<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman","serif";} </style> <![endif]-->
إن مفهومي الدولة والمجتمع المدني مفهومان متكاملان ، إذ لا يمكن أن ينهض المجتمع المدني ويؤدى رسالته في التنمية والتقدم دون دولة قوية تقوم على مؤسسات دستورية ، وتعمل على فرض القانون .
غير أن العلاقة بين منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية تتسم بالتوافق تارة والتصادم تارة أخرى ، وتتعدد وتتشابه الآراء ووجهات النظر بينهما في العديد من القضايا المعنية بالمجتمع ، ونشاط كلا الطرفين فيه ، وتتعدد الآراء هذا يصب دائما في مصلحة القضية المنظورة ، إلا اْنه من الضروري أن نعى جيدا أن العلاقة المفترضة بين المجتمع المدني والجهات الحكومية في اْى مكان في العالم ليست علاقة تنافس ، بل علاقة مبنية على أسس متكاملة من التعاون والترابط ، لاْن دور كلا الطرفين مكمل لدور الآخر ، كما أن الأسس التنموية التي بني عليها كلا الطرفين أفكاره وأهدافه تصب في مصلحة المجتمع الذي يعيشون فيه ، لاْن تعاونهم مبنى على الرقى وإثراء الحياة الثقافية والفكرية في البلاد ، بالإضافة إلى تنمية مهارات الأفراد في أداء الخدمات للمواطنين في جميع مجالات الخدمة الاجتماعية .
اْنه من غير المفترض أن تتصارع مصالح المجتمع المدني والدولة ، فاْصل العلاقة بينهما هي التعاون في إطار سيادة القانون ، وبما يخدم مصالح المجتمع . أن الدولة لازمة لاستقرار المجتمع المدني ، ونجاحه في أداء وظائفه ، ولا يشترط أن تكون هذه الدولة ديمقراطية ، ولكن دون أن تكون دولة استبدادية ، واْن تخضع في أداء وظائفها لقواعد عقلانية ، وتكون هذه القواعد قد وضعت عن طريق ذوى الخبرة والدراية ، عن طريق برلمان أو أن تكون قد تولدت عبر فترات زمنية طويلة .
أن المجتمع المدني هو الوسيلة المثلى التي يستخدمها الأفراد للضغط على صانع القرار ، فالمجتمع المدني هو البديل عن الدولة في تقديم الخدمات وحماية حقوق الاْقراد .
ويمكن إضافة بعدا آخر لهذه الأبعاد يتعلق بالبعد القيمى ، فالمجتمع المدني لا ينشط فقط لوجود هياكل مستقلة رسميا عن الدولة ، فلا قيمة لها إذا لم تسانده ثقافة مجتمعية تؤكد على ضرورة تقييد السلطات العامة للدولة .
ويمثل ذلك خلافا لواقع العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في العديد من البلدان العربية ، ومن بينها مصر ، إذ لجأت العديد من النظم العربية إلى السماح لهذه المؤسسات بمساحة من الحرية والتعاون معها في مجال تقديم الخدمات ، التي تعجز الدولة عن تقديمها ، مع استمرار تمتعها بنفس السلطات والامتيازات التي تسمح لها في كثير من الأحيان بتقويض نشاط هذه المؤسسات ، بل ومنع هذا النشاط إذا اقتضت الضرورة .
أن المجتمع المصري ، قد تأثر بشكل كبير ، بطبيعة الدولة المصرية المركزية ، ويشكل ذلك اتجاها عاما ، للرحلة التاريخية للمجتمع المدني . فالدولة المركزية هنا ، تطرح وبقوة " السلطة الأبوية " ، وتركزها في مواقع صنع القرار السياسي ، ثم في أجهزتها البيروقراطية ، التي لعبت هي الأخرى دورا في صياغة المجتمع المدني . وعلى الجانب الآخر ، فان المؤسسات المدنية ، قد تركزت تاريخيا في القاهرة ( قلب الدولة المركزية ) ، ثم الإسكندرية . ولعل مراجعة التوزيع الجغرافي للجمعيات الأهلية ، سوف يكشف لنا اْنه حتى هذه اللحظة ، هناك عدم توازن شديد بين توزيع الجمعيات على محافظات الجمهورية ، بل أن هناك أحيانا غيابا تاما لهذه الجمعيات في بعض القرى والمدن المصرية .
ولعل الملمح الرئيسي الأول ، الذي اتسمت به العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في مصر ، عبر هذه الرحلة الطويلة ، هو هشاشة وضعف الثقة بين الطرفين . وقد انعكس ذلك على التشريعات التي تنظم أوضاع المجتمع المدني ، خاصة بعد ثورة يوليو 1952 ، وانعكس ذلك أيضا على التعامل الاْمنى من جانب الدولة مع بعض قطاعات المجتمع المدني في مصر ، والتي نشطت في إطار الدعوة للإصلاح بشكل عام .
أن قانون الجمعيات الأهلية رقم 32 لسنة 1964 ، ومن قبله قوانين 1954 ، 1956 ، قد وضع حجر الأساس ، لما نطلق عليه " السلطة الأبوية للدولة " ، والتي استمرت بإشكال مختلفة ، حتى صدر قانون 84 لسنة 2002 ( بل أن بعض مواده تعكس استمرار هذا التوجه) .
لقد تمثل ذلك في تكريس النصوص القانونية للأبعاد التالية :
1- الرقابة المسبقة على التأسيس ، وعلى أعضاء المنظمات .
2- الرقابة خلال ممارسة الأنشطة من خلال آليات متعددة .
3- حق الحكومة في رفض تأسيس منظمات ترى (في قانون 32) أن المجتمع ليس بحاجة إليها .
4- حق الحل الادارى للجمعيات ، وليس عن طريق القضاء (قانون154 لسنة 1999 الذي قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريته كان يجعل القضاء هو الحكم ، وهو ما ارتد عنه القانون 84 لسنة 2002 ، وأعاد حق الحل للسلطة التنفيذية ) .
5- الموافقة المسبقة على التمويل من الخارج ، وهو مازال قضية جدلية .
لقد كان أهم ما حققه القانون 84 لسنة 2002 ، هو فتح أبواب النشاط ، بمعنى أن المنظمات الحقوقية النشطة في حقوق الإنسان ، لها تسجيل نفسها وفقا للقانون ( يفترض أن يتم ذلك بشكل قانوني ، اْى تقوم هذه المنظمات بتوفيق أوضاعها ) ، إلا أن ذلك لم يتحقق في جانب منه ، حيث أن العديد من المنظمات تفضل قانون " الشركات المدنية غير الربحية " .
إذن القانون في تعامله مع هذه القطاعات من مؤسسات المجتمع المدني ، قد انطلق إما من استمرار " السلطة الأبوية " و "الوصاية " ، أو من منطلق " تصفية الخصوم السياسيين " . وفى التقييم النهائي ، يمكن القول أن آلة التشريعات أخفقت في الحالتين .
ساحة النقاش