أقدم وجبة مطبوخة)سمك مياه عذبة) معروفة بالتاريخ تنكشف على ضفاف هذه البحيرة
إعداد/ محمد شهاب
- وجد العلماء أقدم دليل على طهي الطعام في موقع أثري في إسرائيل.
قالت مؤلفة الدراسة الدكتورة إيريت زوهار، الباحثة بمتحف شتاينهاردت للتاريخ الطبيعي في جامعة تل أبيب، إنّ الدراسة التفصيلية لأسنان الأسماك المكتشفة في موقع جسر بنات يعقوب، الواقع على حافة بحيرة حولا القديمة، كشفت أنّ بعض أسلافنا الأوائل، الإنسان المنتصب على الأرجح، كانوا يقومون بطهي الأسماك. وكان يتناول القاطنون على ضفة البحيرة أنواعًا كثيرة من الأسماك التي يتم اصطيادها في المياه العذبة، بحسب زوهار، أمينة مجموعات بيت مارغولين البيولوجية في كلية أورانيم الأكاديمية.وأوضحت زوهار أنه لم يُعثر على بقايا بشرية في الموقع، لكن الأدوات الحجرية تتطابق وتلك التي اكتُشفت بمواقع الإنسان المنتصب في جميع أنحاء أفريقيا. وتابعت أنّ البحيرة كانت ضحلة، وربما كان يسهل اصطياد سمكة كبيرة مثل سمكة Luciobarbus الطويلة المنقرضة، التي يمكن أن تنمو حتى يبلغ طولها 6.5 قدم (متران).
وقال الدكتور بيثان لينسكوت، عالم الكيمياء الجيولوجية الأثرية، والباحث ما بعد الدكتوراه في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة، وغير المشارك في الدراسة: "هذا اكتشاف مهم للغاية". وأوضح أنّ "الدليل على الاستخدام المُتَحكَّم به للنار في (العصر الحجري المبكر).. كان آنيًا في أحسن الأحوال، وعليه، فإنّ الدليل على بقايا الأسماك المطبوخة والمتراكمة (بسبب النشاط البشري) الموصوفة هنا سيكون له بلا شك أثر كبير على البحث المجتمعي".ويعني التحول إلى تناول وجبات طعام مطبوخة، أنّ البشر يضعون طاقة أدنى للقيام بعمل مكثف بحثًا عن الطعام الطازج والنيء وهضمه، الأمر الذي قد يوفر لهم المزيد من الوقت لتطوير أنظمة اجتماعية وسلوكية جديدة.وأشار لينسكوت إلى أنّ "النظام الغذائي كان له أبعد الأثر على تطور جنسنا البشري. ويُعتقد أنّ استهلاك اللحوم تحديدًا ساهم بزيادة الحجم النسبي لدماغ أسلافنا من البشر الأوائل، لكن البكتيريا المسبّبة للأمراض تجعل استهلاك اللحوم غير المطهية عملاً محفوفًا بالمخاطر".وتابع أنّ "الطبخ يقتل البكتيريا، ويزيد من القيمة النشطة للحوم، وبالتالي يشكّل مصدر غذاء جديد وموثوق به للبشر الأوائل. لذا فإن فهم متى حدث ذلك، له أهمية كبرى، لأنّه قد يساعد على تفسير سبب تطور أسلافنا من البشر الأوائل على هذا النحو".وكان هذا البحث نُشر في مجلة "Nature Ecology and Evolution"، الاثنين.
هل حرق الطعام يعني الطبخ؟
وتوصّل بحث سابق أجرته زوهار التي تعمل في الموقع منذ 16 عامًا، أنّ طبقات الرواسب حيث عُثر على الأدوات الحجرية، يُثبت حضور الإنسان. وارتبط ذلك بعدد كبير بأسنان الأسماك من نوعين معينين Luciobarbus longiceps وCarasobarbus canis وهما كانا جزءًا من عائلة أسماك الشبوط، المنقرضة اليوم.ومع ذلك، كان ثمة عدد قليل جدًا من عظام الأسماك، التي تلين تحت درجات الحرارة العالية، وتتحلّل بسهولة خلافًا للأسنان. وحدّدت أعمال أخرى للمؤلفة المشاركة في الدراسة نيرا ألبرسون أفيل، الأستاذة بقسم الدراسات والآثار الإسرائيلية في جامعة بار إيلان، حول آثار المواقد، أنّ بعضها يُعتبر أحد أقدم المواقد خارج أفريقيا.
وبهدف تحديد ما إذا كان سكان الموقع في عصور ما قبل التاريخ قاموا بالفعل بطهي الأسماك هناك ولم يتخلصوا من البقايا فقط بالنار، حدّد الباحثون التغيرات في حجم بلورات مينا الأسنان، التي تستجيب على نحو مختلف للتغيرات في درجة الحرارة. وخلال التجارب، حلّلت زوهار والمتعاون معها الدكتور ينس ناجوركا، مدير مختبر الأشعة السينية في متحف التاريخ الطبيعي بلندن، 56 سنًا تنتمي إلى أسماك ما قبل التاريخ وأسماك المياه العذبة، ما سمح لهم بتحديد التغيرات الناجمة عن الطهي على درجات حرارة منخفضة مقابل المرتفعة منها. وأسفرت النتائج عن أنه تم طهي الأسماك على درجات حرارة تتراوح بين 392 و932 درجة فهرنهايت (200 و500 درجة مئوية). وأفاد ناجوركا في بيان صحفي: "لا نعرف تحديدًا كيف تم طهي الأسماك، ولكن نظرًا لعدم وجود دليل على التعرّض لدرجات حرارة عالية، فمن الواضح أنه لم يتم طهيها مباشرة على النار كما لم تُلقَ مباشرة في النار كنفايات أو كمواد للحرق".
كما تمكن الفريق أيضًا من تحديد إذا ما كانت الأسماك تُشكّل جزءًا منتظمًا من النظام الغذائي، ولم تكن مجرد طبق موسمي، أو يلجأون إلى تناوله عندما تشحّ مصادر الطعام الأخرى، وذلك من خلال النظر بالتركيب الكيميائي للأكسجين ونظائر الكربون في مينا الأسنان من أجل تحديد الموسم الذي ماتت فيه الأسماك. وتوصّلت النتائج إلى أنه تمّ طهيها وتناولها على مدار السنة.
الهجرة المبكرة
وكان الإنسان المنتصب أول البشر الأوائل الذين هاجروا إلى خارج أفريقيا، ورأى البحث أنّ بحيرة حولا القديمة ربما كانت نقطة انطلاق رئيسية على طريق هذه الهجرات المبكرة. أما التحديد الزمني للوقت الذي بدأ البشر فيه بطهي الأسماك أو أي نوع آخر من الطعام، غير معروف، ولا يوجد إجماع على الوقت الذي طور فيه البشر القدماء لأول مرة القدرة على إشعال النيران والطهي. حتى أنّ هذه الدراسة، شكّلت أوّل دليل قاطع على استخدام النار في الطهي من قبل إنسان نياندرتال والإنسان العاقل، الذين قاموا بطهي جذورًا نشوية في ما يُعرف الآن بجنوب أفريقيا منذ حوالي 170 ألف عام.
وقال جون مكناب، الأستاذ بمركز آثار الأصول البشرية في قسم الآثار بجامعة ساوثهامبتون، غير المشارك في الدراسة، إنّ عدد الأدلة التراكمي في الدراسة يشير إلى أنّ السمكة كانت مطبوخة. وأوضح لـCNN: " متى وأين بدأ استخدام النار عن قصد والسيطرة عليه لأول مرة، ومتى بدأنا بطهي طعامنا، هذه بعض الأسئلة الكبيرة حقًا التي يسعى الباحثون في أصول الإنسان للحصول على إجابات عليها منذ فترة طويلة". وتابع: "النار لا تتعلّق فقط بالسلامة والحماية. إنها تطيل يوم العمل وتوفر آلية مهمة حقًا للترابط الاجتماعي، لقد بنينا مجتمعاتنا حرفيًا حول النار. كان الطهي هو السبب الذي جعل الإنسان المنتصب قادرًا على الانتقال إلى مناطق جديدة غريبة".
ساحة النقاش