الكلمة وتأثيرها في حياة الإنسان
الخميس 7 مارس
***
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)
{ أول نداء وأول أخلاق القرآن }
الكلمة وتصنيفها من العلي العظيم الذي خلق الإنسان علمه البيان
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) إبرهيم.
ثم نجد في نفس الآية المكافئة العظيمة من العلي العظيم، تابع معي رحمك الله
يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (27)
إذا أخي في الله، لو حسنت كلامك، واتقيت الله فيما تقول وتفعل، كان ثوابك من الله أن يثبتك بالقول الثابت، والقول الثابت هو الحقيقة الثابتة مثل لا إله إلا الله ، والقول الثابت هو كل كلمة طيبة ترضي الرحمن، والقول الثابت هو الحكمة البالغة البالغة، والقول الثابت يسكن القلوب الطاهرة النقية التقية، والقول الثابت نافذ ومطاع، والقول الثابت هو ما يصبو إليه كل حكيم.
نصيحة في غاية الأهمية:
وجب عليك أخي في الله أن تحفظ هذا النداء لكي يساعدك في تقربك إلى الله، وفي تطهير قلبك وعقلك وذاكرتك من حشو الكلام الذي لا يدل إلا على توافه الأمور، وهو ليس طيبا..
ففي الدرس الأول والثاني عرفنا أن الله تبارك وتعالى قد قسم الكلام كله إلى طيب وخبيث ولا ثالث لهما، وعندما نقوم بخلط الطيب مع الخبيث أصبح الشيء كله خبيث..
هنا بتتبعنا وبفهمنا لهذا النداء الأول، والذي وضع لنا فيه المولى تبارك وتعالى أول أخلاق القرآن، التى كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنحاول أن نمتنع أولا عن النطق بأي كلمة فيها شبهة خباثة، وهذا معناه أننا سنبتعد ولا نقترب من الفواحش ما ظهر منها وما بطن...
لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه
لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيملسانه ، ولا يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه
الراوي: أنس بن مالك المحدث:الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم:2554
خلاصة حكم المحدث: حسن
والآن سنعيش مع بعض الحوارات القرآنية السلبية والإيجابية.. حتى نلمس بأنفسنا نتيجة الكلام الخبيث، وأثر الكلمة الطيبة عندما يتفوه بها من آمن بالله قاصدا وجهه الكريم:
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة.
أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
أول مصيبة وقع فيها الشيطان، عندما أمره ربه بالسجود، فأبى واستكبر، أول مصيبة هي الإستكبار الذي يجعلك تأبي أي ترفض أي أمر حتى ولو كان في صالحك..
ومن الآية التالية سنعرف مادار في نفس الشيطان الرجيم...
قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) الأعراف
أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
فكر، ثم قارن، ثم بحث وحلل، وربما تسرع فقرر، ثم قال كلمة الكفر والعصيان، وهذا هو السلاح الذي يستخدمه ضدنا نحن البشر..
قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (62) الإسراء
لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا
الله يجازيه عنا كل خير الدكتور محمد هدايا، لقد شرح هذه الآية شرح لغوي وشرح قرآني قوي جدا، قال يحتنكن { من الحنك } وهي تلك القطعة الحديدية التى يضعها الفارس في حنك الحصان ليتم التفاهم بينه وبين فرسه، فبمجرد أن يعطيه إشارة عن طريق اللجام والحنكة التى في فمه يفهم الحصان أو الفرس غرض صاحبه، فيدور يمينا أو يسارا أو يكف عن الحركة...
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم.
وهذا هو ما يفعله الشيطان معنا والعياذ بالله من الشيطان الرجيم، هل رأيتم، كيف تنصل الشيطان الرجيم من أولياؤه الذين اتبعوه؟ قال : { وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ }، ولكن كيف يدعو الشيطان ضحاياه؟
إنه يقدم لهم الفكرة البراقة، ذات البريق اللامع، والتى تناسب هوى الضحية، تحب المالي فيأتيك بالحيل للحصول عليه، تحب الجمال فيلفت نظرك لكل جميلة تمر بجانبك فتزني بعينيك أولا وقد يتطرق الأمر إلى أكثر من ذلك، وإن كنت تحب السلطة فيزين لك أصدار الأوامر والتحكم في الناس حتى تقع في القسوة والغلظة والظلم، الشيطان يدعو ضحاياه بأن يقدم لهم الأفكار الخبيثة.. التى هي أصل الكلام.. فكل كلمة كانت في الأصل فكرة..{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ }. كل كلمة كانت في الأصل فكرة.
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله، لكي تعرف الفارق بين وسوسة الشيطان وسوسة النفس، فإن الشيطان يوسوس لك بفكرة معينة، عندما ترفضها يأتي لك على الفور بفكرة اخرى، فقد يوسوس لك بالسرقة أو الرشوة وأنت بطبعك أمين فترفض، فيأتيك بما تحب وتهوى ويوسوس، ثم لا ييأس كلما رفضت فكرة خبيثة جاءك بأخرى حتى تصيب فيك نقطة ضعفك.. والحل في مثل هذه الحالة هي قول الله عز وجل:{ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)الأعراف }.
أما النفس فهي إذا أمرتك بمعصية فإنها تصر عليها، ولا تبرح حتى تقع فيها، وتستعمل في ذلك كل الحيل وتمكر مكرا قد تزول منه الجبال، مثلما فعلت إمرأة العزيز مع سيدنا يوسف عليه السلام. الحل هنا هو دعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: { اللهم فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه}.
وهناك آية ينصحنا فيها ربنا بالطريقة المثلى التى تجنبنا الوقوع في مثل هذه المصائب، يقول المولى تبارك وتعالى :
وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
قبل أن ندخل في نزغ الشيطان، فلنتدبر أمر الله لنا، بأن نقول دائما التى هي أحسن، أما عن لماذا، فهذا ما سوف نفهمه من تكملة الآية:
إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) الإسراء
ينزغ بينهم، دائما هو بين الناس، ينزغ بمعنى يشير إليه بشيئ معين خبيث مثله، ولكنه من كثرة إلحاحه وتزيينه للمعصية فيقع ذلك على ضحيته كالنزغ الذي يصيب المريض عندما ينزغه الألم، وذلك ليوقع بين الناس..
أخي في الله اليس هذا ما يحدث بيننا دائما، فيوقع الشيطان بيننا وبين أقرب الناس إلينا؟ كن صريح مع نفسك وقبل أن تنطق بالكلمة من غضب الله والتى هي من نغز الشيطان، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ..
وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي
لقد وضع الله تبارك وتعالى في سورة يوسف كل طبائع البشر، وكل ملكات النفس وغرائزها، وإن أردت أن تعرف نفسك على حقيقتها فاقرأ سورة يوسف مرات ومرات حتى تكتشف أي نوع من أنواع النفوس تلك التى تعيش بين جنبيك.
تمرين هذا الدرس هو الإستغفار، عندكم على هذا الرابط في عمرو خالد دروس غنية جدا عن الإستغفار، إن أراد أحد من حضراتكم نسخها ونقلها هنا في منتداكم الموقر:
http://forum.amrkhaled.net/showthread.php?536340-%CF%D1%E6%D3-%E3%E5%E3%C9-%E1%E1%DB%C7%ED%C9
استغفروا الله حتى تسكن كلمات الإستغفار قلوبكم وعقولكم وتطرد من ذاكرتكم الكلمات الخايبة، التى تغضب ربكم، وتذكروا أننا سنعمل دائما على ثلاثة محاور رئيسية وهي:
العقل.. الذاكرة..التقوى{ سندخل على تقوى الله بعد تجهيز عقولنا وتطهيرها من كل ما سوى الله وكذلك ذاكرتنا}.نفعل ذلك تمهيدا للحصول من العلي العظيم على أعلى شهادة في الكون، شهادة أننا عاقلون.وذلك بعد تطبيق بعض النداءات التى وضع الله بها الأخلاق التى يجب أن نكون عليها حتى نستطيع أن نطبق وصاياه التى قال في أول خمسة منها:
قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) الأنعام.
وحتى لقاءنا في الدرس القادم إن شاء الله استودعكم الله آماناتكم ودينكم وكلامكم الطيب.. وأدعوه أن ييسر لك حفظ هذا النداء المبارك من الله والعمل به ..
اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، واخرجنا برحمتك من ظلومات الجهل والظلم إلى أنوار العلم والمعرفة.. وزدنا اللهم علما وإيمانا وهدى وتقوى.. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين .
ساحة النقاش