<!--<!--<!--
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
لا زال إحساسي قويا بأن هناك من لم يفهم المعنى الكامل للنداء، فقد جاءتني ردود من بعض إخواني تدل على ذلك..
يقول فضيلة الشيخ الشعراوي رحمه الله مفسرا لهذه الآية الكريمة.. أن الله سبحانه وتعالى لم يقتحم بالتكليف على من لم يؤمن به، ولكنه ينادي من وقع عقد الإيمان مع الله ليعطيهم المنهج اللازم لعبادته سبحانه..
هذا ومن جهة أخرى أنا لم أتصور أن يعمل شخص في شركة ثم لا يلتزم بأوامر صاحب الشركة.. أنت وقعت عقد الإيمان مع الله سبحانه وتعالى، وهاهو المولى عز وجل يناديك،.. أول نداء نستخلص منه الركيزة الأولى للإيمان، وهو أن يدخل جميع المؤمنين تحت راية الإيمان.. فيكونوا كالجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى..
هناك من يقول وماذا نفعل إذا كان هذا هو حال الدنيا؟ ...
والإجابة موجودة في قرآن يتلى إلى يوم الدين...
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) الأنفال.
الوصول إلى هذه المرحلة من الإيمان.. التى فيه توجل قلوبنا إذا سمعنا آيات الله.. تتطلب ما قد يسره لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الجامعة والبليغة والتى لا تخلو من الحكمة والموعظة الحسنة:
حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(فوالذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده).
حديث بليغ.. كامل وشامل .. إنه صلى الله عليه وسلم يقسم بالله، أن علامة الإيمان أن يكون هو صلى الله عليه وسلم أحب إليك من والدك وولدك، وفي حديث آخر ومن الناس أجمعين..
هل تحب رسول الله ؟؟ ما علامة حبك للرسول؟ هل تشعر بشوق إليه؟ هل قرأت سيرته العطرة؟ هل تمنيت لو ولدت في عصره حتى تراه؟
أم هو صلى الله عليه وسلم في رأسك كمجرد معلومة مخزونة في ذاكرتك..نعم يا أخي إن هذا ما حدث مع كثير منا، وأنا أولهم.. في أول عهدي بالإسلام.. كان كل شيء عن الإسلام هو مجرد معلومات.. وكنا من جهلنا كان إهتمامنا بهذه المعلومات عن الدين وعن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتعدى حفظها لمواجهة الإمتحانات والأسئلة..
وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فطن لهذه المسألة فقال لنا في حديثه الشريف:
أخبرني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنسا، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار).
علامة الإيمان أن يحدث في قلبك شغف، وأن يحدث في قلبك حب، فلو أنت أحببت رسول الله صلى الله عليه وسلم ستجد نفسك تحب الأنصار... لأنهم آووه ونصروه وضحوا بكل ما هو نفيث لديهم لكي يصل إلينا الإسلام قويا نقيا خاليا من كل شائبة..
فالإيمان هو وجد في القلب.. شعور يجعلك لا ترى إلا ما به تؤمن.. فمهما رأيت من عظماء البشر سيكونوا جميعا تحت مستوى حبك لرسول الله ولأصحابه ولأنصاره..
حبك لأبيك ولأمك وأخيك هو الدافع الحقيقي الذي يجعلك مطيعا لهم فيما يرضي الله، ويجعلك تقومهم بالدعاء لهم إذا ما رايت منهم إعوجاجا..
ثم نأتي إلى مربط الفرس في موضوعنا .. الذي هو موضوع الساعة وقضية العصر.. وهو إنما المؤمنون أخوة... كيف ندخل في زمرة المؤمنين لنلبي نداء الرحمن لعباده الكرام؟
هذا سؤال يجب أن يسأله كل منا لنفسه، ثم يبحث عن الإجابة، أما عن الإيمان فعندنا الآية التى تحدده لنا بوضوح تام { أولائك هم المؤمنون حقا }، وأما عن كيفية تحقيقه فهو أن تبدأ بحبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا لن يكون إلا إذا عشت سيرته العطرة لحظة بلحظة، لقد ظل صلى الله عليه وسلم 23 سنة وهو يكابد ويكافح ولم يهدأ له بال حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة...
إن نداء الرحمن لمن به آمن هو من حيث البداية.. نداء ليجتمع كل من آمن بالله كصعيد قلب رجل واحد.. يلبي ويستمع لنداء ربه..
حدثنا قتادة عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).
وهذه علامة أخرى من علامات الإيمان... والعجيب أنني عرضت هذا الحديث على بعض الناس.. ولم يسألنى أحد منهم كيف أحب لأخي ما أحب لنفسي..
ومع ذلك فالإجابة سهلة للغاية.. وهي تبدأ بسؤال.. هل تحب الجنة ؟ نعم أحب الجنة.. إذا فعليك أن تحب ذلك لأخيك.. أي عليك أن تتمنى إن يكون رفيقك في الجنة.. فتقدم له كل ما يعاونه على ذلك، وتقومه وتعينه على الخير.
قيل أن الشيئ بالشيئ يذكر... ولولا الظلام ما عرفنا قيمة النور.. فهيا بنا نستدل بآيات ربنا لعلنا نهتدي
أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)السجدة
هنا عرفنا أن الفسوق عكس الإيمان... فما هو الفسوق؟ : تجيبنا الآية الكريمة بإذن الله :
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) التوبة
المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض ... إذا لا تصاحب إلا مؤمنا صادقا... ودليل صدق الإيمان نجده في كتاب الله الذي لم يفرط الله فيه من شيئ:
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) السجدة.
أقسم بالله إنني وضعت نفسي وقلبي تحت المنظار الدقيق لكي أنتبه عندما أصل إلى تلك الحالة.. أن أخر ساجدا لله.. وقد طالت حالة المراقبة هذه سنوات طويلة من عمري .. وأنا أجتهد.. أمل فأعود.. يفتر أحساس فأعود.. وهكذا حتى عرفت السر..
والسر الكبير يكمن فيما لدينا الآن من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم..
لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما
لكي أصل إلى تلك الحقيقة قد دفعت سنوات طويلة من عمري أتنقل فيها بين القلوب.. واهما أن هناك في الآرض ضالة الخلق مما أطلقوا عليه لفظ الحب... ولم أجد في كل القلوب التى عشت فيها، والتى قرأت لها، والتى سمعت عنها، غير حاجتنا للحب..
فقد غشونا وأضلونا عندما قالوا عنها أنها الحب..فكل ما تشعر به تجاه الآخرين ممن تعتقد أنك تحبهم، ليس إلا حاجة فيك للحب.. حاجة قد وضعها الله سبحانه وتعالى في قلبك لتعود إليه محبا.. وليس لتنفقها وتحطمها وتدمرها في قلوب من تتوهم فيهم الحب..
فالله سبحانه يقول لك في حديث قدسي : {{ يا عبدي خلقتك لعبادتي فلا تلعب.. وخلقت لك الرزق فلا تتعب إلى آخر الحديث}} ..
ثم هيا بنا نعيش الحب في مواطنه كما حدده لنا المولى عز وجل :
قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة.
عليك أن تحب كل ما سبق في الآية الكريمة ولكن بعقلك فقط... أما قلبك فيجب أن يكون خالصا لله.. وأيضا ذلك بدليل الآية الكريمة التالية:
قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) الزمر.
قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ
كما أن لدينا آية كبيرة جدا، جلية المعنى، تؤكد قيمة الحب، وكيف يكون الحب، وإلى أين نتوجه بحبنا لكي يخلد بنا ويصاحبنا إلى رضى ربنا...
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) المائدة.
أنا أفهم من هذه الآية أننا لو أنصرفنا بقلوبنا إلى غير الله ... فسوف يأتي الله بمن يتجهون إليه بقلوبهم مخلصين له الدين ... والله أعلى وأعلم ..
وبهذا نخرج بعدة دروس مستفادة ... أهمها أن الإيمان هو حب الله ورسوله وصالح المؤمنين وجهاد في سبيله وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر... ثم بعد ذلك نستخلص أخلاقيات الإيمان، وأخلاقيات لا إله إلا الله من باقي نداءات الرحمن لعباده الكرام..
هذا ولكل مجتهد نصيب... عليك أن تعلم ماجاء بآيات ربك.. وأسكنها قلبك.. ولاتنساها فينساك الهادي.. ثم بعد ذلك أنشرها بين من تحب من إخوانك.. فتكون قد تعلمت وعلمت فيعم النفع على الجميع بإذن الله وبفضله.
هذا والله أعلى وأعلم .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ساحة النقاش