<!--
<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin-top:0cm; mso-para-margin-right:0cm; mso-para-margin-bottom:10.0pt; mso-para-margin-left:0cm; line-height:115%; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
لا تكاد تخلو دولة من دول العالم من ظاهرة التحرش الجنسي ، تلك الظاهرة التي حولت حياة مئات الملايين من النساء والفتيات إلى كابوس دائم ، وقضت على مستقبل ملايين من الأطفال فتيان وفتيات بدئوا / بدأن الطفولة بتحرشات وانتهت باعتداءات جنسية ستلازم آثارها المدمرة حياة لم يعيشوها / يعشنها بعد . وكان الصمت والرضوخ مسيطران على ضحاياه وعنواناً للرد على المتحرشين والمعتدين ، وكانت السلطة والقوة ولا زالتا مرتعاً وأرضية خصبة للتحرش الجنسي.
أن التحرش الجنسي لا يحتاج للغة لفهمه ، ولا لشكل أو لباس لممارسته ، ولا لعمر يستهدفه ولا حتى لجنس يفرقه ، وإنما هو فعل غريزي لاأخلاقي يصدر عن أشخاص يعانون من أمراض نفسية عززتها تربية خاطئة لذكورة زائفة وسطحية ، ونظرة دونية للنساء تشكلت عبر التاريخ ، وتتم ممارسته في المحيط الضيق كالبيت وبيوت الجيران والحي ، لينتقل إلى الحيز الأوسع كالأماكن العامة والمؤسسات التعليمية وأماكن العمل.
والتحرش الجنسي هو عبارة عن إيحاءات جنسية غير مرغوب فيها ، لفظية أو جسدية ، أو القيام بسلوك ذات طابع جنسي سواء أكان هذا السلوك بشكل صريح أو ضمني. وله أشكال متعددة ووسائل متنوعة تعتمد على المكان الذي يمارس فيه والسلطة والنفوذ اللذان يتمتع بهما المتحرش. كما ويعتبر التحرش الجنسي بفعل واحد أو عدة أفعال حتى لو بدا بعضها عرضياً أو ثانوياً حادثة منفردة ومستمرة وذات خطورة عالية من السلوك الهجومي الذي أتخذ من الملاحقة والإيحاءات الجنسية الالكترونية وسيلة إضافية.
إن التحرش الجنسي هو عمل واعي مقصود يقوم به إنسان مهووس بقصد إثارة جنسية يتمكن الوصول عن طريقها إلى النشوة الجنسية دون مراعاة لشعور الشخص المعتدى عليه أو الأضرار الناتجة عن تلك الشهوة للشخص المعتدى عليه فهو فعل غير مرغوب فيه من النوع الجنسي يتضمن مجموعة من الأفعال من الانتهاكات البسيطة إلى المضايقات الفجة التي من الممكن أن تتضمن التلفظ بتلميحات جنسية أو إباحية، وصولا إلى النشاطات الجنسية.
و تتلون مظاهره بين التحرش الشفهي من النظرات الموحية إلى إطلاق النكات، والإلحاح في طلب لقاء، وطرح أسئلة جنسية، ثم تتصاعد حتى تصل إلى اللمس والتحسس.
فالمعتدي يقوم بعملية اقتحام لحميمية الآخر، ويتجاوز حدود المساحة الخاصة بحميمية الجسد و التي تقدر مبدئياً بحوالي الـ 45 سنتمتر بدون رضا الآخر.
وإستراتيجية المعتدي هي إستراتيجية إضعاف إرادة الضحية وإرغامها على القبول بمشروعية هذا السلوك ، وهو ما يثير عند الضحية مشاعر قرف و ارتباك لأنه يصادر جسدها و يحوّلها إلى مجرد ركام من اللّحم البشريّ.
و غالبا ما ينتج عن هذا الإحساس بالمطاردة توترات و اضطرابات رهيبة و انهيارات عصبية ، خاصة إذا كانت ظروف المرأة لا تسمح لها بمغادرة مكان العمل أو الدراسة كما تؤثر تجربة التحرش الجنسي على علاقات المرأة و على حياتها الجنسية , فهي تخرب ثقتها بنفسها وينتج لديها جرحا نرجسيا يجعلها إنسانة مشوهة عاجزة عن الحب لا تثق في احد و جاهزة دائما للانتقام من الغير .
فالهرسلة الجنسية ليست تعبيرا عن إعجاب أو حب للمرأة بل هي سلوك انحرافي و تسلطي يعكس آلية نفسية متأصلة في أعماقنا هي "متعة التحكم" أي الرغبة السادية في السيطرة على الطرف الآخر و تطويعه و إخضاع إرادته لإرادتنا و عدم الاعتراف برأيه و برغبته الخاصة.
وننوه إلى دراسات مسحية عديدة لمؤسسات أكاديمية ومؤسسات مجتمع مدني أظهرت مدى تفشي التحرش الجنسي في الأماكن العامة والشوارع في عدد من البلدان ، ففي ولاية أنديانا الأمريكية أجريت دراسة من قبل جامعة أنديانا أواخر الثمانينات وامتدت إلى أوائل التسعينيات من القرن الماضي على عينة من 293 امرأة من مختلف الأعمار تبين أن ما نسبته 100% منهن تعرضن للتحرش الجنسي ، وأظهرت دراسة كندية عام 2000 على 12300 امرأة بعمر 18 عاماً فما فوق أن 80% منهن تعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة والشوارع من قبل غرباء ، ودارسة مسحية على 200 امرأة صينية في بكين أفادت أن 70% منهن تعرضهن للتحرش الجنسي في الشارع وأن 58% منهن تعرضن له في الباصات ، وإن 64% من 632 امرأة يابانية بعمر 20-30 عاماً تعرضن لتحرش جنسي جماعي في القطارات ، وأن 2000 امرأة تقدمن ببلاغات للشرطة خلال عام 2008 (وهو لا يعكس الرقم الحقيقي كون ظاهرة التحرش الجماعي بالقطارات منتشرة في اليابان بشكل خاص).
وفي دراسة مسحية للمركز المصري لحقوق المرأة في مصر عام 2008 أجريت على 2000 رجل وامرأة و109 أجنبيات في أربع محافظات مصرية تبين أن 83% من النساء تعرضن للتحرش الجنسي في الشوارع لمرة واحدة على الأقل ، وأن 50% منهن يتعرضن له بشكل يومي ، كما لم يكن للباس المرأة أثر في منع التحرش حيث تعرضت له المحجبات والمنقبات. وأظهرت دراسة مسحية في اليمن أجرتها جريدة "يمن تايمز" على 70 امرأة من صنعاء أن 90% منهن تعرضن للتحرش الجنسي في الأماكن العامة وأن 20% منهن يتعرضن له بشكل مستمر.
وفي دراسة حديثة أجراها تحالف القضاء على العنف ضد المرأة في لندن في شهر مارس من عام 2012 وشملت 1047 امرأة تتراوح أعمارهن بين 18-34 عاماً، تبين أن 43% منهن تعرضن للتحرش الجنسي خلال عام 2011 فقط.
أما التحرش الجنسي في أماكن العمل ، فتشير إحصائيات أشرفت عليها وكالة رويترز أن السعودية تحتل المرتبة الثالثة بين 24 دولة في قضايا التحرش الجنسي في مواقع العمل، وتبين من خلال الدراسة التي شملت 12 ألف امرأة من دول مختلفة أن 16% من النساء العاملات في السعودية يتعرضن للتحرش الجنسي من قبل مسئوليهم في العمل وتصل نسبة التحرش في ألمانيا إلى 5%، بريطانيا 4% وإسبانيا 6% والسويد تحتل المرتبة الأخيرة بنسبة لا تزيد عن 3% . وأشارت دراسات أخرى أن نسبة التحرش الجنسي بالنساء والفتيات بشكل عام في لبنان وصلت إلى 30%. كما أشارت دراسة مسحية أجريت في الجامعة الهاشمية في الأردن إلى تعرض 14% من نساء العينة لتحرشات جنسية في أماكن العمل.
أن شبكة الإنترنت مليئة بالتقارير والشهادات الحية لنساء وفتيات تعرضن للتحرش بمختلف أشكاله في أغلب الدول العربية ، خاصة بعد أن قررت النساء الخروج من صمتهن والتعبير صراحة عن رفضهن لممارسات المتحرشين وانتهاكات حقوقهن الإنسانية والتصدي للعنف الموجه ضدهن ، فنشطت النساء والفتيات في مصر لمواجهة التحرش الجنسي من خلال حملات الكترونية أو على الأرض بالتظاهر والاحتجاج كحملة "أمسك متحرش" وحملة "لا للتحرش الجنسي" وأطلقت مواقع الكترونية ترصد التحرش كموقع "خارطة التحرش الجنسي في مصر" ، وأنتجت العديد من الأفلام التي توثق حالات تحرش جنسي ، حيث تشير المخرجة المصرية "نيفين شلبي" لتعرضها شخصياً لتحرش جنسي أثناء تصويرها فلم "خط أحمر"، الذي يتناول التأثير النفسي للفتاة التي تعرضت لتحرش جنسي.
ويعتقد الذين يروجون لثقافة "الحريم" و استبطنوا المرأة كأم وربة منزل فقط أن كل خروج لها على هذين الدورين"الطبيعيين" لن يكون إلا شذوذاً على قوانين الطبيعة وعن صحيح الدين وهو ما يجعلها مباحة و متاحة للاعتداءات الجنسية إذا ما تجاوزت الدائرة الخاصة و اخترقت الدائرة العامة.
و قد انتشرت في السنوات الأخيرة حملات دعائية تنادي بضرورة الفصل بين الإناث و الذكور في الأماكن العامة و تدعو إلى تحجب النساء بدلاً من تهالكهن على غزو الوظيفة العامة و منافسة للرجال!
وتركزت هذه الرسائل في شعار"حجاب يصون أو تنهش العيون" كما وقع ترويج رسائل أخرى مرمزة تحمل صورتين لقطعتي حلوى: الأولى مغلفة تمثل امرأة محجبة تحافظ على "عفتها". أما القطعة الأخرى، فهي عارية وخلفها امرأة غير محجبة، وشعرها يطير في الهواء وطبعا يحوم الذباب حول الحلوى غير المغطاة.
والجدير بالذكر هو أن :
- القضية لا تعني فقط النساء، هي قضية المجتمع ككل، قضية المواطنة و حقوق الإنسان واحترام كرامة الجسد و حرمته.
- التحرش الجنسي ظاهرة تعيشها المرأة أحياناً في الدائرة الخاصة أي في البيت الذي تعيش فيه مع أقرب المحارم.
- التحرش الجنسي ظاهرة موجودة ضد الأطفال الذين لا يجسدون عادة مصدر إغواء أو إغراء أو فتنة و تستهدف منهم الذكور و الإناث على حد السواء.
-الاعتداءات الجنسية تستهدف المحجبات أيضا كما بينت الدراسات الميدانية.
- إن انتشار الدعوى إلى فصل المرأة و حجبها خوفا من الاعتداءات الجنسية تختزل الكائن البشري في البيولوجي و الجنسي هو تغييب لكيانه الآخر الإنساني الثقافي الاقتصادي الاجتماعي السياسي فالعيش المشترك قائم أساسا على قدرة الإنسان على الارتقاء من الطبيعة إلى الثقافة و من الهمجية إلى الحضارة و يرتكز على تميزنا بخلق الوسائط بيننا و بين المتعة و قدرتنا على تأجيل تحقيق الرغبة المباشرة و إرجائها والتسامي بها.
و بالتالي فالحل الأمثل هو تجريم التحرش الجنسي بسن قوانين منفصلة عن قوانين العقوبات ورسم إستراتيجيات وسياسات تهدف إلى الحد منه ، ودعوة مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المدافعة عن حقوق النساء والأطفال بشكل خاص بالعمل على وضع إستراتيجيات وطنية لمكافحة التحرش الجنسي ، واقتراح مشاريع قوانين ، وزيادة البرامج التوعوية والتثقيفية حول الثقافة الجنسية وحول التحرش الجنسي للنساء والفتيات والأطفال ، والعمل على تسهيل وصولهن إلى مراكز تقديم الخدمات الإرشادية ، ودعم برامج إشراك الرجال والشباب في مكافحة التحرش ، وكما تدعو وسائل الإعلام إلى إبراز قضية التحرش الجنسي والمخاطر التي تترتب على حدوثه ، النفسية والصحية بالنسبة للمتحرش بهن ، والأخلاقية والتربوية بالنسبة للمتحرشين ، والأسرية بالنسبة للمجتمع ككل.
ساحة النقاش