفنا وتأكدنا أن من دواعي إخلاص الدين لله وحده وعدم الشرك به، تلبية نداءاته التأسيسية في سورة البقرة، وعرفنا أن المدخل الصادق إلى عبادة الله تبارك وتعالى على مراد الله كان في التحلي بأول الأخلاق الواردة في النداءات وهو خلق اللسان، حيث قال الله تبارك وتعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ

كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ "

واليوم إن شاء الله سنعيش مع النداء الثاني، الذي قرن فيه ربنا تبارك وتعالى الصبر مع الصلاة، ولكننا سنبدأ بما بدأ به الله تبارك وتعالى قبل النداء، وذلك لنمهد أنفسنا وندرب عقولنا وقلوبنا وألسنتنا على كلمات الصبر والذكر لكي نتمكن من تذوق حلاوة الصبر عندما نقيم الصلاة التى قال عنها علماءنا الكرام أنها معراج المؤمن.[ بل هي الترمومتر الطبي الذي يبين لنا كيفية أقبالنا على الله هل نقبل بلهفة وحب ونشاط، أم !!!!!! ] .

فدققوا معي بقلب مفتوح وحس مرهف وعقل متحفز كالفرس في حلبة السباق، أو كالطير يضرب بجناحيه ليحلق في سماء الحقائق الربانية مثل هدهد سليمان عليه السلام:

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

هل حضرتك جاهز لننطلق معا في معاني كلمات النداء الثاني والتي بدأها ربنا بتذكيرنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي ظل يدعو الناس في مكة 13 عاما ليوحدوا الله ولا يشركوا به شيئا ؟ … إذا هيا بنا:

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ

وهنا يذكرنا ربنا ببداية الدعوة إلى الله، دعوة التوحيد، يذكر شباب الإليكترونيات، وموجات التقدم التكنولوجي والفكر الحر والمتضارب، وأسئلة كبيرة جدا نواجهها في هذا العصر، فيذكرنا ربنا بالأيام الأولى للإسلام، عندما وحد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الدين والحياة، فليتنا نعيش معاني الكلمات بقلب مفتوح وعقل محرر فربما وجد أحدنا ضالته وتبددت حيرته:

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا

عندما نقرأ القرآن ونتدبر معانيه، سنشعر بفطرتنا السليمة وعقلنا الواعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا يتلو علينا آيات الله، وكأني بالله عز وجل ينبهنا بأنه لابد لنا من هذا الإحساس [ إحساس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منا وفينا يتلو علينا آيات الله ] لكي نتعلم ونعي ونعيش بروح القرآن.

وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

هذه التزكية نحن في حاجة إليها الآن، ولن تكون أبدا إلا إذا ألتصقنا بكتاب الله، ودرسنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعناها، وهذا نجده واضحا في حديث رسول الله الصحيح عندما قال:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :

" لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا "

هذا الحب تنبت شجرته في قلوب الموحدين بالله، المتعلقين بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يبذل جهده وعمره لمرضاة الله والإبتعاد قدر المستطاع عن الشرك به، هذا الحب هو نور ونور الله لا يُهدى لعاصي.

وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ

إذا سنتعلم من القرآن ما شاء الله أن نعلم منه إذا ما أخلصنا لله الواحد القهار، فكل معنى جديد نستنبطه من كتاب الله فهو علم يقربنا من الله أكثر وأكثر، وهو علم يدعم أعمالنا النابعة من عقيدتنا القوية الخالية من الشرك، فتصبح كل أعمالنا خالصة لوجه الله الكريم. وفي هذا يحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:[" إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا ، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ "].

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ

وهنا نصل إلى قمة التوحيد، هنا سنجد مؤشر الإخلاص الذي يسير في خط متوازي مع التوحيد، وسنجد ذلك واضحا وبالتفصيل في الآيات التالية فتابعونا رحمكم الله وبصبر جميل:

قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ۖ فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

[ الأعراف 70 ]

كثير منا الآن يعيش حياته حسب ما نشأ عليه في أسرته، وهي البرمجة الأولى التى تلقيناها من الأسرة والمجتمع والمدارس والجامعات والأصدقاء ووسائل الإعلان. تماما مثلما كانت قريش، بأفكار وعادات وتقاليد الجاهلية الأولى.

وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ

[ 45 الزمر ]

الإيمان بالآخرة هو الفيصل، فنجد معظمنا يشمئز من ذكر الموت لأنه يذكرنا بالآخرة، وذلك لجهلنا بما عند الله من خير عظيم وفوز كبير ونعيم مقيم، أما إذا ذكرت التكنولوجيا والمسلسلات ولاعبي الكرة والأفلام فكثير منا ليس فقط يستبشر ولكن يسعى جاهدا للمشاركة في متعة زائفة تلهينا عن ذكر الله.

ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ

[ غافر 12 ]

هذه تحتاج منا لوقفة طويلة، نتدبر فيها أمور حياتنا، ونرى بعين يقظة حالنا وحال قلوبنا عندما نعمل وعندما ننام وعندما نتحرك في الحياة، هل نجد الله وحده في قلوبنا وعقولنا؟ الإجابة سنراها واضحة في حالتنا التى نقبل فيها على الصلاة، هل بحب ونهم ولهفة في اللقاء؟ أم بسرعة من يريد الخلاص من واجب عليه أداءه؟ أم بتراخي وتكاسل؟ أم بسرعة الخطى إلى المساجد؟

فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ

[ غافر 84 ]

وهنا يجب علينا أن نحمد الله أن جعلنا نرى بأسه في حياتنا الدنيا حتى نتعظ ونرجع إليه قبل فوات الآوان، فالإيمان يكبر ويترعرع إذا ما رويناه بالإخلاص لله وحده، بأن نخلص له الوجه والدين.

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ

[ الممتحنة 4 ]

ولا نملك إلا أن نقول سبحان الله العلي العظيم، فكلمة الله وحده جاءت فقط في الآيات السابقة والتى تعادل عدد الصلوات الخمس. ثم ختمها ربنا تبارك وتعالى بسيرة سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي سمانا المسلمين. وهو رمز التوحيد فنادرا ما ذكر اسمه في كتاب الله بغير أن يذكرنا ربنا بأنه لم يكن من المشركين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ

[ آية رقم 153 سورة البقرة( النداء الثاني )].

الآن عرفنا أن الصبر يحتاج للتصبر باتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستحضاره في قلوبنا عندما نتلو القرآن، ويحتاج الصبر أيضا إلى أن نطهر أنفسنا من كل ما سوى الله، كما يحتاج لذكر الله ذكرا كثيرا وشكر نعمته وعدم الكفر به والعياذ بالله.

وكل ما سبق مجتمعا هو ما تحتاجه منا الصلاة لنقبل على الله بصبر وخشوع موحدين ذاكرين مسبحين لنكون ممن قال الله تبارك وتعالى فيهم:

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا

كل هذه الصفات مجتمعة هي التى نحتاجها لكي لا نشرك بالله شيئا، ولكي نستطيع أن نصحح مسارنا في الحياة، ولكي لا نواجه الشرك وقد تأصل في أفكارنا وعشش في ذاكرتنا وتأصل في عاداتنا اليومية عندما نستلم كتابنا يوم لا ينفع مال ولا بنون.


لقاءنا القادم إن شاء الله سيكون مع النداء الثالث الذي يدعم الإخلاص لله وعدم الشرك به، فكلما طهرنا أنفسنا من الشرك كلما خسأ الشيطان وتضاءل وانكشفت حيله اللعينة أمامنا.


ونداءنا الثالث الذي سندعم به إخلاصنا لله رب العالمين هو:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ




























  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 54 مشاهدة
نشرت فى 22 يونيو 2015 بواسطة ibrahimelmasry

ساحة النقاش

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

249,423

Ahmed Ibrahim

ibrahimelmasry
إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6)[ سورة يونس]. لنا في كتاب الله آيات وفي أنفسنا وفي الناس وفي الأحداث والأقدار وفي الأيام والليالي وفي قلوب الناس وأحوالهم، وفي السماء والسحاب والنجوم .. آيات إذا ما انتبهنا إليها وقرأناها فهي من »