بالثوم والبصل تخلص من الأنفلونزا
أ.د/ إبراهيم عبد الباقي أبوعيانة
<!--علم وحياة
<!--موقع يهدف لنشر الثقافة العلمية
<!--[endif]-->
أستاذ علوم الأغذية
"ليكن الغذاء هو دواؤك وليكن الطب هو غذاؤك" حكمة بالغة، سجلها أبو الطب "أبُقراط" قبل 2500عام. اليوم، هل يمكننا التداوى بالأغذية؟ وهل للأغذية وأسلحتها المُهْمَلة أن تَفتك بفيروسات البرد والأنفلونزا التى تهاجمنا فتؤرق مضاجعنا، وتكسر عظامنا، وتلهب جيوبنا الأنفية وتُزكم أنوفنا؟ فلربما هناك أسلحةً طبيعية أشد بطشاً وأكثر أمناً، وأرخص سعراً وأيسر حصولاً، لكن الأُلْفَةُ القائمة بيننا عبر السنين تُهون لدينا فاعليتها وتشكك في قدرتها.
تمتلك الأغذية تركيباً فريداً، تحوي بين ثناياهُ مركبات مُقاومة بل قاتلة لغُزاة أجسامنا من الميكروبات. فقط تحتاج الكشف عنها وتحديد فاعليتها معملياً. لذا لن نسوق فى سرد المقال إلا ما هو مُوثق علمياً، سواء بالتجربة أو التطبيق. فلا مجال للوصفات الإعتباطية أو الأقوال غير المسؤلة.
فيروس الأنفلونزا (صورة بالميكرسكوب الالكتروني) |
تقوم استراتيجية الوقاية على تعزيز وزيادة كفاءة المناعة الذاتية للجسم وتدريبه على مجابهة الغزاة من الميكروبات. أما العلاج فيحتاج تكثيف أعداد الأسلحة القاتلة لها واستعمال تقنيات قادرة على تدمير قوة الميكروب. وتمتلك العديد من الأغذية هاتين الاستراتيجيتين:
1- دعم الجهاز المناعي.
2- إفشال فيروسات الأنفلونزا في الإيلاج للخلايا الحية (روح الفيروس) واحتفاظها ببللوريتها الخاملة. بل وتفككه وتقضي عليه.
لابد أولاً أن نُلَمّح لطبيعة وتركيب الفيروسات، حيث تتكون معظمها من ثلاثة أجزاء:
تركيب فيروس الأنفلونزا |
جزء مركزي مُكون من الحمض النوويDNA أو RNA
غلاف بروتيني (كابسيد) يُغلف المادة النووية ويحميها.
غلاف دهنى يغلف الكابسيد.
<!--
ولكي يعيد الفيروس لذاته الحياة (الفيروس عبارة عن جزء بللورى خامل خارج الخلية الحية) فلابد أن يتطفل على الخلايا الحية، فتبدأ بروتينات الغلاف الفيروسي بالالتصاق بنقاط استقبال محددة على غلاف الخلية المضيفة. يتبعه حقن الحمض النووي الفيروسي داخلها. ثم يبدأ الفيروس بنسخ المادة الوراثية الفيروسية وإنتاج بروتينات الكابسيد. سرعان ما تتحلل الخلية المضيفة، وتنطلق الفيروسات الجديدة لتصيب خلايا أخرى. فكيف يقوم البصل أو الثوم بإفشال هذه المنظومة المحكمة للفيروس ويمنعه من إحداث العدوي؟
الثـــــــــــــــــــوم:
يُنصح عادة بتناول (فص ثوم كامل أو مقطع على الريق، استعماله فى الطهي، على السلطة الخضراء، مضغ 3 فصوص لمدة دقيقتان لمن يتحمل فذلك يقضي على الميكروبات العالقة بالأنف والفم والحلق واللوزتين) للوقاية والعلاج من الأنفلونزا أو البرد. فهل لذلك أساس علمي؟
بالفعل ثبت أنه مضاد ميكروبي بما في ذلك الفيروسات، حيث تحتوي مستخلصات الثوم على مركبات كبريتية مثل Allicine وDiallyl disulfide, Diallyl trisulfide ومركبات أُخرى. هذه المركبات تتفاعل مع مجموعات Thiol في إنزيمات مختلفة، مثل ديهيدروجيناز الكحول، الثيوميدوكسين المختزل، كذلك المركبات ذات الروابط ثنائية الكبريت التي تعتبر حاسمة وحرجة جداً لرصد ومراقبة الكائنات الحية الدقيقة.
استطاع مستخلص الثوم من منع امتزاز (التصاق) فيروس الأنفلونزا على نموذج خلايا الثدييات المستخدمة في البحث الطبي الحيوي Madin-Darby Canine Kidney cells (MDCK) وخلايا دم حمراء وبالتالي أفشلها في تحقيق أول خطوة لإحداث الإصابة.
كذلك تم تعريض خلايا مصابه بفيروس الأنفلونزا A/H1N1 (تم السماح للفيروس بحقن حمضه النووي داخل خلايا MDCK) لتركيزات مختلفة من مستخلص الثوم تراوحت بين 10 - 100 ميكروجرام/مل. استطاعت جميع التركيزات 10-100ميكروجرام/مل من منع نسخ وتكاثر المادة الوراثية الفيروسية وإنتاج بروتينات الكابسيد إلى حد كبير. وبالتالي استطاع مستخلص الثوم إفشال الخطوة الثانية لتكاثره وإصابة خلايا جديدة.
وأخيراً انخفضت نبضات الفيروسات المُعاملة بمستخلص الثوم بالتركيزات السابقة وفى كل فترات التعرض مقارنة بالنبضات العالية التى تدل على نشاط الفيروس الغير مُعامل وهذا ينبىء بقوة التأثير لمستخلص الثوم وتثبيطه سواء لالتصاقه بالخلية المستهدفة أو لنسخ وتكرار جينوم الفيروس أو لنشاطه عموماً مما يَحُد جداً من قدرته على إحداث العدوى.
<!--
هذا قد يرجع الى تشويش أو عدم إندماج الغشاء الفيروسي وخلايا العائل؛ الأمر الذي يُوقف عملية الاختراق الفيروسي للخلايا المستهدفة. مما يؤهل الثوم ومستخلصاته أن يكون مطهر قوى وجندي شرس تجاه عدوى الأنفلونزا والبرد.
أثبتت الطرق البيوكيميائية والجزيئية التطبيقية قدرة وكفاءة مستخلصات الثوم في منع فيروس الأنفلونزا من إحداث العدوي
البصــــــــــــــــــــــــــــــــــل:
للبصل مكانة خاصة كفاتح للشهية وتابل للطعام وأكله نىء مرغوب، لكن هل له دور علاجي؟ نعم مفيد جداً في الوقاية والعلاج من نزلات البرد والأنفلونزا خاصة فى الساعات الأولى من العدوى ومع بداية ظهور الأعراض وقد يكون بديل عن الأدوية.
أظهرت المركبات المشتقة من البصل نشاطًا مضادًا للربو. وتعزى القدرة المضادة للربو وللالتهاب في البصل إلى وجود المركبات الكبريت ((Thio-sulfonates. يبدو أن آلية العمل مرتبطة بتثبيط توليف إنزيمات cyclooxygenase وlipooxygenase. هذه الانزيمات تشارك في عملية التمثيل الغذائي للـ Eicosanoides، والتي تحفز انسداد الشعب الهوائية.
يحتوي البصل على مركبات تثبط انزيمات lipooxygenase وcyclooxygenase (والمعروف بأنزيم (prostaglandin-endoperoxide مما يؤدي إلى تقليل التهاب الحلق، والتهاب الجيوب الأنفية، والتهاب اللوزتين، والاحتقان التحسسي للجهاز التنفسي أثناء نزلات البرد. التأثيرات المضادة للميكروبات وللإلتهاب لا تعود فقط إلى فيتامين C وفلافونيد الكيرسيتين (Quercitin)، ولكن أيضاً إلى مكونات نشطة أخرى تسمى "أيزو-ثيوسيانيت". هذا بالإضافة الى مجموعة فلافونيدات أخرى موجودة في البصل مع فيتامين C تساعد في القضاء على البكتيريا الضارة.
فركتان البصل:
الفركتان هو بوليمر (مادة كربوهيدراتية ذو وحدات سكر عديدة). الفركتانات المرتبطة في سلسلة قصيرة تعرف باسم Fructooligosaccharides. يوجد الفركتان في بعض الاطعمة مثل الخرشوف، والهليون، والكراث، والثوم، والبصل (بما في ذلك البصل الربيعي)، كذلك حبوب القمح.
أظهر الفركتان تأثيراً مثبطاً على تكاثر فيروس Influenza A virus في الجسم الحي عندما تم تغذية فئران التجارب عليه فمياً. بالإضافة إلى ذلك، عزز الفركتان إنتاج الأجسام المضادة المعادية ضد فيروس الأنفلونزا أ. ولذلك، فإن الآلية المضادة للفيروسات من الفركتان تعتمد فيما يبدو على دعم الجهاز المناعي للمضيف، أي أن تحسين وظيفة المناعة لديه تحقق عن طريق إدارة عديد السكاريد. ولأن البصل مصدر جيد للفركتان خاصة البصل الأخضر (بصل الربيع، الصلطة أو النفيس)، بالتالي هو أحد الإستراتيجيات الغذائية لمقاومة فيروس الأانفلونزا والعلاج منه.
التأثير المناعي للبصل:
المكونات البيولوجية النشطة للبصل التي صُنفت على أنها "مضادات أكسدة" لها تأثير مضاد للبكتيريا وللفيروسات وللفطريات، كذلك أيضا مضادة للالتهاب؛ حيث أنها مُحفزات للتأثيرات الإيجابية على الأعضاء اللمفاوية.
يحتوي البصل على مواد مشابهة في تأثيرها للمضادات الحيوية. وأن تخليق الجلوبيولينات المناعية كان أعلى عند التغذية على البصل. ذُكر أن تأثيرات البصل والثوم على الغلوبولينات المناعية كانت مشابهة للمضادات الحيوية. كما ثبت زيادة إنتاج الأجسام المناعية بتناول البصل.
كما أوصي Albert Hermelín في كتابه "أخيراً... توقف عن الإصابة بالبرد والأنفلونزا" بتناول البصل والثوم معاً في حساء مُكون من (فصوص رأس ثوم مقشرة وست بصلات مقشرة) ويُقطع البصل والثوم، مع إضافة الفلفل الحار إلى الحساء لزيادة فاعلية البصل والثوم.
وأخيراً فإن للثوم والبصل فوائد علاجية ضد نزلات البرد والأنفلونزا وليست وقائية فقط، بحسب دراسة أجراها مركز الطب التكاملي في كندا ونشرتها مجلة «طبيب الأسرة الكندي». اعتمدت الدراسة على تجارب اكلينيكية لقياس تأثيرات الثوم والبصل، وأكدت النتائج التأثير الوقائي والعلاجي لكل من الثوم والبصل مع مشاركة فيتامين C.
المصدر
موقع علم وحياة
ساحة النقاش