كيف تساعد الهواتف الذكية الصيادين في تحديد مواقع الأسماك؟
إعداد/محمد شهاب
يقول ديفيد شوشولا، الصياد الذي يبحث عن الأسماك في جنوب المحيط الأطلنطي أربعة أيام في الأسبوع، إن تطبيقا على الهاتف المحمول ساهم في تهدئة مخاوفه من أن يفقد مصدر رزقه أو لا يستطيع أن يعول أسرته.
فمن مدينة لامبرت باي المطلة على الساحل الغربي لدولة جنوب أفريقيا، الأكثر عرضة للرياح، ينطلق قارب صيد صغير يُقل شوشولا، الرجل الخمسيني، وقارب آخر يقل ثلاثة صيادين.
ويصطاد شوشولا وزملاؤه في المعتاد 20 سمكة يوميًا لكل قارب منهما، أكثرها من سمك السنوك، أحد أنواع الماكريل، وسمك المرجان.
ويعيش شوشولا حياة شاقة، وكشأن سائر الصيادين، فإن مبعث قلقه الرئيسي أمران: أين سيجد الأسماك؟ وكيف سيبيع صيده؟
لكن تطبيقا جديدا يحمل اسم "أبالوبي" ظهر مؤخرا، وهو يساعد الصيادين في العثور على الأسماك وبيع صيدهم بسهولة. ويستخدم هذا التطبيق، الذي أطلقته جامعة كيب تاون في إطار تجريبي، نظام التموضع العالمي (جي بي إس).
وبهذا، أصبح بإمكان شوشولا أن يسجل المكان الذي عثر فيه على الصيد الوفير لكي يصل إليه مستقبلًا، كما يمكنه أن يبيع الأسماك قبل أن يعود إلى الشاطئ، إذ يساعده تطبيق "أبالوبي" في العثور على المشتري الذي سيقدم له أفضل الأسعار.
ويقول شوشولا: "أزال هذا التطبيق عني الكثير من الهموم، فأنا أعيل زوجة وثلاثة أطفال، وبدأت الآن أشعر بالمزيد من الاستقرار والأمان".
ونظرا لزيادة أعداد التطبيقات والخدمات الرقمية، مثل "أبالوبي"، في الآونة الأخيرة، أصبح من السهل الآن تحديد الأماكن التي تكثر فيها الأسماك بدقة، ثم بيعها بعد اصطيادها مباشرة.
ولكن في ظل تزايد المخاوف من نفاد الثروة السمكية في العالم، بعد أن ذكرت منظمة الأمم المتحدة أن 90 في المئة من المخزون السمكي في العالم إما نفد أو أوشك على النفاد بسبب إفراط الناس في الصيد، هل تعد هذه التطبيقات مفيدة حقا؟
في حين يزعم كثيرون من مطوري تطبيقات تعقب الأسماك أنهم يهتمون كثيرا بالحفاظ على البيئة، فإن بعض الناس لا يزالون يشعرون بقلق.
هذا الأمر يقلقني
يقول مات هايز، الخبير بصيد الأسماك في المملكة المتحدة، والذي يدير مزرعة لتربية أسماك السلمون في النرويج: "إن ما يحدث على أرض الواقع هو استعانة بعض منعدمي الضمير بهذه التطبيقات للحصول على أكبر عدد من الأسماك واستنزاف الثروة السمكية قبل الأوان".
كما يخشى هايز من أن يجد صغار الصيادين أنفسهم في النهاية بلا عمل. ويقول: "أنت لا تريد أن تحرم أحدا من رزقه، ولكن في الوقت نفسه أنت لا تريد أن توفر له الوسيلة التقنية التي ستجعله يفرط في الصيد ويقضى على مهنته وحياته".
ويضيف هايز: "أنا أكافح هذه التقنيات الجديدة بشدة، لأن لدي مخاوف من انتشارها".
وفي المقابل، يؤيد كلايف ترومان، الأستاذ المشارك في علم البيئة البحرية بالمركز الوطني لعلم المحيطات بالمملكة المتحدة، استخدام التطبيقات من هذا النوع، مثل "أبالوبي".
ويقول ترومان: "هذه التطبيقات لا تبتدع شيئا جديدا يختلف عن العادات التي يتوارثها الصيادون منذ قرون. وربما تثبت بعض هذه التطبيقات فعاليتها في مساعدة العلماء في معرفة أماكن تجمع الأسماك، وتحديد وجهتها في البحر".
ويتابع ترومان: "بالرغم من أن هذه التطبيقات قد تُستخدم لصيد كميات أكبر من الأسماك، فإنها قد تفيدنا أيضا في مجال الحفاظ على البيئة".
ويقول سيرج ريميكرز، أحد الباحثين في مجال مصايد الأسماك بمشروع "أبالوبي"، إن حفظ البيئة يتصدر قائمة أولوياتهم في هذا المشروع.
وباستخدام خدمات الحوسبة السحابية التي توفرها شركة غوغل، سيستفيد طلاب جامعة كيب تاون من البيانات التي جمعها الصيادون في مراقبة مستويات المخزون السمكي في جنوب أفريقيا لضمان عدم استنزاف الموارد السمكية.
كما سيستخدم الصيادون هذا التطبيق لتحديد المناطق التي يعتقدون أن أعداد الأسماك فيها قد تراجعت، ويجب الابتعاد عنها لتعاود التكاثر والتعافي.
النشاط المشبوه
تُستخدم الوسائل التكنولوجية أيضا على مستوى العالم لحماية المخزون السمكي. ففي سبتمبر/ أيلول الماضي، أطلقت غوغل بالاشتراك مع مجموعة "أوشنا" للحفاظ على المحيطات، نظاما لمراقبة الصيد حول العالم يتيح خاصية تتبع مواقع سفن الصيد التجارية بلا مقابل.
ويعتمد هذا النظام على المعلومات التي يرسلها ما يزيد على 200 ألف سفينة في البحر باستمرار عبر نظام التعريف الآلي بشأن موقعها، وسرعتها، واتجاهها.
ويزور موقع مراقبة الصيد حول العالم 25 ألف مستخدم مشترك، فضلًا عن زائري الموقع من غير المسجلين فيه.
وتقول جاكي سافيتز، نائبة رئيس مجموعة "أوشنا": "يستطيع الآن أي شخص يهتم بإحدى السفن ويريد معرفة مكانها في نفس اليوم أن يزور مجموعة من المواقع التي تتيح البيانات فور إرسالها من السفن، ليشاهد بنفسه موقع السفينة في اللحظة نفسها".
وتضيف سافيتز: "عندما تكتشف السلطات قيام إحدى السفن بأنشطة مثيرة للريبة، تتعقب السفينة حتى تعثر عليها".
ومن بين الأنشطة المثيرة للريبة أن تغلق السفينة نظام التعريف الآلي الذي يحدد مكانها، أو أن تمتنع عن إرسال أي معلومات عبر النظام على الإطلاق.
وتقول سافيتز: "من المحتمل أن يغلق البعض نظام التعريف الآلي للقيام بأعمال غير قانونية، ولكننا نكتشف على الفور عندما يغلقون نظام التعريف الآلي وعندما يعيدون تشغيله".
وقد نجح نظام مراقبة الصيد العالمي في الكشف عن بعض المخالفين بالفعل.
وبالاستعانة بالبيانات المستمدة من النظام، ضُبطت إحدى السفن أثناء الصيد في المنطقة المحمية بجزر فينيكس في وسط المحيط الهادي، وأرغمت على دفع غرامة قدرها مليوني دولار لجمهورية كيريباتي، وهي أحد أفقر البلدان في العالم.
خطط التوسع
وفي إيطاليا، أطلقت جامعة باري بالاشتراك مع مجموعة "أي بي إم" للتقنية بالولايات المتحدة تطبيق صيد مشابه لتطبيق "أبالوبي"، لكنه لا يزال في طور التجربة منذ عام 2012.
وتقول المنظمات إن هذا التطبيق زاد من الصيد الموجه، إذ لم يعد الصيادون يصطادون إلا كميات الأسماك التي يحتاجها السوق فقط.
أما عن تطبيق "أبالوبي"، الذي يعني "الصياد التقليدي" بلغة الزوشا في جنوب أفريقيا، وهي إحدى اللغات الرئيسية في البلاد، فقد حصل المشروع على منح من حكومة جنوب أفريقيا، كما تساهم شبكة المحمول "فوداكوم" في جنوب أفريقيا في إتاحة البيانات للتطبيق على الهواتف المحمولة مجانًا.
واشترك في هذا التطبيق حتى الآن ما يزيد عن 100 صياد في جنوب أفريقيا. ويقول ريميكرز إن تطبيق أبالوبي حاز على اهتمام مجموعات من المهتمين بالصيد في جزر سيشل، والمملكة المتحدة.
ويقول شوشولا إن هذه الخدمة ساعدته هو وزملاءه الثلاثة في توسيع تجارتهم، إذ أصبح لديهم للمرة الأولى بيانات مسجلة يمكنهم أن يستندوا إليها عند التقدم بطلب للحصول على قروض من المصرف لتنمية نشاطهم في مجال الصيد.
ويتابع: "احتفظ بسجل لكميات الأسماك التي اصطادها يوميًا".
ساحة النقاش