<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
إن حوار الثقافات هو حوار بين الشعوب المختلفة ذات الحضارات المتنوعة، ويحاول طارحو هذه الفكرة التقريب بين الشعوب التي مزقتها السياسات المتعارضة المبنية على المصالح المادية في أغلب الأحوال، ويعتبر المثقفون من الفاعلين الأساسيين في حقل حوار الثقافات ، ودورهم رئيسي في تقريب وجهات النظر المتباعدة. وقد طرحت فكرة حوار الثقافات لمواجهة العولمة التي أرادت ابتلاع كل الشعوب بالاتجاه نحو ثقافة عالمية مشتركة ( عولمة الثقافة )، حيث أصبح العديد من المبادئ والقيم المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان ووضعية المرأة والأقليات مكونات لثقافة كثير من الشعوب. ففي عالم، لم يعد فيه مكان للمجتمع ولا للدولة ولا للفرد، وفي عالم صار فيه نظام السوق هو المحدد لكل العلاقات سياسية كانت أو اجتماعية أو ثقافية أو فكرية ، وحيث أصبح العالم من منظور العولمة شبكة واسعة للاتصال أو ما يحلو للبعض أن يسميه "قرية صغيرة" . أمام هذا كله، كان لا بدّ أن يتحرك المفكرون في قضايا الإنسانية لإنقاذها من هول العولمة الذي أرادها شكلاً واحداً أو آلياً، إن لم نقل صورة أميركية في كل بقاع العالم . وهكذا ما أن أطلت الألفية الثالثة حتى بدأ حوار الثقافات ليدافع كل طرف عن حقه من موقع خصوصيته الإقليمية وهويته الثقافية لمواجهة المعركة العالمية الجديدة، معركة العولمة .
إن حوار الثقافات ليس غاية في ذاته وإنما هو وسيلة لغاية أسمى، هي تحقيق التقارب بين الثقافات المختلفة وتفادي الخلافات المؤدية للنزاعات الإقليمية والدولية والحروب والتطرف. فإذا لم يكن حوار الثقافات غاية في ذاته، فهو آلية أو وسيلة لتقريب وجهات النظر المتباعدة، وتحقيق التواصل والتفاهم بين الجماعات الثقافية المتعايشة في أمكنة مختلفة وزمان واحد، هو الألفية الثالثة، زمن العولمة. وقد ثبت أن الحوار المبني على احترام الآخر هو الحلّ الأمثل لكل خلاف، ولتدبير النزاعات بدءاً من النزاعات البسيطة إلى الأكثر تعقيداً. إنه أيضاً رافعة ذات أهمية كبيرة من روافع التنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لأننا بحوار الثقافات، نسمح لأنفسنا بإمكانات التواصل والتبادل بين الجماعات المختلفة، وكذلك بين مكوّنات المجتمع الواحد.
لكن لا يجب الاعتقاد بأن الحوار الثقافي حلّ سحري للنزاعات التي تعرفها المجتمعات البشرية، لأنه ولبلوغ هذه الغاية، لا بدّ من البحث في الأسباب الموضوعية لهذه النزاعات، كالفقر والحرمان والتهميش والاستغلال وتصادم المصالح . ثم إن التحاور لا يعني احترام ثقافة الآخر فقط ، وإنما يعني أيضاً إعادة النظر في الذات الثقافية والحضارية من أجل معرفة ما لحقها من ضعف وعجز وخمول وتقاعس، والعمل على إصلاحها، لهذا يجب ألا نتعصب لفكرنا، بخلقنا لفكر نمطي، نعتقده هو الأمثل، لأن التعصب لا يزيد المشاعر إلا حقداً وكراهية للآخر، وما نقوله عن أنفسنا، ينطبق على ذاك الآخر أيضاً، الذي هو طرف في الحوار معنا.
إن حوار الثقافات هو مقاربة لحلّ مشكل النزاعات بين شعوب حاملة لثقافات مختلفة، لكنه ليس دعوة لتخلي أي طرف عن خصوصياته الثقافية إرضاء للآخر أو تفضلاً أو تنازلاً، بل هو اعتراف متبادل بهذه الخصوصية الثقافية، هذه الخصوصية التي لا تخلو من بذرة كونية تهمّ كلّ البشرية كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يجب أن يؤمن بها كل طرف محاور .
غير أن الاعتراف المتبادل بالحقوق الثقافية، لا يمكن أن يتأتى إلا من خلال انفتاح مختلف الثقافات بعضها على بعض والدخول في حوار جاد ومسؤول .
إننا لا نجادل في مشروعية الحقوق الثقافية التي أضحت مكتسباً لا تراجع عنه، لكن تحديد هذه الحقوق هو بيت القصيد، بل إن الأمر يصبح معقداً عندما تتعارض مع بعضها التصوارات المتعلقة بطبيعة الثقافة وبمكانتها ودورها في المجتمع، وعندما يدعي طرف معين ( أو أطراف معينة ) أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وأن ثقافته أو حضارته أو دينه هي أرقى ثقافة أو حضارة أو دين على وجه البسيطة، ويسعى باسم هذا التفوق المزعوم إلى سحق الثقافات أو الحضارات أو الديانات المغايرة. وهنا يكمن مشكل العولمة التي أرادت أمركة العالم، وجعله نمطاً واحداً في كلّ المجالات، وكأن أميركا وحدها هي العالم والباقي لا وجود له.
نلاحظ من خلال ما ذكرناه أن حوار الثقافات هو آلية لتحقيق غاية أو غايات مثلى في عالم تضاربت فيه المصالح المادية وطغت فيه الفردانية وكبرت فيه الهوة بين الشمال والجنوب، خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة وظهور نظام القطب الواحد ممثلاً في الولايات المتحدة الأميركية .
اْن الاعتراف بخصوصية الآخر، هذه الخصوصية التي تكونت عبر مراحل تاريخية طويلة، مدمجة في طياتها مجموعة من المكونات الدينية والعقائدية والتقاليد والأعراف، وأنه ليس من السهل التخلي عنها، لكن الحوار بين الأطراف يمكنه تذويب الفوارق في إطار الإيمان بما هو مشترك بين البشر. إن الثقافة أداة التعارف والتفاهم، إنها ذات مكونات متغيرة، وهي مفتوحة التعاريف، محكومة بالتطور، حيث لم يعد أي مجتمع رهين ثقافته الخاصة، ولم يعد سلوك المجتمع نتيجة ثقافته الوطنية فقط، خصوصاً مع وسائل الاتصال المتطورة بين ثقافات القارات الخمس، لهذا فهو مضطر لصياغة قواعد للتعايش والانسجام، الشيء الذي لن يتحقق إلا بحوار هادف.
وهنا تطرح، وبإلحاح، علاقة الخصوصي بالكوني، فلكلّ مجتمع خصوصياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، لكن في ظلّ عالم اليوم، الأحادي القطب والذي أرادت أن تجعل منه العولمة نمطاً واحداً، بدأت تظهر مسألة الخصوصية أمام الكونية، وبدأ السؤال التالي على الألسنة : هل نتشبث بخصوصيتنا، وهنا نرفض الآخر تحت مجموعة من الذرائع، قد تكون واهية في أغلب الأحوال، أم ننفتح على هذا الآخر، وهو مالك، أيضاً، لخصوصياته، علماً أن هذا الانفتاح لا يعني تذويب خصوصياتنا في خصوصية الآخر من أجل أن يبتلعنا أو نبتلعه، ولكن من أجل تحاور متبادل في إطار قبول كلّ طرف للآخر واحترامه. ونحن عندما نفتح مجال الحوار بين الثقافات، نكون قد انطلقنا فعلاً في هذا الطريق، أما إذا رفضنا هذا الحوار، من باب رفضنا لما هو كوني ( العولمة )، فسنكون قد وضعنا لأنفسنا قفصاً نتقوقع بداخله وكأننا خائفين من واقع بات مفروضاً.
لهذا، وبدل التشبث بهذه الخصوصية إلى حدّ التطرف، ينبغي التحرك للكشف عن المضامين المشتركة، الكامنة في أغلب ثقافات الجنس البشري والتي تنشد حرية الإنسان وكرامته في الحياة أينما كان .
- البحث عن التوافقات التي تؤسس للعيش المشترك.
- السعي لمعرفة الآخر وفهم المنطق الذي يحكم سلوكه وتفكيره.
- خلق مساحة عامة، نلتقي فيها مع الآخر من أجل الحفاظ على مكتسبات الحضارة الإنسانية التي هي ملك للجميع وليست وقفاً على أحد.
- السماح للجماهير باللقاء حول ثقافة غير ثقافتهم الأصلية وحول مضامين كونية مرتبطة بالحقائق العلمية والمنتوجات الفنية والمبادئ القانونية والسياسية.
- السماح باكتشاف الآخر وكذلك اكتشاف ثقافته من دون النظر إليها من بعيد ونحن نحمل أفكاراً مسبقة حولها مما يتسبب لنا في رفضها والنفور منها .
لكن، إذا كان حوار الثقافات آلية ووسيلة لفض النزاعات، فيلزمه، لتحقيق غاياته، مجموعة من الشروط الضرورية لإقامته ، مثل :
- البحث عن قواسم مشتركة بين الثقافات القائمة.
- الوصول إلى اتفاق على صياغة مجموعة من القيم العالمية التي تأخذ بعين الاعتبار التنوع الثقافي كقيم التسامح والاختلاف.
- الاعتراف بأن لكلّ شعب حقه في اختيار دينه، والاحتفاظ بثقافته المحلية، وهذا من صميم الديمقراطية، لكن هذا لن يتأتى إلا إذا آمن الجميع بالطابع النسبي والتاريخي للفكر البشري عموماً، ولمختلف الثقافات والحضارات على وجه الخصوص.
- التخلي عن مبدأ التفوق التقابلي بين القيم الثقافية.
- القبول بمبدأ الاختلاف النسبي لأنه لا توجد حقيقة مطلقة، وإن وجدت فهي بدرجة متفاوتة.
- وجود حسن النية بين الأطراف المتحاورة، وهي أساس لا بدّ منه لتحقيق الأهداف المشتركة.
- التخلص من الفكر الدوغمائي لأن من يفكر بهذه الطريقة، لا يمكنه أن يتحاور لا مع نفسه ولا مع ذوات أخرى مختلفة.
- الاعتراف المتبادل بتقاليد الثقافات المتنوعة، وحتى يتم ذلك، لا بد من الاعتراف بالآخر ومحاورته بدل رفضه والتقوقع على الذات، بل علينا تجاوز نقطة الاعتراف المتبادل والاتجاه نحو تقبل التفاعل بين الهويات الثقافية المتعددة والتي تسمح بالتعايش بين مختلف التنوعات الثقافية، ولا غرابة في ذلك إذا كان الكلّ يبحث عن مرجعية كونية خاصة مع ترسانة الاتفاقيات الدولية في العديد من المجالات: حقوق الإنسان، الطفل، العنف ...، لكن المشكلة هنا تكمن في إمكانية التزاوج بين ما هو كوني وما هو خصوصي، كما ذكرنا أعلاه، لنجد أنفسنا أمام أمرين: إما الالتزام بمقتضيات الكونية الناتجة عن مسار توحد البشرية عبر توحد آليات الأنظمة الاقتصادية والاتصال، أو التشبث بحق الثقافات في التمايز والاختلاف، ليبقى الإشكال هو إيجاد صيغة تأليفية بين الأمرين ما دام الكل متفقاً على المبدأ .
- التخلص من عقدة الكراهية والتعصب التي تضع أمامنا جدارا منيعا للدخول في الحوار.
- تأسيس ثقافة الحوار قبل البدء في الحوار، هذه الثقافة المنطلقة من مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بمعنى آخر، تأسيس المساواة بين المتحاورين، وكذلك ثقافة اللاعنف والتي لها أهمية كبيرة في الدعوة إلى حوار الثقافات، فهي تمثل القاسم المشترك بين الكثير من المثقفين ورجال السياسة والدين والمفكرين، ليس في العالم العربي وحده، وإنما في العالم بأسره خصوصاً مع تفشي ظاهرة العنف في كلّ الدول من دون استثناء. بل إن محاربة العنف لم يعد الحديث عنها ترفاً فكرياً وإنما ضرورة مصيرية من أجل إقامة ثقافة السلم .
- النقد المزدوج أي نقد الذات وتفكيك خطاب الآخر، أي النقد الذاتي للأنا العربية لأنه هو الخطوة الأولى نحو حوار جاد بدل التقوقع على الذات، والرجوع إلى الماضي في محاولة منا لعدم الدخول في دائرة العولمة، ومن دون جهد منّا لمحاولة فهمها قبل قبولها أو رفضها، أما تفكيك خطاب الآخر، فيتطلب المتابعة الدقيقة للحوار الفكري العميق الذي يدور في مراكز التفكير العالمية والعواصم الثقافية الكبرى والمشاركة فيها.
- قبول أطراف الحوار بالاختلاف وإدراكهم أن للحوار مستويين :
· مستوى داخلي ضمن الحضارة الواحدة للوصول إلى معالم الخطاب المعتمد.
· مستوى خارجي موجه إلى الأطراف الأخرى .
وكلاهما متعدد الأبعاد، فالغرب ليس كتلة واحدة، والشرق ليس كتلة واحدة، وهذا يتطلب الإقناع بضرورة سعي كل طرف لرصد وفهم خطاب الطرف الآخر، مؤكداً أن الثقافات تقوم على الإبداع وتختلف مساراتها باختلاف الشعوب التي أنتجتها. ولأن مبدأ "الكونية، يقتضي أن يضع كلّ طرف نفسه في موضع الأطراف الأخرى، وأن يقر بالنقد المتبادل، كشرط لقيام تفاهم متبادل، فكيف يمكن أن تتصرف الذات، التي تواجه أثناء تواصلها مع أفراد منتمين إلى ثقافة أجنبية، معطيات يصعب استيعابها. فعندما تكون الثقافات متنافرة، تطرح بحدة مسألة الهوية والاعتراف بالآخر ومسألة الترجمة وقراءة وتأويل ما هو أجنبي وغريب .
- وجود حد أدنى من المرجعية المشتركة التي عمقت مفاهيمها قيم الحرية والعدالة والمساواة بين جميع البشر شعوبا وأفرادا على حد سواء، وهذا دليل على أن حوار الثقافات لا يدور في إطار الخصوصيات القومية والثقافية، وإنما في إطار المشتركات الإنسانية أي القواعد والمعايير التي يقبل الجميع النظر إليها باعتبارها قاسما مشتركا مقبولا من جميع أو أغلب المجتمعات البشرية .
- عدم اعتبار الآخر نقيضا وإنما مغايرا فقط .
إن وجود أهداف مسطرة ،من قبل لإقامة حوار الثقافات، وتحديد مجموعة من الشروط، يمكن اعتبارها ميثاقاً بين كلّ أطراف الحوار. إن كلّ هذا يوهمنا بأن حوار الثقافات خالٍ من كلّ الشوائب والانخراط فيه سهل، لكن الحقيقة، أن حوار الثقافات تعترضه مجموعة من العراقيل والمعيقات يمكن اختزالها في مفهوم الثقافة نفسه والذي يحمل أكثر من معنى بحسب الجماعات البشرية، وبحسب المفهوم العربي أو الغربي لها. ثم إن الثقافة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالهوية، ولهذا يصعب على كلّ فرد التنكر لهويته، واتخاذ المسافة اللازمة بينه وبين ذاته وثقافته من أجل فحصها ونقدها.
ساحة النقاش