"سمكة القمر”.. أول حفرية مصرية من عصر الاحتباس الحراري القديم
إعداد/ محمد شهاب
كتب محمد منصور:
قبل ملايين السنوات، وفي العصر الذي عقب انقراض الديناصورات، كانت الحياة على وجه الأرض تُشبه الجنة. حيوانات ترعى، وأسماك تسبح في بحر «تيثس» العظيم. فتلك المنطقة، التي تقع شرقي مصر، والتي تتميز الآن بمناخها قائظ الحرارة وتركيباتها الجيولوجية المبهرة، ورمالها الصفراء الناعمة. كانت في ذلك العصر معقلاً للكثير والكثير من الكائنات البحرية المُدهشة. تلك الكائنات التي انقرضت عن بكرة أبيها بعد أن جف البحر، وأصبح حدوده الآن أبعد بكثير عن شواطئه الماضية.. ذلك البحر المعروف الآن بالبحر الأبيض المتوسط.
بالقرب من المكان الذي يُعرف الآن باسم مدينة رأس غارب المصرية، والواقعة ضمن نطاق محافظة البحر الأحمر. وقفت شابة في عقدها الثالث أمام سيارة نصف نقل مُعطلة في قلب الصحراء. الشابة هي الباحثة سناء السيد. أما السيارة فتتبع مركز الحفريات الذي أنشأه العالم المصري هشام سلام. كانت تلك السيارة تحمل في صندوقها الخلفي «كنزاً جيولوجياً».. كنزاً يُضيف الكثير من المعلومات عن تلك الحقبة التي غزت فيها البحار الصحاري. الحقبة التي نعرفها الآن باسم حدث الاحتباس الحراري القديم الواقع بين العصر الباليوسيني والأيوسيني.
تماماً مثلما يحدث الآن؛ شهدت الأرض قبل 56 مليون سنة احتباساً حرارياً قضى على بعض الأنواع، وأجبر بعضها الآخر على التكيف. في ذلك الزمان، زادت متوسطات درجة حرارة الأرض في حدود 8 درجات كاملة. غير معروف على وجه الدقة كم استمرت تلك الزيادة.. لكن، آثارها تُكتشف بفضل البحث الأخير المنشور في دورية جيولوجي المرموقة، والذي كشف عن معلومات بالغة الأهمية عن ذلك العصر.. معلومات من شأنها التنبؤ بما قد يحدث لكوكبنا الأزرق في وقتناً الحالي.
وقالت الباحثة في مجموعة هشام سلام ونائب مدير مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة، سناء السيد؛ وهي الباحثة الرئيسية في تلك الدراسة في تصريحات خاصة لـ«الرؤية»: "اكتشف الفريق حفريات تُعد هي الأولى من نوعها في نصف الكرة المداري لأسماك تُظهر مجموعة من الخصائص المذهلة التي تكشف كيف يُمكن للكائنات أن تتبنى استراتيجيات مختلفة للتكيف مع التغيرات شديدة الوطأة في البيئات المختلفة"
ما الذي يُرعب العالم من ارتفاع درجات حرارة الجو بسبب الاحتباس الحراري؟ كشفت الباحثة أن الارتفاع المُطرد في درجات الحرارة يُدمر بعض البيئات ويؤثر بالسلب على جميع الكائنات الحية. فمثلاً سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة لذوبان الجليد في قطبي الأرض؛ هذا بالطبع يُشكل تهديداً كبيراً على الكائنات الحية التي تعيش هناك.. لكن، ما شكل ذلك التهديد وهل يُمكن أن تتكيف الكائنات الحية معه؟ هذا ما تخبرنا به سمكة سناء السيد.. السمكة المعروفة باسم «القمر المصرية» والتي استخرجتها السيد وفريقها من قلب الصحراء المصرية. فالحفريات السمكية المكتشفة حديثاً تظهر أن الأسماك البحرية ازدهرت في بعض المناطق الاستوائية خلال فترات الاحتباس الحراري القديمة، إذ تقدم الدراسة لمحة عميقة عن نظام بيئي خلال حدث الاحترار الشديد وقد توفر رؤى لمستقبل الأرض الحار.
ساحة النقاش