شعب خارق.. يتنفس تحت الماء ويعيش في أعماق البحار
إعداد/محمد شهاب
كتب أحمد الشريف
قادرون على الغطس تحت الماء لمدة تتجاوز الـ 13 دقيقة دون الحاجة إلى معدات، فالتنفس على الشاطئ، مثله مثل التنفس بين أعماق البحار، وبفضل أجسادهم التي تطورت بفعل الزمن والتدريب المستمر يستطيعون الوصول إلى عمق 70 مترا، قادرون على المشي تحت الماء بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ويتمتعون برؤية جيدة واستثنائية تحت الماء نظرا لوجودهم باستمرار في بيئة المحيطات، إنهم قبائل الباجاو الذين يعيشون بين سواحل جنوب آسيا ما بين أندونيسيا والفلبين وماليزيا.
تاريخ الباجاو
قبائل الباجاو، شعب فريد من نوعه نظرا لأنهم يعيشون طوال حياتهم في البحر وبين أحضان المحيطات في أكواخ وقوارب صغيرة متواضعة رفقة عائلاتهم وأطفالهم، ولا يسكونوا البر أبدا، ويبلغ عددهم حوالي 500 ألف نسمة تقريبا.
والحقيقة أنه لا يوجد تاريخ دقيق حول أصول قبائل الباجاو، إلا أن الرأي الأرجح وفق عدد من المصادر والسجلات القديمة، أن أصولهم تعود إلى 15 ألف عام مضت، وكانوا يعيشون بنفس الطريقة التي يعيشون بها الآن، وأنهم ينتسبون إلى البدو الرحل من أصل ماليزي أو ماليوي الذين كانوا يعيشون في البحر ويمثل مصدر عملهم، والذين تم تسجيل وجودهم من خلال الرحالة والمستكشف الإيطالي أنطونيو بيجافيتا وذلك في عام 1521 ميلادية.
ويتواتر عن قبائل الباجاو أسطورة تقول أنهم في الأصل كانوا ينتسبون إلى سكان اليابسة، وكان يحكمهم ملك ابتلع البحر ابنته في يوم عاصف متقلب الأمواج، فأمر بالبحث عن ابنته وبالفعل رحل شعب الباجو للبحث عنها وحينما فشلوا في العثور عليها، خافوا من العودة خاليين الوفاض، فأثروا البقاء في البحر وعدم العودة إلى اليابسة مرة أخرى خوفا من بطش الملك وغضبه، ومن يومها وهم يعيشون بين المحيطات والبحور.
يتنفسون تحت الماء المعروف علميا أن الإنسان العادي تبدأ خلايا دماغه بالتلف، إذا قضى 3 دقائق بدون تنفس، و بعد مرور 10 دقائق يكون قد أتلف عددا كبيرا من الخلايا قد لا يتعافا من آثارها أي إنسان، ولكن أفراد قبائل الباجاو كانوا هم الاستثناء الوحيد في العالم أجمع، حيث أنه من أكثر الأشياء التي تميزهم، هي قدرتهم الاستثنائية على الغطس إلى أعماق قد تصل إلى 70 مترا تحت سطح البحر، كما يمكنهم حبس أنفاسهم ما يزيد عن 13 دقيقة، ويقومون بفعل ذلك من خلال استخدام عضلات المعدة لدفع جرعة أكبر من الأكسجين إلى الرئة حتى يستطيع الشخص منهم السيطرة على حركة الهواء بجسمه، هذا بالإضافة إلى قدرتهم على ابطاء ضربات القلب لتصل إلى 30 دقة في الدقيقة الواحدة، ما يمكنهم من الغوص لهذا العمق ولهذه المدة الطويلة دون تنفس، كما أن الشخص الواحد يستطيع تكرار هذا الأمر لأكثر من مرة خلال اليوم.
طحال استثنائي هذه القدرات الاستثنائية دفعت د. ميليسا ياردو من جامعة كوبنهاجن الدنماركية، إلى دراسة شعب قبائل الباجاو واستطاعت إثبات وجود طفرات جينية في أجساد الباجاو تساعدهم على الغوص لأعماق أكبر وإمضاء وقت أطول تحت الماء، فبعد اختبارها لـ 58 عينة من طحال أفراد من الباجاو، لاحظت أن طحالهم أكبر بنسبة 50 بالمائة من الأشخاص العاديين، حيث يقوم الطحال بتخزين خلايا دم غنية بالأكسجين لتغذية أجسادهم بها عند الحاجة، وفي حالة قبائل الباجاو تطورت أجسادهم حتى يقوم الطحال بتخزين كمية أكبر من خلايا الدم الغنية بالأكسجين لتساعدهم في الغوص لوقت أطول تحت الماء. ميليسا تعتقد أن قبائل الباجاو لديهم تكيف يزيد من مستويات هرمون الغدة الدرقية وبالتالي يزيد من حجم الطحال.
متخصصون أيضا في علوم الإنسان في جامعة هاواي، قرروا السفر إلى قرية الباجاو، مصطحبين معهم أجهزة متنقلة للأشعة بالموجات فوق الصوتية، لقياس حجم الطحال لديهم، ووجدوا أيضا أن حجمه أكبر بـ50% من الحجم الطبيعي بفعل تدريبهم على الغوص منذ الصغر، وأن ذلك يجعلهم يضخون المزيد من خلايا الدم الحمراء التي تحمل الأكسجين، ما يسمح بالبقاء لأطول فترة ممكنة تحت الماء.المصور ريهاهن، قضى 8 أيام بين الأطفال البدو في بورنيو، وتعلم الكثير عن حياتهم المائية المذهلة، ووصف الأطفال كالسمك في البحر، مشيرا إلى أنهم تجدهم يلعبون ويتجولون بمفردهم داخل القوارب وترتسم عليهم علامات السعادة الغامرة عند مشاهدة الأجانب.
قدرات وحياة استثنائية صيد الأسماك، يمثل حياة قبائل الباجاو فهم يعيشون عليه بشكل أساسي سواء بأكلها أو كسب رزقهم من خلالها، وبحكم ما يتميزون به فهم لديهم معرفة كبيرة بالبحر وعمليات الصيد رغم افتقارهم للمعدات الحديثة إلا أنهم يتمكنون من معرفة أماكن تواجد أنواع الأسماك المختلفة في البحر، ويقومون بتناقل أساليبهم الفريدة في الصيد من جيل لجيل، فيعلمون أطفالهم أساليب الصيد منذ الصغر ومع ممارسة مستمرة للمهنة يكونون قادرين على تخطي حدود الطبيعة البشرية والوصول إلى مستوى آبائهم من المهارة و الخبرة.
في ظل حياتهم الاستثنائية وطبيعة الجغرافيا والعادات الصحية المختلفة، يلاحظ أن قبائل الباجو يشتهرون بالأعمار المديدة والصحة طوال العمر فنجد بعض الأفراد تتجاوز أعمارهم الـ 80 عاما ولايزالون قادين على الغوص والصيد بالرمح، حيث أن الحياة التي ينشأون عليها منذ الصغر تساعدهم على الحفاظ على لياقتهم البدنية حتى آخر يوم بالعمر، وهم شعب ذو أغلبية مسلمة ولكن هناك مجموعات تعتنق ديانات أخرى، ويتحدثون أكثر من 10 لغات أهمها هي اللغات الملايو بولينيزية، كما يمتلكون طريقة مختلفة لحساب السنين وحساب أعمارهم فهم يعتمدون على مراقبة حركة القمر ودورانه، و هو ما يمثل الشهر، أمّا السنة فالتقويم لديهم يتكون من 10 أشهر فقط، كما لديهم فلسفة خاصة عن الحياة فهم لا يتعاملون بالعملة البشرية إنما يتعاملون بطريقة المقايضة.
بعيدا عن كل قدراتهم الاستثنائية، حاولت الحكومة الأندونيسية توفير مساكن لهم على اليابسة ولكنهم لم يتمكنوا من التأقلم على حياة المجتمع فسرعان ما عادوا للعيش في بين أحضان البحر مرة أخرى، فما كان من الحكومة إلا أن تقترح بناء قرية لهم في وسط البحر ، فتم إنشاء قرية سانبيلا بالقرب من جزيرة سولاوسي، وهي قرية مائية عائمة قائمة ببيوت على أعمدة خشبية وسط البحر. وهكذا بدأ شعب الباجاو الانتقال إلى قرية سانبيلا خلال الـ 30 عاما الماضية حتى أصبحت القرية تضم حوالى 1500 شخص، و شيئا فشيئا بدأت قبائل الباجاو تندمج مع مظاهر الحياة الاجتماعية فأنشأت الحكومة لهم أول مدرسة للأطفال، ورغم عدم اعتيادهم علي إرسال أطفالهم للمدارس في البداية إلا أن مشهد الأطفال بالزي المدرسي متجهين إلى المدرسة في القرية أصبح شيئا معتادا مع مرور الوقت.
ساحة النقاش