<!--<!--
يشهد قطاع التعليم مؤخراً نقلة نوعية من التعليم إلى التعلّم وذلك بسبب التطور الكبير في تكنولوجيا المعلومات وانتشار الشبكة العنكبوتية ، وعليه فإن الكثير من مؤسسات التعليم العالي وجدت أن لا خيار أمامها سوى تبني التعليم الإلكتروني ودمجه في برامجها التعليمية . ولا شك أن المتتبع للتطورات المعاصرة في التعليم يرى أن التعليم الإلكتروني هو مستقبل التعليم وعليه فإننا نرى أن هناك تزايداً مستمراً في الإقرار بأن هذا النمط من التعليم يوفر فرصاً مساوية وربما اكبر في إيصال المعلومات من التعليم الوجاهي ، ففي هذا النمط من التعلم يتصل المتعلمون والمعلمون والمواد الدراسية ، وبهذا الاتصال التعاوني التشاركي يتسع أفق التعلم وتزداد القدرة التعليمية للمتعلّم .
ويشير مفهوم التشارك إلى العمل في مجموعة من فردين أو أكثر لانجاز هدف مشترك ، ويراعى تقدير مساهمات كل فرد في المجموعة ، الأمر الذي يعمل على توطيد العلاقات فيما بين أفراد المجموعة . ويعد التعلم التشاركي من أهم الاستراتيجيات التي أثبتت تميزها وأهميتها ، حيث إنها توفر للمشاركين فرصة للتعلم ومشاركة مصادر المعلومات المتنوعة ، فضلا عن إمكانية تبادل الخبرات فيما بينهم ، حيث لا يقتصر الهدف الرئيس للتعلم التشاركي على اكتساب المعرفة ومشاركتها فحسب بل يتعدى ذلك إلى اكتساب الفرد القدرة على بناء المعرفة بطرق مبتكرة وجديدة . في حين يعرف التعلم التشاركى عبر الويب بأنه إستراتيجية تعلم تتمركز حول الطالب وتعتمد على التفاعل الاجتماعي كأساس لبناء المعرفة من خلال توظيف أدوات التواصل المتنوعة التي يوفرها الويب .
وتسهم أدوات التعلم الالكتروني في نقل خصائص الاتصال وجها لوجهه التي يتسم بها التعليم التقليدي إلى بيئة التعلم الالكتروني القائم على الويب ، ويمكن تحقيق اى شكل من أشكال التعلم التشاركي في بيئة التعلم القائم على الويب من خلال الأدوات التي يوفرها سواء أكانت تزامنية مثل غرف الحوار المباشر ومؤتمرات الفيديو والمؤتمرات الصوتية ، أم غير تزامنية مثل منتديات المناقشة الالكترونية والبريد الالكتروني ، فتتاح فرصة للطلاب للتواصل فيما بينهم وقراءة الرسائل الواردة والاطلاع والرد عليها ، حيث يتاح للطلاب وقت مناسب في عملية التشارك مما يؤدى إلى تعميق فهمهم .
وهنا يتضح الدور الاجتماعي للإنترنت في العلمية التعليمية مع ظهور أدوات الويب 2 التي سرعان ما تناولها الكثير من الباحثين لدراسة فاعليتها في العملية التعليمية وخاصة في ضوء مفهوم بناء المعرفة الذي يتطلب العمل الجماعي المدعم بخبرات الحياة الحقيقية ، من خلال العمل في مجموعات صغيرة أو أزواجاً ، متبادلين الحوار فيما بينهم بأسلوب يسمى التفاوض الاجتماعي .
ويمكن تعريف التفاوض الاجتماعي بأنه منظومة من الإجراءات التي توظف الحوار الاجتماعي خلال الأدوات/البرمجيات الاجتماعية بما يكفل مشاركة جميع أعضاء الفرق بالحوار وإبداء آرائهم خلال التفاعلات الاجتماعية سعيًا لبناء وتكوين المعرفة ومن ثم تطبيقها في مكانها المناسب ، ويتطلب مفهوم التفاوض المزيد من النقاش والتوضيح لنقل المعلومات، كما أن البرمجيات الاجتماعية تتيح للمتعلمين تسخير التقنيات الرقمية التي تمكنهم من إفادة بعضهم بعضًا عن طريق المشاركة في بناء المعرفة .
وتعتبر أدوات التعلم الإلكتروني من أبرز الأدوات والبرمجيات التي يمكن أن يوظف خلالها التفاوض الاجتماعي؛ حيث يتيح التعلم الالكتروني فرصاً عديدة من خلال العمل التعاوني والتشاركي في مجتمعات التعلم عبر الويب ، كما يتيح للمتعلمين الفرص المتساوية للمشاركة والاستماع والتحدث والتعبير عن وجهات النظر ، حيث تعتمد الاتجاهات الحديثة للتعلم الالكتروني على المشاركة والنشاط والفهم والخبرات السابقة والبناء الذاتي المتجدد والابتكار، كما أنها تؤكد على أهمية الحوار الاجتماعي في النمو المعرفي للفرد، ويتم ذلك من خلال السياقات الاجتماعية والثقافية، حيث يتم تكوين المعنى من خلال التفاوض والحوار المعتمد على وجهات نظر متعددة، حيث ساهم التباين في التكنولوجيات والأدوات الجديدة في ظهور استراتيجيات جديدة تعتمد على التفاوض كأساس لتحقيق أفضل لأهداف التعلم عبر الويب ومنها استراتيجيات التعلم التشاركي عبر الويب، ويشار لهذا التطور المتتابع بالويب 2، حيث يمكن وصف الويب 2 بأنها مجموعة من أدوات التفاعل والخدمات عبر الانترنت، والتي يمكن استخدامها لإعادة توظيف المعلومات أو الاستخدام المعدل للمعلومات .
ويشار إلى البرمجيات الاجتماعية بأنها تلك البرمجيات التي تسهل الاتصال الإنساني والتفاعل والتشارك في مجتمعات كبيرة، بهدف دعم التنظيم الذاتي، ودعم المجتمعات المحلية والأفراد، والإبداع، والتعاون، والتشارك، كما يمكن أن تكون أداة مفيدة كذخيرة معرفية مشتركة للمجتمعات في التعلم الالكتروني .
ومن مميزات التعلم التشاركى عبر الويب :
1- استخدام الطلاب لمصادر المعلومات في بحثهم وتوجيه جهودهم نحو التوصل إلى المعلومات من مصادر التعلم المختلفة وجمعها وتنظيمها .
2- إضافة قيمة لهذه المصادر من خلال تداول الطلاب لها وبناء تمثيلات لمعارفهم الخاصة لتحقيق أهداف تعليمية محددة .
3- مسئولية الطلاب فرادى وجماعات عن مشروعاتهم حيث يعمل كل طالب في عمل فرعى محدد ولكنه يكمل عمل الآخرين والذي يؤدى في النهاية إلى مشروع جماعي تشاركي .
4- الدمج بين معرفة المتعلمين ومعرفة الخبراء في المجال مما يساعد على تخطى الحواجز أثناء عملية التعلم ومواكبة التطورات العلمية في المجال .
5- منح المتعلمين فرادى وجماعات مسئولية عن انجازاتهم مما يبرز دور كل متعلم على حده ويساعد على تقويم دوره فرديا بالإضافة إلى تقويم دور المتعلمين ككل .
ويواجه تنفيذ التعليم الإلكتروني عادة تحديات كبيرة أهمها :
1- بناء القدرات: يشكل هذا العامل العائق الرئيس أمام العديد من المؤسسات التي تسعى إلى دمج التعليم الإلكتروني في مؤسسات التعليم العالي لديها حيث يتطلب الأمر إعداد وتقييم مقررات الكترونية فعالة وهذا يحتاج إلى مهارات إضافية متطورة ووقتا وجهداً مكثفين من المعلمين ، ومن المخاطر أيضا في هذا المجال أن الدارسين قد يفتقرون التواصل الوجاهي الإنساني بين المعلم والدارس حيث يتم التواصل عبر الطريقة الإلكترونية فقط .
2- إن هذا التعلم لا يتم إلا بالاتصال عبر الانترنت وبالتالي فان الدارسين الذين يفتقرون إلى وسيلة الاتصال الإلكترونية لن يكون بإمكانهم الاشتراك في التعلم .
3- وجود العديد من الواجبات المحلولة يغري الطلاب بالاستفادة منها وهذا يبرز سؤالا أخلاقيا ويشكك في مصداقية التقييم بهذه الطريقة .
4- كثرة المواد التعليمية المتوفرة الكترونيا تشكل أحيانا عقبة لدى الدارس في اختيار المواد العلمية التي يمكن الوثوق به واعتمادها .
5- عدم ملائمة هذا النمط من التعلم للمواضيع الدراسية التي تحتاج إلى الكثير من التدريب العملي.
إن التعليم الإلكتروني هو جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية وان دمجه مع الوسائل التقليدية في التعليم يشكل حاجة ماسة لتطوير التعليم العالي ، وان مؤسسات التعليم العالي مدعوة بقوة إلى تبني سياسة دمج وتفعيل التعليم الالكتروني في برامجها ، وذلك للاستفادة من مزاياه في إثراء التعليم العالي وتطويره وتنمية طرق التعلم الجديدة لدى الدارسين ، وكذلك للاستفادة من التطور التكنولوجي الضخم والمتزايد في دعم العملية التعليمية وفي تطوير مهارات الدارسين بما يتناسب مع هذا التطور.
ساحة النقاش