بحيرة قارون : وهل تخفي كنوزه حقاً ؟
إعداد/محمد شهاب
طوال تاريخ مصر , إرتبطت بالقصص والأساطير , وغير ذلك أرتبطت بإسم واحداً من أشهر شخصيات عصر نبي الله موسى عليه السلام والمذكور في الكتب المقدسة. كما أنه على مر التاريخ كانت الفيوم مدينة مشهورة نظراً لموقعها المركزي على الطريق التجاري بين واحات مصر الغربية وممفيس عاصمة مصر القديمة , حيث كانت تمثل اوى جيد للقوافل التجارية .
عندما كان البحر المتوسط غائراً وجافاً في نهاية العصر الميوسيني , وكانت الأنهار المتصلة به جافة كذلك ومنها نهر النيل , كانت الفيوم جافة تماماً , وبعد أن أمتلأ البحر المتوسط بالماء في نهاية العصر الميوسيني , تدفق ماءه إلى نهر النيل الذي لم يحوي مياه, حتى تدفقت المياه إلى الجزء السفلي من الوادي بشكل أعمق حتى 2,400 متر حيث القاهرة الآن , ووصل نهر النيل إلى ما هو أبعد من مدينة أسوان , وعلى مدى الوقت الجيولوجي تكّون الطمي تدريجياً وتشكل وادي النيل , وفي نهاية المطاف , كان النيل مليئاً بالماء بشكل كافي لإحداث فيضانات تجاوزت الفيوم , وصنعت البحيرة .وقد سُجلت البحيرة لأول مرة من حوالي 3000 قبل الميلاد , في وقت قريب من حكم الملك نارمر لمصر , وكانت مياهها عذبة . قبل حكم الأسرة الفرعونية الثانية عشر لسنوسرت الأول وإبنه أمينمحات الثالث , كانت محافظة الفيوم مغطاه بالكامل بالبحيرة , وفي محاولة لإستصلاح الأراضي , قام الفراعنة بحفر سلسلة من القنوات التي تربط بحيرة قارون بالنيل , وإستنزف ذلك الكثير من البحيرة .
و لم يتبقى سوى جزء صغير من تلك البحيرة , التي تغطي مياهها مساحة 53,000 فدانا ، في عام 2300 قبل الميلاد تم توسيع وتعميق الممر المائي من النيل إلى البحيرة الطبيعية لصنع قناة تعرف الآن بإسم " بحر يوسف "وقد بدأ هذا المشروع من قِبل إمينمحات الثالث, او بواسطة والده سنوسرت الأول , وكانت هذه القناة تغذى البحيرة بمياه النيل , , حيث كان الهدف منها - السيطرة على فيضان النيل - تنظيم مستوى مياه النيل خلال مواسم الجفاف- توفير الري للمنطقة المحيطة
لذا فإن تلك المشروعات المائية الضخمة التي قام بها الفراعنة المصريون من الأسرة الثانية عشر لتحويل البحيرة إلى خزان أعطت إنطباعاً خاطئاً بإن تلك البحيرة ‘إصطناعية , ولكنها بحيرة تكونت طبيعياً منذ فجر التاريخ .
قارون , ذلك الرجل الذي كان فاحش الثراء , والذي عاش في فترة حياة نبي الله موسى (عليه السلام ) , قبل أنه إبن عمه , وقيل أنه كان يهتم بشؤون العبرانيين لدى فرعون , وكان رجلاً مغرورا, متكبراً , كان يمتلك كنوزاً هائلة , يصعب على الرجال الأشداء حمل مفاتيح خزائنها , ولكنه بغى على قومه بهذا الثراء , ولم يستمع لكلام العقلاء من قومه أو نصائح نبي الله موسى إليه , فعندما ذكّروه بإن هذا المال هو من فضل الله عليه - رد عليهم قائلاً ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي))
- وخرج يوماً أمام قومه بكامل زينته , حتى تمنى البعض أن يكونوا في مكانه وينعموا بكل تلك الرفاهية والثراء, فما كان من الله إلا أن عاقب قارون بخسفه هو وقصره وكنوزه الأرض .. ولم يعد له وجود لا هو ولا ماله .
أعتقد الكثيرون أن بحيرة قارون وما حولها هي المنطقة التي إبتلعت قارون بكنوزه وقصره ولكنليس هناك ما يؤكد أن هذه البحيرة سًميت نسبة إلى قارون، فبالقرب من البحيرة , هناك مبنى قديم يُعتقد انه بقايا لقصر قارون الذي عاش فيه في زمن موسى عليه السلام, وقد تم العثور على بعض الانفاق القديمة تحت هذ المبنى, والتي تؤدي إلى القرية المجاورة , ويعتقد السكان أن هناك أنفاقاً أخر تصل إلى الإسكندرية، وربما حتى ممفيس العاصمة القديمة لمصر.
وسميت البحيرة بعدة أسماء خلال تاريخ مصر , فقد كانت تسمى ببحيرة " موريس , " البحيرة النقية " , " بحيرة اوزوريس " , وخلال المملكة الوسطى كانت المنطقة بأكملها حول البحيرة يشار إليها بإسم " ميرو - وير " ، وكما قال " أحمد عبد العال " مدير منطقة الفيوم الأثرية " : ( محافظة الفيوم ليست سوى بحيرة ) - حتى أن كلمة ( الفيوم ) مشتقة من الإسم المصري القديم لكلمة بحيرة وهو ( بيوم) .
يعتقد الصيادون و السكان الذين يعيشون بالقرب من البحيرة أن كنوز قارون الهائلة موجودة في مكان ما تحت سطح البحيرة , ويعتقد البعض أن هناك حورية بحر تحرس تلك الكنوز !وعلى مر العصور .. هناك بالفعل العديد من السكان من إدعى رؤيته لحورية بحر في البحيرة الشهيرة وقد إفتتنوا بجمالها وسحرها , وعلى الرغم من صعوبة تصديق هذا الأمر إلا أن العديد من الناس غاصوا في أعماق البحيرة املاً في العثور على تلك الكنوز الغارقة , ولكن لم يعثر عليها أحد حتى الآن، - حتى أنه في الثمانينات من القرن العشرين , إجتاحت البلاد شائعات تفيد أن كنوز بحيرة قارون يمكن أن يتم العثور عليها , إذا تم ذبح 200 طفل كأضحية ! وتبع ذلك ذعر واسع النطاق في محافظة الفيوم , وأبقى الناس أطفالهم في البيوت ومنعوهم من الذهاب إلى المدارس خشية إختطافهم من قبل علماء الآثار أو صيادي الكنوز .
وقال عبد العال مدير المنطقة الأثرية في الفيوم ( في تلك الأيام , طلبت منا سلطات المحافظة أن نعرض على جميع القنوات الإعلامية المحلية تأكيد للسكان بإن كل هذه الشائعات غير صحيحة).
محمد شهاب
الصورة المصاحبة لبقايا القصر الذي يُعتقد أنه لقارون
ساحة النقاش