أ.د/ هاني جرجس عياد

اْستاذ جامعي وكاتب صحفي

<!--

<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->

الهجرة غير الشرعية خطر بات يهدد جميع الدول الغني منها والفقير على السواء ، فالدول المتقدمة تعانى ممن يفدون إليها بوسائل غير قانونيه مما قد يسبب لها أزمات أمنية واقتصادية . والدول النامية الفقيرة تعانى أيضا حيث يتركها شبابها ويلقون بأنفسهم في براثن الموت .                                 

وقد عادت ظاهرة الهجرة غير الشرعية لتبرز على سطح الأحداث خلال الآونة الأخيرة في مصر رغم حملات التوعية والأنباء التي تتواتر في وسائل الإعلام حول اعتقال عشرات الشباب بسواحل الدول الأوروبية وترحيلهم إلى مصر مرة أخرى . ولكن التوعية والأعلام لم يفلحا على ما يبدو في تغيير قناعه الكثيرين بأن الحل الوحيد لأزمة البطالة التي تفاقمت في مصر بشكل ملحوظ يتمثل في الفرار إلى الخارج للعمل وجمع الأموال . 

أن هناك عدة عوامل تضافرت وجعلت من الهجرة غير الشرعية ظاهرة ، ولعل أهمها ارتفاع مستويات الفقر وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة وعدم توافر فرص عمل ، فقد زادت نسبة البطالة خلال الأعوام الماضية ، حيث وصلت إلى ( 10% ) عام 2002 ، وفي عام 2003 زادت النسبة إلى ( 10.7% ) ، وبلغت في عام  2004 ( 11% ) ، حتى وصلت في عام 2014 إلي (18 % ) . إن فقدان الشباب الأمل في إيجاد فرص العمل سواء في تخصصاتهم أو حتى في غيرها -  والتي أصبح الوصول إليها كالحلم الذي يلوح من بعيد ولا يستطيع احد تداركه - ، جعلهم يتجهون إلى ملاذ غير امن للشاب ألا وهو الهجرة غير الشرعية .

وقد ساعد على تزايد الظاهرة مؤخرا نشاط سماسرة الهجرة غير الشرعية في العديد من المحافظات المصرية والذين يقومون بالدور الأهم في عملية الإيقاع بالمواطنين عبر إيهامهم وذويهم بسهولة الأمر وسرد عشرات من قصص النجاح الوهمية لأشخاص هاجروا بطرق غير رسمية تمهيدا للاتفاق على المبالغ المالية التي سيحصلون عليها منهم مقابل تسهيل عملية التسلل التي غالبا ما تكون عن طريق البحر من خلال الموانئ المختلفة باستخدام قوارب صيد يتم إخفاؤهم بداخلها ورميهم قبالة المياه الإقليمية لسواحل الدول المهاجر إليها وغالبا ما تكون إيطاليا وبعض الجزر القريبة منها، ليقوموا بدورهم بالسباحة عدة كيلومترات حتى الوصول إلى الشاطئ، وفى أغلب الأوقات يلقي خفر السواحل القبض عليهم أو يقعون في قبضة الأجهزة الأمنية التي تراقب الحدود . وفى تقديرنا أن من يلقى بنفسه في يد سماسرة البشر كي يعاونوه على تدمير مستقبله بالسفر بطرق غير آمنه يفتقد القدرة على استشعار أهميه الحياة بالنسبة له . 

إن الشباب لم يعد أمامه سوى طريق واحد يبدؤه بدفع آلاف الجنيهات لسماسرة هذا النوع من الاتجار في البشر، فإما أن ينجح مع مئات الأفراد في الانتقال إلى بلاد الأحلام عبر مركب متوسط الحال في عرض البحر، وإما أن يكونوا وجبة دسمة لأسماك القرش ، وغنيمة مربحة للقراصنة ، وسط مرأى ومسمع المسئولين الذين عجزوا عن تقديم بدائل وحلول قابلة للتنفيذ للقضاء على تلك الظاهرة التي شهدت معدلات مرتفعة خلال نظام المخلوع هربا من الحياة القاسية ، ومازالت منتشرة بعد الثورة أيضاً . لم يعرف أبناء مصر طريق الهجرة غير الشرعية إلى عدد من الدول الأوروبية بشكل مباشر، حيث بدأت رغبة المصريين في السفر أولا إلى بلاد الخليج النفطية ، بحثا عن لقمة العيش في منتصف السبعينيات ، وازداد توافدهم عليها تدريجيا حتى لاح بريق الدول الغربية في عيون الكثيرين ، خاصة هؤلاء الذين لم يتمكنوا من خوض تجربة السفر للعمل في إحدى الدول العربية ، واطلعوا على معاناة المصريين بالخليج ، والذين قصوا عليهم شكاواهم الدائمة من انتهاء مرحلة الرواج النفطي الهائل ، وظهور مشكلة الانكماش الاقتصادي وتأثيره على مستوى الدخل هناك ، وفقا للتقرير الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية . فمع زيادة التدافع على الدول النفطية ، لجأت الأخيرة بداية من عام 1995 إلى إتباع مجموعة من الإجراءات القانونية الصارمة للحد من أرقام المهاجرين إليها حتى بدأ الشباب يسلكون اتجاها آخر لا يعرف أي تضييق أمنى أو قانوني ، ولكنه محفوف بكثير من المخاطر، وهو استقلال المراكب والنزول بها على حدود دول مثل إيطاليا وفرنسا واليونان وغيرها .

وتتضارب التقديرات بشأن حجم الهجرة غير الشرعية ، فمنظمة العمل الدولية تقدر حجم الهجرة السرية ما بين 10- 15% من عدد المهاجرين في العالم البالغ حسب التقديرات الأخيرة للأمم المتحدة حوالي 180 مليون شخص . ومنظمة الهجرة الدولية تقدر حجم الهجرة غير القانونية في دول الاتحاد الأوروبي بنحو 1.5 مليون شخص . ويشير تقرير عن المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر إلى زيادة عدد ضحايا الهجرة غير المنظمة من البلدان العربية خلال السنوات العشر الأخيرة بنسبة 300% ، مما يمثل استنزافاً مستمراً للموارد البشرية لدول الجنوب . وفي ضوء تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، يشير التقرير إلى وقوع الشباب في دائرة المحظور من خلال اللجوء إلى سماسرة السوق ومكاتب السفريات غير القانونية ووسطاء الهجرة الذين يتقاضون من كل شاب ما يقرب من 30 ألف جنيه للسفر. وتنتشر على الحدود مع ليبيا أو في بعض المحافظات المصرية عصابات للنصب على الشباب ، وتتقاضى منهم مبالغ طائلة بدعوى توفير فرص عمل لهم في ايطاليا أو أوروبا ثم يهربون بهذه الأموال دون أن يحاسبهم أحد ، وتنتهي رحلة الشباب إما بالموت أو السجن والترحيل . وهناك طرق عديدة لتهريب المهاجرين غير الشرعيين ، منها  التسلل إلى ليبيا، حيث يتم تهريب المهاجرين إلى إيطاليا ومالطا ، وعن طريق الأردن يتم تهريب المهاجرين إلى قبرص واليونان أو تركيا.

وفي الشارع المصري إذا تفوهت بمصطلح "الهجرة" فأول ما يقفز إلى الأذهان هو "إيطاليا" ، حيث إنها أكثر دول الاتحاد الأوروبي استقبالاً للمصريين . وقد كشف تقرير صادر عن وزارة الداخلية الإيطالية أنه خلال عشر سنوات تضاعف عدد دخول الأجانب ليصل إلى أكثر من مليونين و400 ألف مهاجر يحملون إقامة رسمية ، من بينهم أكثر من 300 ألف مهاجر مصري مسجلين رسميا ، وأكثر من 200 ألف من المهاجرين غير الشرعيين، بينما أشارت إحصائيات الأمن الإيطالية في الربع الأول من عام 2009، استقبال سواحل كالابريا 14 زورقاً محملة بأكثر من 1500 مهاجر غير شرعي معظمهم من المصريين .

إن الأمر أصبح زائدا عن الحد وهؤلاء الشباب يحتاجون إلى المزيد من التوعية بمغبة المخاطرة بحياتهم في طريق المجهول ورحلة اللاعودة حيث ينتهي بهم المطاف دائما بالموت غرقا لعدم استطاعتهم السباحة لمسافات طويلة أو إطلاق النار عليهم من جانب السلطات الأمنية التي تقوم على حراسة السواحل التي يصلون إليها وفي أحسن الأحوال يجري إلقاء القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة في هذه الدول بتهمة التسلل بطرق غير شرعية.

لذلك نري توفير البديل الشرعي وهذا من خلال ثلاثة اتجاهات :

الاتجاه الأول : التنسيق والتعاون مع إيطاليا وغيرها من الدول الأوروبية من خلال توقيع اتفاقيات في مجال العمالة المصرية .

الاتجاه الثاني : عقد اتفاقيات مع دول عربية وبالفعل عقدت مؤخرا اتفاقيات مع الأردن وليبيا وقطر وتتراوح فرص العمل الجديدة في السوق العربية ما بين 350 إلى 400 في العام .  

الاتجاه الثالث : محاولة توفير فرص عمل داخل مصر ولدينا 300 مكتب تشغيل موزعة في مختلف أنحاء الجمهورية .

كذلك نطالب الحكومة وبالتحديد وزارة القوى العاملة والهجرة بإعداد خطة إستراتيجية ثلاثية الأبعاد أمنية وقانونية وإعلامية للتعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية، ووقف نزيف ضياع مستقبل آلاف الشباب باعتبارهم ثروة بشرية قومية، وفيما يلي بيانًا بأهم عناصر هذه الإستراتيجية :                  

1- تولى وزارة القوى العاملة والهجرة بالتنسيق مع الوزارات والهيئات المعنية إعداد العمالة المطلوبة والمناسبة لسوق العمل الأوروبي من خلال معرفة متطلبات الدول الأوروبية من الخبرات اللازمة لسد النقص في الكفاءات والقطاعات المطلوب عمالة لها. - تقنين أوضاع المصريين المهاجرين هجرة غير شرعية بقدر ما تسمح به ظروف الدول المستقبلة وبما يخدم الأوضاع الاقتصادية لكل من دول المهجر ودول المنشأ، ومن خلال آليات تعاون فني وأمنى وقضائي وتشريعي ، وفي إطار الاحترام الكامل لحقوق المهاجرين .                                                    

2- مع ضرورة قيام الحكومة بتوفير نقص احتياجات الشباب من فرص العمل التي هي الهدف الأساسي وراء هجرتهم للخارج، والتي تعد أيضاً أبسط حقوقهم في الحياة وكفلته لهم كافة الحقوق والمواثيق الإنسانية ، وكذلك القطاع الخاص عليه دور رئيسي بتوسيع الاستثمار داخل مصر بدلا من الاستثمار خارجها .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

 

المصدر: منشور ببوابة روزاليوسف الالكترونية – مصر – بتاريخ 9-5-2014م
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 53 مشاهدة
نشرت فى 4 إبريل 2015 بواسطة hany2015

ساحة النقاش

أ.د/ هاني جرجس عياد

hany2015
اْستاذ جامعي وكاتب صحفي »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,603